الشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية تشرع في بيع 45 شقة من الصنف الاجتماعي ضمن آلية "الفوبرولرس"    بمناسبة العيد الوطني للمرأة: وزارة الأسرة تشيد بريادة التونسيات وتجدّد التزامها بدعم حقوقهن    وزير الإقتصاد في إفتتاح اليوم الوطني لتونس في التظاهرة الكونية " اوساكا اكسبو 2025"    زيلينسكي يحذر ترامب... وأوروبا تعزز موقفها بشأن أوكرانيا    الرابطة المحترفة الثانية: مستقبل القصرين يتعاقد مع اللاعب غيث الصالحي    التونسي راضي الجعايدي مدربا لنادي النجمة اللبناني    تفاصيل حالة ليلى علوي الصحية بعد تعرضها لحادث سير    عاجل/ الجيش الصهيوني يصادق على خطة احتلال غزة..    وفاة صنع الله إبراهيم... قامة السرد العربي تفقد أحد أعمدتها    هام/ هيئة الصيادلة تطلق منصة رقمية ذكية لتسهيل ولوج المواطنين لصيدليات الاستمرار..    الرابطة الأولى: الترجي الجرجيسي يكشف عن موعد الجلسة العامة التقييمية    تونس تشارك في بطولة افريقيا للتايكواندو ب10 عناصر    بلاغ هام للترجي الرياضي التونسي..#خبر_عاجل    هام/ الديوانة التونسية تنتدب..    السجن لكهل أنهى حياة بائع متجول..وهذه التفاصيل..    عاجل/ هذه الدولة تعلن استعدادها اعتقال نتنياهو..    المرأة التونسية في قلب العمل: فريق نسائي للديوانة يسهل حركة المسافرين بميناء حلق الوادي    تفشي عدوى بكتيرية بفرنسا ...تفاصيل    رد بالك ... معلومات صادمة ...الاستحمام بالماء البارد في الصيف قد يهدد حياتك!    قرار قضائي بسجن محامٍ بتهم إرهابية وغسيل أموال    البرلمان يدعو إلى تعزيز حقوق المرأة وصون كرامتها بمناسبة عيدها الوطني    هذه هي المرأة التونسية الوحيدة التي تستحق التكريم في عيدهن ...!!.    جنجون يختتم اليوم مهرجان سيدي عطاء الله بنبر    مسيرة بالعاصمة للحزب الدستوري الحر للمطالبة باطلاق سراح رئيسته عبير موسي    الكاف: حجز كميات من السجائر المحلية والمجهولة المصدر    "أصول" لياسين بولعراس على ركح الحمامات: عرض موسيقي يعزز حوار الثقافات ويدعو إلى الانفتاح وقبول الآخر    غيلان الشعلالي ومراد الهذلي يتوجان بالبطولة الليبية مع الأهلي طرابلس    محرز الغنوشي للتوانسة :'' السباحة ممكنة بكافة الشواطئ واللي يحب يبحر يقصد ربي''    في بالك : مشروع قانون جديد يقسم المسؤوليات المنزلية بين الزوجين!    تقارير اعلامية تُشكك في وجود مرتزقة كولومبيين في السودان    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    بطولة العالم للكرة الطائرة للسيدات: المنتخب الوطني ينهزم أمام نظيره التشيلي    جمعية النساء الديمقراطيات تدعو إلى تطوير مجلة الأحوال الشخصية وحماية مكتسبات المرأة    عاجل : دراسة طبية تحذّر من مسكن آلام يستعمله الملايين    وزارة الصحة تعمم منصة Njda.tn لتسريع التدخلات الطبية وإنقاذ الأرواح    جمهور مهرجان صفاقس الدولي يعيش أجواء كوميدية مع مسرحية "بينومي S+1" لعزيز الجبالي    اليوم.. الدخول مجاني لجميع المواقع الأثريّة والمتاحف    نابل ..تراجع صابة عنب التحويل بنسبة تتراوح بنسبة 25 و 30%    ترامب وبوتين في ألاسكا: من أرض روسية سابقة إلى مسرح لمباحثات السلام المحتملة    إيقاف مراقب جوي فرنسي عن العمل لقوله "فلسطين حرة" لطاقم طائرة إسرائيلية    إدارة ترامب تتجه لإعلان "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية...    