قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ ليبيا: اشتباكات عنيفة في الزاوية.. وهذه حصيلة الضحايا    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    عضو بمجلس هيئة الانتخابات: لا يمكن تجاوز هذا التاريخ كأقصى موعد للرئاسية    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    الحشاني يُشرف على اجتماع لجنة القيادة الاستراتيجية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة النقابية العمالية بين مشاكل الوحدة و مخاطر الإنقسام
الحركة النقابية العمالية التونسية إلى أين ؟:
نشر في الشعب يوم 17 - 03 - 2007

فرضت علينا وفرة المادة الاعلامية في العدد الماضي إرجاء نشر بقية الدراسة التي أمدّنا بها الاستاذ محمد صالح التومي الى العدد الماثل بين أيديكم وتداركا لهذا التأخير، ننشر فيما يلي الحلقتين الثانية والثالثة
لا يعني وجود ظاهرة عامة على المستوى العالمي أنه ليس لها أشكالها الخاصّة في مختلف مواقع تواجدها...أو أنه لا تمكن مقاومتها.
فمن المعروف أن نسبة انخراط الشغالين ببلجيكا تصل حاليا إلى 70 في المائة بينما هي في فرنسا تتراوح بين 8 و 10 في المائة فقط [4]، فيبرز هنا فرق كمي عظيم وواضح بين بلدين متجاورين.
وزيادة على هذا الضعف الفادح في الإنخراط النقابي للشغالين بفرنسا فإن هذه البلاد تعاني من داء التعدديّة النقابية الذي ينخر إرادة عمالها و يفرق كلمتهم. فهناك 5 نقابات معترف بها وهي الكونفيدرالية العامة للشغل (CGT) و الكونفيدرالية الفرنسية الديمقراطية للشغل(CFDT) و القوى العمالية (FO) و الكونفيدرالية الفرنسية للعمال المسيحيين (CFTC) و الكونفيدرالية الفرنسية للتأطير الكونفيدرالية العامة للإطارات (CFE.CGC)، هذا فضلا عن نقابة متضامنون متوحدون و ديمقراطيون (SUD) غير المعترف بها التي آنشقت عنها نقابة أخرى غير معترف بها أيضا هي (الاتحاد الوطني للنقابات المستقلة (UNSA).
و في كل نقاش آجتماعي بفرنسا سواء بالمؤسسة أو بالبلاد يتعين في كل مرّة معرفة من هو الطرف النقابي الأكثر تمثيلا، و من هو الذي يجب أن يصل إلى إمضاء الإتفاقات، وهل الإتفاقات التي وقع التوصل إليها تستجيب لرغبات الجميع أم لا؟ و كيف يجب التصويت لمعرفة ذلك؟ وحتى في حالة توافق النقابات المتعددة عند النقاش فإن آليات التهرب تبقى متوفرة للمؤجرين ولبرلماناتهم و لحكوماتهم ممّا يضع في كل مرّة على جدول الأعمال ضرورة توحد النقابات بصورة دائمة حتى تتمكن من ردّ الفعل بصورة منسجمة.
ولعلّه تفاديا لمثل هذه العلل خيرت الحركة النقابية العمالية العالمية التوحد يوم 03 نوفمبر2006 في كونفيدرالية نقابية عالمية (CSI) و أنهت وجود الكونفيدرالية العالمية للنقابات الحرّة (CISL) و الكونفيدرالية العالمية للشغل (CMT) فتكون بذلك قد رسمت إتجاها وحدويا لئن كانت خلفياته و دوافعه تستحق لمزيد من البسط و النقاش ... فإنه يعتبر استجابة لضرورة موضوعية أجبرت حتى الكونفيدرالية العامّة للشغل بفرنسا التى لم يكن لها أيّ آنخراط عالمي...على الإنضمام إليه كطرف على حده...و ذلك لشعور كافة الأطراف النقابية عالميا بأنها أصبحت على درجة من الضعف في كل مكان و بأنه عليها التفتيش عن نفس وحدويّ جديد مهما بدت أرضيّته صعبة و مهما اقتضى من تنازلات من هذا الجانب أو الآخر لفائدة ما هو مشترك بين الجميع.
