هل مازالت شرعية "ديقاج" التي رفعها الشعب التونسي يوم 14 جانفي 2011 في وجه الطاغية بن علي ورموز نظامه الفاسد تحمل نفس معاني "ديقاج" الذي يرفع اليوم في ظل وجود حكومة شرعية منتخبة؟ ويبدو انه لم يبق من رصيد ثورة الكرامة والحرية سوى هذه العبارة الشهيرة "إرحل" التي رفعت مؤخرا في اكثر من جهة احتجاجا على "الفشل الحكومي" في تحقيق التنمية وآخرها في سليانة التي شهدت احتجاجات ضد الوالي وطالبته بالاستقالة..ورغم أن الشعار واحد الا ان اختلاف حيثيات وأسباب رفع ذلك الشعار ليست هي نفسها دائما، فالعائلة السياسية تختلف في قراءتها لأحداث سليانة عن سابقاتها في سيدي بوزيد وقبلي وقابس. واضح أن الانتقادات التي وجهها رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي مؤخرا إلى بعض السياسيين واتهامهم بالوقوف وراء تأجيج الوضع في سليانة يؤكد ان قراءة الأوضاع في هذه الجهة اختلفت عن الجهات التي رفع فيها شعار "ديقاج" ضد عدد من الولاة واستجابت لها الحكومة ورتبت من جديد صفوف بعض ولاتها وكانت النتيجة هي غلق الباب اما التأويلات السياسية. وكانت تبريرات رئيس الحكومة رفضه الاستجابة بدافع انتهاء عصر "ديقاج" وان الشعار رفع ضد السلطة وليس ضدّ الوالي وان الخاسر الاكبر اليوم هو بناء التجربة الديمقراطية قد تؤزم الوضع اكثر لانها تصنّف من بين القراءات السياسية وليست قراءة رجل دولة تحمل مسؤولياته وعليه المضي في اتخاذ قراراته بما يخدم التجربة الديمقراطية بعيدا عن منطق التحدي. ورغم ان شعار "ارحل" اتفق في شأنه في ثورة 14 جانفي كل السياسيين الا ان التفرقة السياسية ووصول مجموعة الى الحكم عبر صندوق الاقتراع دون اخرى جعلت العائلة السياسية تختلف اليوم عن رفع "ديقاج" فالحكومة ترى انها شرعية ومنتخبة من الشعب، ولا يمكن ان يرفع في وجهها او وجه من تضعهم على راس مؤسساتها هذا الشعار في حين تعتبر المعارضة ان "ديقاج" لبن علي لازالت سارية المفعول ولن تلغيها الشرعية. فتح تحقيق حول ما يجري اليوم من تازم للوضع السياسي والاجتماعي قال محمد عبو امين عام حزب المؤتمر من اجل الجمهورية انه يمكن تفهم إبعاد بعض المسؤولين بعد الثورة لكن الضغط على الحكومة يجب ان يتم بطريقة سلمية لان العنف لا يليق بدولة ديمقراطية وهذا لا يحصل بمنأى عن تصفية حسابات. وراى انه على الحكومة تحمل مسؤولياتها ازاء ما يجري وفتح تحقيق في احداث سليانة وفي حال ثبت ارتكاب الوالي لاخطاء فعليها إبعاده. اختلاف شعار "ديقاج" اعتبر عبد الوهاب الهاني رئيس حزب المجد ان شعار "ارحل" الذي رفع في عديد المناطق بعد الثورة يختلف عن الشعار الأول لان الوضع يختلف اليوم عمّا كان سابقا حيث كنا نعيش تحت وطأة نظام فاسد ومستبد واليوم نعيش وضعية انتقال ديمقراطي بإجماع الجميع. ودعا الهاني الطبقة السياسية الى ترجمة شعار "ديقاج" إلى آليات لتفعيل السيادة الشعبية مقترحا إدراج آلية "ارحل" كآلية دستورية بما لا يهدد هيبة الدولة وذلك في إطار المحاسبة والمساءلة وإقالة المسؤول إذا ما انحرف عن مسؤولياته. ورأى ان الحكومة "ارتكبت خطأ في تحويل الأزمة في ولاية سليانة من مشكل جهوي إلى مشكل وطني وهو نوع من تدويل قضية محلية كان على السلطة محاصرتها وإقالة الوالي وهذا ليس ضعفا بل هي قوة للحكومة." ووصف موقف رئيس الحكومة ب"الصلب " وقال أن "هذا فيه نوع من الغرور والتعالي لان السلطة التي تعزل نفسها هي سلطة تحكم على نفسها بالفشل." بعد سياسي ولاحظ الجمعي قاسمي محلل سياسي ان عودة عبارة "ديقاج" لتتردد من جديد خلال المسيرات من سيدي بوزيد إلى سليانة لها أكثر من بعد سياسي وأكثر من رمزية ارتباطا بتداعيات ثور 14 جانفي على طبيعة الفكر السياسي السائد حاليا في ظلّ التجاذبات القائمة. واعتبر ان بالأمس "كانت العبارة موجهة أساسا إلى النظام الذي استأثر بالحكم طيلة 23 سنة بينما تعود اليوم ارتباطا بخطاب ثوري في مناخ لم يجد طريقه بعد إلى المزاوجة بين الخطاب الثوري وخطاب الدولة". وقال:"هذا الإرباك والارتباك الذي تتخبط فيه حكومة الترويكا وترددها ما بين خطاب ثوري وخطاب دولة أدى إلى بروز هذه العبارة من جديد." ورأى القاسمي ان "على الحكومة بأحزابها تحمّل عودة هذه العبارة الشهيرة "ديقاج" لترفع من جديد لانها هي التي وفرت المناخ للإبقاء عليها والاستنجاد بها في مثل هذه الحال." وأضاف:"الحكومة الحالية بسقف الشعارات السياسية التي تطرحها والممارسات الميدانية هي التي دفعت الى استعادة هذه العبارة، كما نجد ان الاحزاب الحاكمة اليوم مازالت تمارس حملة ثورية جوفاء من خلال الاستعانة بهذه العبارة عندما طرح مشروع قانون تحصين الثورة وهذا نوع من انواع "الديقاج"". "ديقاج" نوع من التمرد ولاحظ حمودة بن سلامة ناشط سياسي وحقوقي ان "عبارة "ديقاج " أصبحت شبه دولية وكلمة مرتبطة بحدث معين وبثورة ولهذا فهي نوع من السلوك الجماعي لكن في حال استعملت من قبل افراد في غالب الأحيان ستصبح عبارة اعتباطية". وراى ان هذا الشعار "هو اكثر من كلمة قد يتحول الى ثقافة ونوع من التمرد على المؤسسات وعلى الدول بصرف النظر عن الجزئيات طالما ان التمشي المنطقي والمعقول يفرض وجود شرعية ولو هي مؤقتة لكن هذه هي حقيقة لا يمكن انكارها". وفسر قائلا "قد تؤثر عبارة "ارحل "او "ديقاج" سلبا على هيبة الدولة ".