ثمانية أمراض ناجمة عن قلة النوم    كرة القدم العالمية : على أي القنوات يمكنك مشاهدة مباريات اليوم الأربعاء ؟    دعوة الى تلازم الذكاء الاصطناعي مع مقاصد الدين    حجز كميات كبيرة من الأجبان والزبدة محفوظة بطرق غير صحية بولاية جندوبة    سمكة الأرنب السامة غزت شاطئ نابل.. خطر على صحة التوانسة!    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    عاجل: استئناف حركة المترو بصفة عادية بعد إصلاح العطب الكهربائي    ارتفاع درجات الحرارة يرجع بداية مالتاريخ هذا    قابس: العثور على جثة شاب مفقود منذ أسبوع داخل بئر عميقة    إحباط محاولة تهريب 36 كلغ من مخدّر "الزطلة" بميناء حلق الوادي الشمالي    يهم التسجيل المدرسي عن بعد/ البريد التونسي يعلن..    عاجل: دخول مجاني للمواقع الأثرية والمتاحف يوم 13 أوت    رّد بالك مالبحر اليوم: الرياح توصل ل60 كلم والسباحة خطر    تعطل وقتي لجولان عربات المترو بسبب عطل في الأسلاك الهوائية الكهربائية    تاريخ الخيانات السياسية (43) القرامطة يغزون دمشق    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي (2 / 2)    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العباسي في الذكرى ال70 لتأسيس اتحاد الشغل: نحن الوريث الشرعي للحركة النقابية
نشر في الصباح نيوز يوم 20 - 01 - 2016

ألقى اليوم الاربعاء الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي كلمة بمناسبة الاحتفال بسبعينية تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل 20 جانفي 1946 – 20 جانفي 2016، بقصر المؤتمرات بالعاصمة.
وفي ما يلي فحوى الكلمة:
"مرّ اليوم على ميلاد مركزيتنا النقابية، سبعون سنة، كان ذلك يوم 20 جانفي من عام 1946 على إثر انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل بمقرّ الجمعية الخلدونية والذي جمع النقابات المستقلة بالجنوب وأختها بالشمال والجامعة العامة للموظفين التونسيين في ائتلاف فريد يضمّ الشغالين بالفكر والساعد.
واليوم، يوم 20 جانفي 2016، ها نحن في الموعد من جديد.. أوفياء.. أوفياء لدماء الشهداء.. أوفياء لذكرى الروّاد من النقابيين.. أوفياء لتضحياتهم ولإسهاماتهم الجليلة ولما راكموه من مكاسب في مجال الحقوق الاجتماعية والمدنية.
سبعون سنة مرّت، والاتحاد العام التونسي للشغل ثابت على المبادئ في تربته شامخ، ساطع، لم يبرح الساحة الوطنية، مسجّلا على المبادئ مشاركته في مختلف مراحل الحياة العامة، وحضوره المتقدّم في جبهات النضال الوطني ليظلّ على امتداد النصف الثاني من القرن الماضي ومطلع القرن الجديد ملتزما بمسؤولياته الوطنية فيما تلقاه البلاد من تغييرات هيكلية على صعيد البناء الاقتصادي والرقي الاجتماعي، ومن أجل رعاية التوازن بين الجهات والفئات، والدفاع عن حقّ الإنسان في الحرية والكرامة والعدالة اجتماعية وفي فسحة المستقبل.
سبعون سنة في خدمة تونس وما بدّل الاتحاد تبديلا.
لقد تأسّس الاتحاد كما قال حشّاد: "ليؤمن مهمة الجندي في جبهة التقدّم الإنساني وليقاوم كلّ السياسات التي تتعارض مع هذا النهج". ويشهد التاريخ، أنّ الاتحاد شارك في مختلف معارك الشعب التونسي ضدّ الاستعمار وضدّ الحيف والتخلّف والتفقير والتسلّط، فحفّت به - جرّاء مواقفه وقراراته - ضروب متعدّدة من المخاطر، وعصفت به أزمات كثيرة، داخلية وخارجية، فصمد في وجه هذه المحن جميعها ولم ينخذل.