الحركة النقابية العمالية التونسية أمام تحدّياتها
في نقاش مع مترشحين آنذاك لتأسيس الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل جرى في غضون نوفمبر 2002 عبّرت لهما عن ايماني بحقهما في بعث مشروعهما ذلك أن الحق النقابي يضمنه القانون وتؤكد عليه المواثيق الدولية لكنني أبديت في نفس الوقت كثيرا من الإحتراز حول مدى وجاهة مشروعهما واعتبرت أن الإتحاد العام التونسي للشغل -رغم دفع قيادته آنذاك إلى محاكمة 4 من مناضليه وهم رشيد النجار والجيلاني الهمامي و أحمد بن رميله و منجي صواب لمجرد إشارتهم إلى سوء التصرف المالي والنقابي في مقدرات الشغالين -مازال هو الإطار الأمثل لاحتواء نضالات العمال التونسيين.
وقد أثبتت وقائع التاريخ بعد ذلك أن الأشخاص يمضون و لكن الأطر التاريخية تبقى حاملة لبصمات التأسيس والتكوين.
أما عند لقائي في يوم من أيام رمضان الماضي في خريف 2006 مع رائدين من رواد مشروع نقابي جديد سنأتي على ذكره فيما يلي فقد وجدت نفسي مضطرا للتعبير عن نفس الإيمان ولإبداء نفس الإحترازات متسائلا أمامهما : وأين ستذهب التضحيات التي قدمتها الأجيال باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، وماذا سنفعل بالتراكمات التي وقعت داخله من قبل رموز وكفاءات وطنية و تقدمية مستنيرة ؟ ولمّا لم أظفر منهما بالجواب في تلك الحصّة من النقاش فقد افترقنا وكل منا يحمل همومه.
و ما تلك الهموم عند نهاية المطاف إلاّ إفرازللأوضاع الصعبة بل الأليمة أحيانا التي يعرفها العمل النقابي ببلادنا و المتمثلة بالخصوص في تواصل العمل بالمنشور رقم 40 المانع للحق النقابي بالمؤسسات وفي انحسار الإنخراطات النقابية و خاصّة بالقطاع الخاصّ و طرد النقابيين و تعريضهم للتعسّف و الخصاصة و في عدم وجود آليات لمقاومة
تيّار الخوصصة و الفساد و ما ينتج عنه من بطالة و نقصان.
و قد لا يختلف إثنان حول خطورة هذه الأوضاع. و لكن لا شكّ في انّ الآسباب الخارجية ليست مسؤولة لوحدها عنها لأنها تتظافر في الحقيقة مع أسباب داخلية متعلقة بطرق التسيير داخل المركزية العمالية و بمدى تطور الوعي النقابي لدى جمهور الشغالين لتصل بالوضع إلى ما هو عليه.
