محسن الزغلامي ماذا عسى أيّ متابع تونسي أن يشعر وهو يشهد موجة الاحتجاجات الشعبية العنيفة التي عمّت شوارع موسكو غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية الروسية التي جرت يوم الأحد الماضي.. وهي الانتخابات التي انتقدها ولا يزال أكثر من طرف روسي ودولي على غرار ما فعل الزعيم السوفياتي الأسبق والأشهر ميخائيل غورباتشوف الذي ذهب إلى حدّ المطالبة بإلغاء نتائجها التي وصفها بالمزوّرة؟! نطرح هذا السؤال تحديدا لا من أجل أن ننخرط بدورنا في «حملة» التشكيك في نزاهة هذه الانتخابات التي فاز فيها حزب «روسيا الموحّدة» الحاكم بزعامة فلاديمير بوتن ولكن أساسا لأنّ الإجابة عنه تحيل من بين ما تحيل على قيمة ذلك «المنجز السياسي» والحضاري الهام بل والمذهل الذي حققه الشعب التونسي في انتخابات 23 أكتوبر عندما جعل منها وبالمعايير الدولية أول انتخابات ديمقراطية نظيفة وشفافة في التاريخ السياسي العربي المعاصر.. هذا «المنجز» هو الذي يتعيّن علينا اليوم كتونسيين أن نصونه وأن نراكم عليه من أجل المضي قدما بالحياة السياسية في تونس ما بعد ثورة 14 جانفي على طريق الديمقراطية، والمدنية والحداثة.. نقول هذا وفي البال تحيّة وفاء وامتنان كنا نودّ توجيهها بالمناسبة إلى «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» ولرئيسها المناضل الحقوقي الأستاذ كمال الجندوبي الذي نستسمحه في أن نتجاوز عن كلمات الشكر للخوض فيما نعتقد أنه أهم بالنسبة إليه شخصيا، ألا وهو ضرورة الحفاظ على هذا «المنجز» الحضاري والعمل على المراكمة عليه من أجل تحقيق الانتقال الديمقراطي والتأسيس للدولة المدنية الجديدة دولة القانون والمؤسسات والعدالة والحقوق والحريات. ما من شك أنه لا تزال ضمن المشهد السياسي والاجتماعي في تونس اليوم وبعد مرور ما يقارب العام على انتصار ثورة الشعب التونسي وسقوط نظام المجرم بن علي القمعي والفاسد بعض «المظاهر» و»الظواهر» التي من شأنها أن تثير القلق والمخاوف في نفوس عموم التونسيين.. فالوضع الاجتماعي والأمني لا يزال مضطربا نسبيا والمؤشرات الاقتصادية ليست مطمئنة إطلاقا .. هذا فضلا عن مظاهر الاحتقان السياسي الذي تعكسه الأجواء داخل وخارج قصر باردو التاريخي حيث تدور منذ أيام أشغال المجلس الوطني التأسيسي. مظاهر الاحتقان هذه هي التي يجب أن تتظافر اليوم جهود كل الأطراف والقوى الوطنية على الحد منها لتحل محلها مؤشرات التوافق والوعي بضرورة الاجتماع على خدمة المصلحة الوطنية العليا بعيدا عنه أية حسابات حزبية ضيّقة... لقد قدّم الشعب التونسي وقواه الوطنية المناضلة بمختلف توجّهاتها السياسية وعلى امتداد خمسة عقود كاملة أنواعا شتى من التضحيات من أجل التمهيد لإقامة دولة القانون والمؤسسات على أنقاض دولة الفساد والاستبداد. ثم جاءت ثورة 14 جانفي كتتويج تاريخي لهذه النضالات والتضحيات.. لذلك وجب على القوى السياسية التي عهد إليها الشعب بمسؤولية بناء مؤسسات الدولة التونسيةالجديدة المدنية والديمقراطية أن يكونوا في مستوى هذه الأمانة التاريخية وفي مستوى «إنجاز» انتخابات الثالث والعشرين من أكتوبر النظيفة والشفافة والديمقراطية وغير المزوّرة.