ويشهد المؤرخون والملاحظون أنّ هذا الفوز يرجع بالأساس لمنبت الاتحاد الأصيل، ولمنشئه الكريم ولإخلاص مناضلاته ومناضليه وصلابة عودهم ومتانة تكوينهم ولدماء الشهداء الزكية.
لنتذكّر دائما ما كان يردّده حشّاد بكثير من التقدير والامتنان بشأن أصالة منبته بأنّ الاتحاد العام التونسي للشغل هو الوريث الشرعي للحركة النقابية التي أسّسها محمد علي الحامي ومن أنّه يهدف إلى تحقيق نفس أهدافها وأنّ هذا الأخير هو الأب الروحي للعمل النقابي التونسي الأصيل وباذر أولى نواتها وما جحد عمق تلك التجربة بل تبناها وبنى عليها.
لذلك لا يسعنا في مثل هذا اليوم العزيز على قلوبنا إلاّ أن نذكّر بكثير من التقدير والعرفان فقيدنا الرائد محمد علي الحامي وأعماله الجسورة وتضحياته الجسيمة وافكاره السابقة لعصره ورفاقه البررة المتنورين من أمثال الطاهر الحداد ومختار العياري وغيرهم...
تلك هي البيئة التي نشأ فيها الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة فرحات حشّاد، بيئة تنازعتها نزعتان الأولى استعمارية مناهضة لكلّ نزعة استقلالية والثانية متمسكة بالخصوصية الوطنية وبالتلازم الوثيق بين النضالين الوطني والاجتماعي.
لقد وفّرت حركتنا العمالية في تلك الفترة رافدين اثنين لفائدة النضال الوطني، تمثّل الأوّل في القوى الداخلية المنتظمة في تشكيلات نقابية منتشرة على كامل تراب الجمهورية، والثاني فيما وفّره الاتحاد للنضال الوطني من منابر عالمية للتشهير بالاستعمار وممارساته البشعة وقد تجلّى ذلك بالخصوص في التحاق الاتحاد بالكنفدرالية العالمية للنقابات الحرّة – السيزل على قاعدة رفض طمس القضية الوطنية وإلغاء دورها في معركة التحرير ضدّ الاستعمار الغاشم والبحث عن منابر واسعة للتعريف بها .وفي إطار المزاوجة بين النضالين الوطني والاجتماعي. كانت ضريبة خيارنا الوطني مؤلمة لمّا أقدمت الحكومة الاستعمارية الفرنسية على اغتيال شهيدنا وزعيمنا الوطني والنقابي فرحات حشّاد في 5 ديسمبر 1952 لأنّها استشعرت خطره على المصالح الاستعمارية.
ولذا مثل اغتيال الشهيد حدثا عربيا ودوليا وانتفض من أجله عمال العالم ولنا في انتفاضة 8 ديسمبر 1952 في المغرب شاهد على قيمة الرجل ودوره في توحيد عمّال المغرب العربي وعمّال العالم.
بعد مرحلة التأسيس، تلت مرحلة اثبات الذات مع المفاوضات مع الحكومة الفرنسية لتحقيق الاستقلال حيث كان اتحادنا حاضرا إلى جانب القوى الأخرى في الإعداد لهذه المفاوضات وتوجيهها الوجهة التحريرية الشاملة لمختلف مقوّمات السيادة وخاصة في المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
كانت ثمرات هذه المرحلة، إجراء انتخابات تأسيسية في البلاد كان للنقابيين نصيبهم الوافر بين أعضائه ودورهم المؤثّر في توجيه الدستور الوجهة المدنية والتحررية المرجوّة، وفي إقامة النظام الجمهوري وفي استصدار القوانين الأساسية الكبرى مثل مجلة التشريع العمالي وقانون الملكية الزراعية والقانون الأساسي للعملة الفلاحيين وقانون الوظيفة العمومية وخطّة إصلاح التعليم العمومي. كما كان لهم دور في اتّخاذ القرارات الحاسمة مثل الخروج من منطقة الفرنك الفرنسي وإنشاء البنك المركزي والمصارف البنكية المختصة وإنشاء مؤسسّات التأمين والنقل والمواصلات وبعث الجامعة التونسية ومدارس المهندسين ومراكز البحث العلمي.
