من المواضيع التي تسترعي الاهتمام في العدد 4 من مجلة "ثقافة الهند" لسنة 2012 التي تصدرعن المجلس الهندي للعلاقات الثقافية بالتعاون مع المركز الثقافي الهندي العربي للجامعة الملية الإسلامية بنيودلهي دراسة عن "ملامح القصّة القصيرة الهنديّة " للدكتورأحمد القاضي، رئيس قسم اللغة "الأردو" بجامعة الأزهر، وعن دورها في تكوين شخصيّة الهندي بعد الثورة والاستقلال وتمكنها من السيطرة على نزعة الأمة وتوجّهها أثناء الثورة في اتجاه الوحدة في ظل التعدّدية . ومن القاسم المشترك في أسئلة المراحل الثلاث التي مرّت بها القصّة القصيرة في الهند يمكن لنا اليوم ونحن في فترة انتقالية ونؤسّس للمستقبل ونخوض حربا على الإرهاب وعلى الرّاغبين في تقسيم الشعب التونسي الموحّد إلى الكفار ومؤمنين رجعيّين و حداثيّين والى مذاهب و طوائف وجهات، والى أغنياء وفقراء وغيرها من التقسيمات التي تؤدّي بالضرورة إلى الفرقة وتعميق الهوة حتى بين أبناء العائلة الواحدة... يمكن ان نتأكد من أنه لا أمن لأي بلد ألا بالأمن الثقافي، هذا الأمن الذي استطاع أن يوحّد أمة بمئات ملايين البشر تتكلم أكثر من 600 لغة ولهجة وتختلف فيها الأديان وإن كانت أغلبيّة السكان من الهندوس والمسلمين . القصّة القصيرة ساءلت القيم الأخلاقية والاجتماعية لا شك في أن الآداب الهنديّة تحتل مكانة بارزة بين الآداب العالمية ويكفي هنا ان نذكر ب"كليلة ودمنة"و"بألف ليلة وليلة "..هي آداب ترتبط بالشعب الهندي وتسعى لتوحيده والنهوض به وهو ما يمثل عنصرأصالتها ويجعلها اليوم نموذجا ثقافيا يمكن ان نحتذي به في تونس. والقصّة الهندية القصيرة التي بدأت مع الكاتب بريم جند ( 1881 / 1936 ) الذي كتب حوالي 200 قصة كانت أبرز مجال انعكست فيه الأحداث السياسية والاجتماعية في العصر الحديث كما في تاريخ الثورة الهندية على المستعمرالانقليزي وهو ما يؤكده الدكتور أحمد القاضي إذ يقول في دراسته ل"ملامح القصة القصيرة : "ان الآداب الهندية تعكس في داخلها القصص والأساطيرالحافلة بتعاليم الأخلاق والدّين والقيم العليا ، وان معظمها مأخوذ من التراث الأدبي لملحمتيْ " المهابهارتا" و" الرّماينا" وقد ساعد هذا على حفظ التراث الثقافي من جيل إلى جيل. " والكاتب"بريم جند" هاجم في قصصه التقاليد الموروثة وتعرّض لأوضاع البؤس والشقاء التي هيمنت على سكان الهند، وكتب ضدّ الإقطاع وهاجم الطائفية وزواج الأطفال ومعاملة المجتمع المهينة للأرملة. وكتب معاصروه متبنّين التوجّهات الماركسيّة التي تدعو إلى العدالة الاجتماعية في حين أمعن من جاء بعده من الكتاب مثل "عصمت غنجاتي" و سعادت حسن منتو" و ايلاجندرا جوش" في التحليل النفسي للشخصيات متأثرين بأفكار" سيغموند فرويد "( عقد نفسية.. وشهوات جنسية مكبوتة وخاصة لدى الشخوص النسائية). وبعد استقلال الهند ومع ولادة النظام الرأسمالي والثقافة الحديثة ساءلت القصّة القصيرة القيم الأخلاقية والاجتماعية وخاصة بعد ان تعرّضت فيها العقائد للشك والرّيبة نتيجة للاحتكاك بالثقافات الأخرى وبعد أن انهارنظام الأسرة الكبير وبدا الأبناء يرفضون تقاليد الآباء وكان من أكبر كتاب هذه الفترة الكاتب " بهشين ساهني". بصمة طاغور البنغالي أو روح القصّة الهنديّة الحديثة كتابات طاغور البنغالي مؤسّس صياغة شكل القصّة القصيرة سنة 1891 - وقد وصلت إلى التونسيّين مترجمة - استطاعت ورغم هيمنة اللغة الانقليزيّة وآدابها أن تعطي للشعب الهندي الثقة والإيمان بلغته وثرائه الثقافي والفكري وتأكيد روح الوطنية الهنديّة وقد برز معه ومن بين معاصريه كتاب مثل"بهائي سنج " وكرشن جندر" و"ملك راجا نند" و"قرة العين حيدر" وهؤلاء ورغم انتمائهم إلى طبقات اجتماعية مختلفة وأديان ومذاهب متنوعة استطاعوا ان يهبّوا هبة رجل واحد يستنكرون الاستعمار ويندّدون باستغلاله للهند لقرابة قرن من الزمن .ومرّت القصّة الهنديّة القصيرة حسب ما جاء في الدراسة بمراحل تطورهي الطور الكلاسيكي( غلبة الأفكارالأسطورية على العقل الهندي ) والطور الحديث ( التعايش السلمي وتقبل الأخر المختلف ) والطورالمعاصر( سيطرة فكرة العنصريّة والعصبيّة سواء كانت للدين آو للسان آو للعرق) ولكنها -اي القصة -كانت ومازالت من أهم أدوات النضال الوطني الفاعل والتوحيد والتجميع في يد الشعب الهندي . وقد ساعدت القصة القصيرة على توثيق الخبرات الواسعة للمجتمع الهندي المتعدّد والمتنوع الأطياف وعلى فهم مضمون أفكارالمجتمع الهندي في عالم يتغير . وقد رأى الدّارس ان القصّة الهندية محلية تعالج مشاكل الولاياتالهنديّة الكثيرة؛ ولكنها ورغم هذه المحلية ترسم الحياة الاجتماعية كما يحياها الهندي بين قريته ومدينته ( الزواج ، جهاز العروس ، حقوق المرأة ،القضايا الدينية التي تكبل كل الطوائف الهندية المتشعبة). هذا العدد من مجلة "ثقافة الهند"احتوى كذلك على دراسة عن نشأة الصحافة العربيّة وتطورها في جنوبالهند للدكتور"كيه.أشرف" وحديث عن العلامة "عبد الحي الفرنجي محلي" وأعماله في السّير والتراجم : دراسة تحليلية للدكتور"محمد أرشاد الحق" وعن مظاهرالثقافة الهندية في رحلة "محمد بن ناصر العبودي" إلى شمال الهند للدكتور "فوزان احمد مقتدى حسن" وعن شاهر الثورة "قاضي نذر الإسلام" وأعماله الأدبيّة ل"منيرالإسلام بن نظام الدين" وعن الهند في أدب الرّحلات الغربية ل"صاحب عالم الاعظمي الندوي" وعن تاريخ الحديث النبوي في الهند وأقطابه ل"محمّد أسلم إي.كي"؛ وعن المدائح النبوية في الشعر العربي في "كيرالا" وميزاتها الفنية ل" كيه.تي.جابرالهدوي".