بصرف النظر عن محاولات التوظيف المختلفة لتاريخ الثالث والعشرين من أكتوبر من كل عام باعتباره يوما مفصليا في التاريخ السياسي الحديث لتونس الجديدة تونس ما بعد سقوط نظام المجرم بن علي وعصابته... وبصرف النظر عن عظمة وتاريخية حدث الانتخابات التي شهدتها تونس ذات 23 أكتوبر من سنة 2011 والتي انبثقت عنها أول مؤسسة نيابية تعددية منتخبة ديمقراطية في تاريخ تونس المعاصر ممثلة في المجلس الوطني التأسيسي والتي منها تحديدا (الانتخابات) اكتسب هذا اليوم رمزيته وتاريخيته... وعلى الرغم من غرابة وغموض حملات التخويف والتجييش والتعبئة التي ظلت بعض الأطراف السياسية والإعلامية تروج لها «وتشتغل» عليها على امتداد الأيام القليلة الماضية فإن مرور سنتين بالتمام والكمال من عمر التجربة الديمقراطية الوليدة في بلادنا لا يمكن أن يعني سوى أن التونسيين كل التونسيين قد عرفوا وبرغم كل المحن والمصاعب كيف يعظوا على هذا المكسب الحضاري بالتواجد وأنهم ماضون وبإصرار في عملية الانتقال الديمقراطي وأنهم غير مستعدين بأي شكل من الأشكال للتفريط فيه أو التنازل عنه... نقول هذا لا من باب التغطية على بعض الاخفاقات السياسية والاقتصادية والأمنية التي حصلت على امتداد السنتين الماضيتين من حكم «الترويكا» ولكن نقوله خاصة من أجل التأكيد على رمزية تزامن ذكرى انتخابات 23 أكتوبر هذه السنة مع انطلاق جلسات الحوار الوطني باعتباره في حد ذاته شكلا من أشكال الانقاذ والإصرار على المضي قدما بالتجربة الديمقراطية في تونس وتحصينها وفاء للثورة ولشهدائها.. صحيح أن أطرافا تريد اليوم أن تختزل «الذكرى» في نقاش بيزنطي سياسوي حول الشرعية الانتخابية انتهت أم لم تنته! وصحيح أيضا أن أطرافا أخرى تبدو وكأنها قد استمرأت بالمقابل النوم في عسل هذه «الذكرى» وتود لو أن تاريخ 23 أكتوبر يظل يتكرر لعقود أخرى وهم حيث هم! لهؤلاء وأولئك نقول أن الشعب التونسي صانع ملحمة ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي 2011 التاريخية لم يخرج يوم 23 أكتوبر من سنة 2011 ويتوجه في سابقة تاريخية بالملايين إلى مراكز الاقتراع لأداء واجبه الانتخابي إلا من أجل أن يكون لهذا اليوم ما بعده.. بمعنى من أجل أن يتحمل الجميع مسؤوليتهم الوطنية والتاريخية في المراكمة على حدث 23 أكتوبر 2011 التاريخي وجعله «مدخلا» إلى دولة تونسية جديدة ديمقراطية آمنة ومزدهرة تقطع وإلى الأبد مع فساد واستبداد الدولة النوفمبرية التجمعية المنهارة.. دولة المجرم بن علي وعصابته هل نحن اليوم فعلا على هذا الطريق؟ ربما كنا سنجيب ب«لا» لو أن أطرافا في الحكم أو في المعارضة أعلنت رفضها للحوار الوطني الذي سينطلق اليوم من أجل التوافق على إدارة ما بقي من المرحلة الانتقالية.. أما وقد قبل الجميع بالحوار فإننا سنقول وبكثير من الاطمئنان نعم.. نحن اليوم على طريق بناء الدولة التونسية الجديدة.. دولة المواطنة والعدالة والحريات والقانون والمؤسسات