لقد كنّا مسنودين في تلك المرحلة بوجود جماهيري واسع ورصيد نضالي عريق، وبرؤية استشرافية عمادها برنامج اقتصادي واجتماعي حول الملامح الرئيسية للمجتمع الذي تطمح إليه الحركة النقابية التونسية وجموع الشغالين وبحضور مؤثّر في دواليب الحكم ومراكز القرار، مكّننا من مباشرة مهمّة التحصين عبر بعث العديد من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية ساعدتنا على الصمود والبناء.
حتّى وإن كان من الواضح أن نظام الحزب الواحد الذي تكرّس تدريجيا في البلاد منذ بداية الستينات، ونوعية العلاقة التي سادت بين اتحادنا من جهة والسلطة والحزب الواحد من جهة أخرى قد مثّلا عاملين أساسيين لتراجع اهتمام منظمتنا بالقضايا السياسية على امتداد عشرية الستينات وجزء من السبعينات، فإن الأزمات التي برزت في علاقة الاتحاد بالسلطة الحاكمة اكتست طابعا سياسيا محوره أسلوب الحكم وعلاقة الدولة بالمجتمع. نذكر في هذا السياق القائد الفذ أحمد التليلي، رفيق درب حشاد، ورسالته الشهيرة إلى الرئيس الحبيب بورقيبة، واسهاماته في وضع المقومات الأساسية للنهج الديمقراطي التعدّدي لتكون تلك الرسالة أولى بذرات النضال من اجل الديمقراطية في تونس.
بدأت قضية الديمقراطية تشكّل محورا أساسيا في حياة الاتحاد، على خلفية هذه النزعة المهيمنة لنظام الحزب الواحد، حيث أصبحت قضايا التعدّدية الحزبية والحريات الفردية والعامة وحريّة الرأي والصحافة والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين متداولة في مختلف لوائحه وهيئاته القيادية وفتحت مقراته وجريدته "الشعب" على مصراعيها أمام نشطاء حقوق الانسان وأصحاب الرأي المخالف من سياسيين وحقوقيين وإعلاميين ومثقّفين وفنّانين مبدعين.
لقد كانت هذه المقاربة الجديدة والجريئة التي توخاها الاتحاد في صراعه من أجل استقلاليته، بداية من منتصف السبعينات بقيادة الزعيم الراحل الحبيب عاشور، الأسد العجوز، كما يحلو للبعض تسميته، تقوم على اعتبار أنّ التعدّدية السياسية والفكرية واحترام الحريات هي السبيل الوحيد لتأمين استقلالية المنظمات الجماهرية وتحديدا الاتحاد العام التونسي للشغل وعلى الإيمان العميق بالدور التعديلي للاتحاد بوصفه منظمة وطنية.
وما من شكّ، أنّ معركة 26 جانفي 1978 تعتبر أكبر المعارك التي خاضها اتحادنا من أجل وجوده واستقلاليته وكلّفته فقدان الكثير من الشهداء وحبس وطرد وتشريد النقابيين. ولقد كانت معركة ذات بعد سياسي بامتياز، ليس من أجل الحكم - كما روج الى ذلك اعداؤه وقتها، أو هي التهمة الجاهزة والمتجددة في كل حقبة- ولكن من أجل الاستقلالية وإثبات الذات.. معركة أحدثت شرخا عميقا في جسم نظام الحزب الواحد ومهّدت للتدرج - مرغما - نحو الاعتراف بالتعددية وبحرية الاعلام والصحافة.
كلّ هذا يجعلنا نؤكد أن الحركة الديمقراطية تتطوّر وتترعرع بالضرورة بموازاة مع تطوّر وترعرع الحركة الاجتماعية والنقابية بالخصوص، وأنّها تنتكس وتتراجع كلما تقلّص دور الاتحاد في الحياة العامة.
