بكلّ خشوع وإجلال يحيي النقابيون وكلّ الشغالين بالفكر والساعد الذكرى الرابعة والخمسين لاغتيال الشهيد فرحات حشاد مؤسّس الإتحاد العام التونسي للشغل والذي اضطلع بمسؤولية أمانته العامة حتى لحظة اغتياله يوم 05 ديسمبر1952. لقد كانت جريمة الإغتيال التي نفذتها عصابات الإستعمار الهمجية التعبير عن عجز سلطات الإحتلال الفرنسي إخماد ثورة شعبنا ضدّ الإستعمار وإسكات صوت قياداته الوطنية وفشلها في الحدّ من تأثير الإتحاد العام التونسي للشغل وتعاظم تأثير حشاد في تعبئة الشغالين التونسيين وعموم الفئات الشعبية الأخرى لخوض معركة التحرير الوطني وتحقيق استقلال البلاد حتى يقرّر شعبها مصيره بنفسه بعيدا عن كلّ هيمنة أو وصاية. كما نفذت هذه الجريمة البشعة في محاولة يائسة من سلطات الاستعمار وعملائها لإنهاء حركة الاحتجاج والإضرابات وكلّ أشكال المقاومة في سبيل الإنعتاق الإجتماعي وتحقيق المطالب المشروعة للشغالين التونسيين الذين كانوا يعانون ويلات الإضطهاد وأبشع أشكال الإستغلال من طرف بارونات الاقتصاد الاستعماري وشركاته التي كانت تهيمن على اقتصاد البلاد وتتحكّم في دواليبه. لقد تأكّدت السلطات الإستعمارية أنّ قمعها الدموي للتحركات والنضالات التي قادها الإتحاد العام التونسي للشغل سواء في صفاقس أو جبل الجلود أو النفيضة أو بوسالم وغيرها لم تزد حشاد ورفاقه وباقي الشغالين سوى المزيد من الإصرار والثقة في النفس من أجل تحقيق النصر ونيل الحرية والاستقلال. وإذ كان ميلاد الإتحاد على أيدي حشاد وثلة من خيرة أبناء شعبنا من جيل المؤسّسين الأبرار مثل محمد علي الحامي واحمد التليلي تأكيدا على فشل الاستعمار في قتل تجربة محمد علي الحامي في وجدان الشعب التونسي ومناضليه الوطنيين والنقابيين بالرغم من المحاكمات والسجون والمنفى التي واجه بها الاستعمار مؤسّسي جامعة عموم العملة التونسية سنة 1925، فإنّه كان يظنّ أنّ الإقدام على اغتيال الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل هذا الرجل الذي استطاع أن يتصدّر واجهة الحركتين الوطنية والاجتماعية في ذلك الوقت سيمكنه من القضاء على الحركة النقابية الوطنية الناشئة ويحبط مشاعر كلّ الشعب التونسي في مسيرته النضالية من أجل الكرامة الوطنية والاستقلال والحريّة. أيّها الشغالون، لقد جاءت جريمة الإغتيال كذلك في وقت احتلّ فيه الإتحاد العام التونسي للشغل مواقع متقدّمة في الحركة النقابية العالمية الحرّة برغم حداثة عهده وتبوّأ فيها أمينه العام مركزا قياديا بالإتحاد الدولي للنقابات الحرّة حتى أصبح صوتا مدوّيا في سبيل استقلال تونس ونصرة حركات التحرّر الوطني في العالم. كما أنّ نجاح حشاد في إضفاء بعد مغاربي صريح في النضال من أجل استقلال الأقطار المغاربية كخطوة أساسية نحو إقامة مشروع وحدوي مغاربي يعزّز استقلال دوله ويسير بها نحو التقدّم الاقتصادي والتحرّر الاجتماعي أصبح يقضّ مضاجع الاستعمار الفرنسي ويهدّد بامتداد الثورة الوطنية إلى كامل منطقة المغرب العربي الكبير. ولذلك صار حشاد في نظر الحكومة الفرنسية أكثر الزعماء الوطنيين خطرا عليها، فكان قرار اغتياله مطلبا استعماريا ملحا تمّ تنفيذه وسط استعدادات وإجراءات أمنية وعسكرية وسياسية لضرب إرادة شعب بأسره والقضاء على مؤسّساته الوطنية وفي مقدّمتها الإتحاد العام التونسي للشغل. غير أنّ إتحادكم الذي أعلن الإضراب العام احتجاجا على هذه الجريمة البشعة وبالرغم من قيام سلطات الاستعمار باعتقال قيادته والزجّ بها في السجون والمنافي، أكّد مرّة أخرى قدرته على تجاوز كلّ المحن والمؤامرات حيث استمر نضاله إلى جانب بقية فئات شعبنا حتى استطاع القضاء على الوجود الاستعماري ببلادنا وفتح الآفاق أمام نضال جديد يتوق إلى بناء مجتمع العدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية واستقلالية القرار النقابي. أيّها الشغالون، إنّنا نحيي الذكرى الرابعة والخمسين لاستشهاد فرحات حشاد في وقت يستعدّ فيه إتحادكم لعقد مؤتمره الواحد والعشرين بالمنستير أيام14 و 15 و 16 ديسمبر 2006، تحت شعار : صمود نضال وتقدّم، وهو شعار يختزل تاريخ إتحادنا ومسيرة مؤسّسيه وفي مقدّمتهم الزعيم الراحل فرحات حشاد. وهذا المؤتمر فرصة لاستلهام من روح التضحية والعطاء لحشاد وأحمد التليلي والحبيب عاشور وقاقي والكوكي وغيرهم من شهداء الوطن والإتحاد لمواصلة المسيرة من أجل الدفاع عن استقلال البلاد وتنميتها وتحقيق العدالة الاجتماعية والذود عن حقوق الشغالين وحماية استقلالية الإتحاد والانتصار لقضايا الحريات والديمقراطية، وسنعمل سويا على أن يكون هذا المؤتمر مناسبة أخرى لتعزيز وحدة الإتحاد في وجه مختلف التحديات الداخلية والخارجية ولإصدار مقرّرات في مستوى طموحات عمالنا وشعبنا. كما سنعمل سويا من خلال هذه المحطّة الجديدة بتأكيد مساندتنا ووقوفنا إلى جانب كلّ قضايا الحقّ والعدل والحريّة في العالم وفي مقدّمتها قضية شعبنا العربي في فلسطين والعراق ولبنان وسوريا من أجل تحرير كامل الأراضي العربية المحتلة من قبل الاحتلال الصهيوني الأمريكي ودعم المقاومة الباسلة حتى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتحرير الجولان وجنوب لبنان وإنهاء احتلال العراق وحماية وحدة هذا القطر الشقيق أرضا وشعبا. كما يعبّر اتحادكم بهذه المناسبة عن رفضه لكلّ تدخّل خارجي في الوطن العربي بما في ذلك في الخليج العربي وفي السودان والصومال بهدف إخضاعه والسيطرة على ثرواته ومقدراته عاش الإتحاد العام التونسي للشغل حرّا مستقلاّ ديمقراطيا ومناضلا. المجد والخلود لشهداء الوطن والإتحاد الأبرار. تونس في 05 ديسمبر 2006 عن المكتب التنفيذي