سيحفظ التاريخ أنّ العقد الأخير من القرن الماضي مثّل بكلّ المقاييس عقد هيمنة الرأسمالية وقيمها المجتمعية المكرّسة للفردية والضاربة عرض الحائط بكلّ مفاهيم التضامن والتآزر المجتمعي. وسيحفظ التاريخ أيضا ان هذا العقد شهد أكبر هجمة للشركات متعددة الجنسيات وأرباب العمل بصفة عامة على الحقوق الاجتماعية الأساسية للعمّال. وهكذا وجدت الحركة النقابية في تونس كما في العالم نفسها ممزّقة، فلا هي تستطيع التكيف مع الواقع الجديد الذي رسمت ملامحه بيوت المال والمضاربات، ولا هو متاح لها البقاء على حالها بتنظيمها القديم وبأساليب عملها الموروثة.
وقد عايش اتحادنا حالة المخاض العسيرة وأطوار التشكّل الجديد للحركة النقابية على الصعيد العالمي والإقليمي والذي افرز في مطلع هذا القرن اندماج الكنفيدرالية العالمية للنقابات الحرّة، سيزل والكنفيدرالية العالمية للشغل، في كيان واحد وهو الكنفيدرالية الدولية للنقابات.
وسيرا على هذا النهج، بدأ الاتحاد، خاصة بعد مؤتمر جربة التصحيحي، ترسيخ استقلالية قراره وموقفه وتلمس طريقه نحو التأقلم بإعادة النظر في أساليب عمله وفي البحث عن تحسين تمثيليته وتطوير هيكلته وطرق تنظيمه بما يساعد على إضفاء المزيد من الديمقراطية صُلبه، فكثّف من نشاطه الدراسي والتثقيفي مستعينا بكفاءاته من الجامعيين والباحثين التي يزخر بها اتّحادنا.
لكنّ إرادة الابتزاز والفساد لدى السلطة كانت أقوى، وهو ما أدّى إلى اختلالات في توزيع المداخيل بين الفئات الاجتماعية ووسّعت الهوّة بين الفقراء والأغنياء وعمّقت الفوارق بين الجهات ممّا خلّف الشعور بالحيف والغبن وزاد من الاحتقان إلى حدّ الانفجار.
كان الانفجار الأوّل مع انتفاضة الحوض المنجمي عام 2008 ثمّ جاءت ثورة 17 ديسمبر 2010-14جانفي 2011 لتشعل النار في الهشيم.
لقد تعمّدت التذكير بهذه المحطّات حتّى لا ننسى المكاسب العظيمة التي راكمتها أجيال من النقابيين من قبلنا، وحتّى لا نظلّ الطريق الذي رسمه الروّاد بتضحياتهم.. وبأفكارهم النيّرة.. وبأحلامهم وإبداعاتهم..، وحتّى نجعل من نجاحاتهم وانتكاساتهم دروسا وعبرا لمواجهة الحاضر واستشراف المستقبل، وحتّى نبقى على نفس النهج الذي رسمه حشّاد بكلماته الخالدة منذ 1951: "إنّنا نريد حرية التعبير عن آرائنا، نريد حرية الانتماء للتنظيم النقابي الذي نختاره. وحريّة ممارسة حقّنا النقابي في إطار القانون. إنّنا نبغض الكراهية ونزعة الانتقام والتغوّل والتسلّط.. وإنّنا نحبّ الشمس الساطعة والنهار الوضّاح.. إنّنا أمينين صادقين أوفياء.. ونحبّ الأمانة والصدق والوفاء.. نقاوم الظلم مهما كان جبروت من يمارسه أو يحميه.. نلعب بوضوح مع خصومنا ونصارحهم بدوافع مقاومتنا لهم وهم يتفهّموننا إذا ما كانوا أمناء صادقين" (انتهى قول حشاد) هذا هو نهج الاتحاد العام التونسي للشغل سوف نبقى أوفياء له كلّفنا ذلك ما كلّفنا.. نموت ونحيا على عهده..
لكم أن تفخروا يا معشر النقابيين الأحرار باتحادكم وأن تعتزّوا بالانتماء إليه وأن تغمركم النخوة بما يجده اتّحادكم اليوم من تقدير واحترام داخل المجتمع وفي المحافل الدولية. فإنجازاته ومواقفه تشهد بأنّه كان وفيّا لهذا الوطن ولشعبه.. ثابتا على مبادئه وقيمه.. صمّام أمان ضدّ كلّ مساعي الاستبداد رغم كلّ المحن متمسّكا بالحوار سبيلا أمثل لإدارة العلاقات داخل المجتمع وصياغة مضامين النموّ الاقتصادي والرقيّ الاجتماعي ولبلورة آليات المشاركة والمواطنة ولتحديد منوال التنمية العادل والشامل.
يشهد على ذلك انتصارنا لثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية واحتضاننا لمطالبها المشروعة منذ اللحظات الأولى. يشهد على ذلك تصميمنا ونجاحنا في إلغاء المناولة، باعتباره عبودية جديدة، في القطاعين العام والوظيفة العمومية.
يشهد على ذلك الدور الذي قمنا ولا نزال نقوم به إلى جانب القوى السياسية والمدنية المناصرة لاستحقاقات الثورة من اجل تجنيب البلاد ويلات الانسياق وراء التجاذبات العديمة والانخراط في نهج الحوار والتوافق.. يشهد على ذلك تحقيقنا لحلم الروّاد ببناء دار الاتحاد والبدء في تهيئة متحف الذاكرة النقابية بالطابق السفلي لضريح الشهيد فرحات حشّاد.. يشهد على ذلك مساهمتها الفعّالة في صياغة دستور البلاد الجديد والذي كانت الحقوق الاجتماعية الاقتصادية وحاضرة فيه بقوّة.. يشهد على ذلك الاعتراف العالمي منقطع النظير والذي تجلّى بداية في قرار بلدية باريس في عهد ولاية السيد بارتران ديلانوي بأن يحمل أحد شوارع العاصمة الفرنسية اسم الزعيم الخالد فرحات حشّاد وفي الوعود الصريحة بشأن استعادة الأرشيف المتعلّق باغتياله ثمّ في جائزة نوبل للسلام التي سلّمت للرباعي الراعي للحوار والتي مثّلت مبادرة الاتحاد إحدى لبناته الأولى، وما تلى هذا التكريم من أوسمة ومن دعوات التكريم الصادرة عن أكبر ديمقراطيات العالم، والتي تشير كلّها إلى الحظوة التي أصبحت تتمتّع بها بلادنا ومجتمعنا المدني ونخبنا السياسية في كامل أصقاع المعمورة وإلى التقدير الكبير لتجربتها الرائدة والناجحة في إدارة المسار الانتقالي.
تشهد على ذلك نضالاتنا من أجل حماية المقدرة الشرائية بفضل الجولات التفاوضية التي خضناها من اجل الزيادة في الأجور ومقاومة الهشاشة بكلّ أشكالها وسعينا المتواصل لإحياء المسألة الاجتماعية في إطار عقد اجتماعي جديد توصّلنا إلى إبرامه مع الشركاء الاجتماعيين ونعمل الآن على وضع الآليات الكفيلة بترجمته على أرض الواقع.
كثيرة هي الإنجازات والنتائج الإيجابية التي حقّقناها على درب المساهمة في وضع مقوّمات الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.. لكن الطريق لا تزال طويلة ومحفوفة بالتحديات والمخاطر. ولا يزال ينتظرنا الكثير من المهام الضرورية لتلبية استحقاقات عمّالنا في العمل اللائق وفي حماية مساراتهم المهنية والاستجابة لاستحقاقات شعبنا في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
مازالت تنتظرنا الجولة القادمة من المفاوضات الاجتماعية لسنتي 2016 و2017 في جانبيها الترتيبي والمالي والتي تتطلّب منّا الكثير من الإعداد والتعبئة،
ولا تزال تنتظرنا مهمّة مراجعة تشريعات العمل بما يتوافق مع مقتضيات الدستور الجديد ويعزز المكاسب.
ومازالت تنتظرنا مهمّة وضع تصوّر بديل للمنوال التنموي الذي ما فتئنا ندعو إليه، منوال يضمن العدالة الاجتماعية والتوازن الجهوي ويفسح المجال لإدماج القطاع غير المنظّم في الدورة الاقتصادية ويحدّ من الفقر، ويوفّر مقوّمات الديمقراطية المحلية والحوكمة التشاركية ويؤمّن التوازن البيئي والمحافظة على الموارد الطبيعية،
وما زلنا في بداية الطريق مع انطلاق الحوار الوطني لإصلاح المنظومة التربوية والبحثية،
وما يزال رهان الإسراع بإصلاح المنظومة الصحية قائما متأكّدا من أجل تحسين جودة الخدمات وتعميمها على كامل تراب الجمهورية،
كذلك هو الأمر بالنسبة لرهان إصلاح منظومة التغطية الاجتماعية الضرورية لتوفير التوازنات المالية والدوام لصناديق الضمان الاجتماعي وبالنسبة أيضا لرهان إصلاح المنظومة الجبائية بما يؤمّن التكافل وفعلية العدالة الجبائية على قاعدة الانصاف.
وما تزال الرهانات عديدة لترسيخ موقعنا صلب الحركة النقابية العربية والدولية خاصة بعد الإعلان عن تأسيس الاتحاد العربي للنقابات الذي نترأسه حاليّا والذي ساهمنا في إنشائه لإعادة إحياء العمل النقابي الأصيل وإعادة الاعتبار لثوابته التي غيّبتها الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية بالمنطقة.
كما مازلنا مدعوّين إلى استكمال مهمّة إعادة هيكلة اتحادنا بما يساعد على مرافقة ما يحصل من تطوّرات ومتغيّرات وعلى الاستجابة لمتطلّبات المشهد الجديد لسوق العمل وعلى دمقرطة الحياة النقابية بما يفتح آفاق التداول على المسؤولية ومشاركة المزيد من النساء والشباب والفئات العمالية الوافدة حديثا على الحقل النقابي وبما ينمّي مضامين العمل النقابي وعلى مدّ جسور التواصل والتعاون مع الحركات الاجتماعية الناشئة ومع مؤسّسات الدولة الجديدة.
كلّ هذه الملفّات مفتوحة على مصراعيها ومطروحة على جدول أعمالنا في انتظار أن يحسم مؤتمرنا القادم آخر هذه السنة في شأنها.
وإننا إذ نسجّل بكلّ ارتياح التحسّن النسبي للأوضاع الأمنية في بلادنا والتقدّم الذي تحقّق على درب التصدي للإرهاب وحماية الحدود من التهريب، فإنه لا يزال ينتظر بلادنا عمل كبير لإحداث نقلة نوعية في مكافحة هاتين الآفتين وفي طريقة التعاطي معهما وهو ما يفترض تكاتف كلّ الجهود وتغليب المصلحة العليا للوطن بما يساعد على توسيع دائرة المعالجة في مختلف الاتجاهات والعمل على عزل هاتين الظاهرتين عن روافدها وتحديدا الفقر والتهميش والاقصاء.
وإننا ونحن نحيي ذكرى اندلاع ثورتنا المجدية، فإننا نتطلّع بكثير من الأمل إلى أن يعود الرشد إلى الفرقاء السياسيين، سواء في سوريا أو في ليبيا أو في اليمن لتغليب لغة الحوار على لغة التعصّب والانغلاق والتعامل الصدامي في إدارة شؤونهم، وأن يدركوا ما يتربّص بشعوبهم من مؤامرات وأجندات الغاية الوحيدة منها تمزيق الجسم العربي والاستحواذ على المقدّرات الطبيعية للمنطقة.
ولا يسعنا ونحن نعاين ما يتعرّض إليه شعبنا العربي في فلسطين المحتلة يوميّا من شتّى أنواع الاضطهاد والاستبداد الصهيوني، وفي ظلّ تواطؤ وصمت مريبين للأنظمة العربية وللمجموعة الدولية، إلاّ أن نجدّد وقوفنا الدائم واللاّمشروط إلى جانب عمّال وشعب فلسطين في نضالهم العادل من أجل استعادة كامل أراضيهم المغتصبة وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ومناهضتنا لكل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني ونجدد العهد على مواصلة دعمنا المادي والمعنوي لكل القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية في مختلف المؤسسات والمنظمات الدولية."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.