و هنا فإن صورة فرحات حشاد في سنوات التأسيس و قد أغلق الإستعماريون في وجهه باب مؤسسة «بينارويا» فاضطر إلى تسلق عمود كهربائي و التمسك به و إلى الإشراف من هناك أي من خارج السّور على تجمع العمّال و هم وراء الأبواب في الدّاخل و القائه
كلمة حماسية فيهم لم تعد صورة موجودة بكثرة على هذه الأيام. فذلك الطابع النضالي المتميز بالجرأة و الإقدام قد تحوّل اليوم إلى نوع من الإسترخاء النضالي الذي يقسم العمل النقابي إلى قطاعات و ميادين و أجزاء يهتم بها هذا الطرف أو الآخر ممّا يوحي للشغالين أحيانا بأنهم أمام موظفين لا أمام مناضلين. [5]
أمّا صورة فرحات حشاد و هو يرفض اقتراح الهيئة الإدارية بزيادة راتبة تكريما لدوره الرّيادي من قبلهم و تمسكه بكامل الحزم في وجه الجميع بالإكتفاء بالمرتب الذي يتقضاه أي معلم في زمانه ... فهي أيضا لم تعد صورة موجودة بكثرة على هذه الأيام... فقد حلّ محلها شىء من البذخ آمتّد إلى كافة الدواليب النقابية من منح المسؤولية النقابية إلى تجهيزات المكاتب إلى نوعية السيّارات إلى قصاصات البنزين، ممّا يمكن أن يخلق مرارة لدى المنخرطين الذين لا شكّ أنهم يعيشون مع هذه الأوضاع الإقتصادية المستجدة أصعب الظروف بما فيها من نقص... و بطالة... فتستفزهم هذه الدّرجة من البذخ و يتكوّن لديهم نفور من العمل النقابي [5 مكرّر]
أمّا صورة ذلك النقاش الدّيمقراطىّ النادر في لياقته و في حزمه بين الفاضل بن عاشورالرئيس الشرفيّ للإتحاد العام التّونسي و بين أمينه العام الشهيد فرحات حشاد، حول مصادر التمويل حيث ذكر الأوّل للثاني :
«أن المنظّمات النقابية تمنع على نفسها قبول أيّ تبرع مالي من كائن من كان غير منخرطيها من الطبقات العاملة لأنها منضمات كفاح في وجه أقدر النّاس على بذل المال فإذا فتحت هذا الباب أصبح لها ذريعة آستجداء للطبقة الرأسمالية». [6]
فهي أيضا صورة لم تعد موجودة و نحن نشاهد تمويل أنشطة الإتحاد حتى من قبل منظمات أجنبية يعتبرها البعض مشبوهة من نوع منظمة فريد ريك هيبارت... بل لقد حّل محلّ النقاش الديمقراطي الجريء حول هذا الموضوع آنتفاع أطراف كثيرة من هذا التمويل الذي لا يمكن أن يكون إلاّ عولميّا و معولما (بكسر اللاّم)... و عدم الحديث عنه أو إثارته في الإجتماعات و الندوات النقابية.
و هذه النقاط المشار إليها يمكن اعتبارها أعراضا واضحة ضمن أعراض أخرى كثيرة يشتكي منها العمل النقابي العمّالي ببلادنا.
لذلك فقد لا يختلف النّاس كثيرا هنا مع روّاد المشروع النقابي الجديد حين نجدهم يشيرون في بيان لهم صادر بتاريخ 3 أكتوبر 2006 إلى :
«حالة التعطل المؤسساتي التي أصبح يعيشها الإتحاد العام التونسي للشغل و الشعور بانسداد الأفق بالنسبة إلى العديد من المنضوين تحت لوائه.» [7]
فقد يكون هذا التشخيص صحيحا إلى هذا الحد أو الآخر لكن حكمة الطبيب المداوي هي بعد التشخيص في تحديد الدواء و جرعاته الشافية.
و في باب العلاج يقترح علينا أصحاب المشروع النقابي الجديد و هم الصديق الحبيب قيزة و رفاقه مشروعا نقابيا جديدا يتمثل في :
« الشروع في بعث نقابات أساسية كمرحلة أولى تليها تأسيس الجامعات المهنية وفروعها و الإتحادات الجهوية و المحلية و يتوج كلّ ذلك مؤتمر وطني يتمّ فيه تأسيس منظمة نقابية جديدة « و المقترح هو تسميتها : « الجامعة العّامة التونسية للشغل» [8]
في ربط واضح مع التسمية التي كان ذهب إليها محمد على الحامي و رفاقه منذ 82 سنة خلت.
5. أسئلة حول المشروع النقابي الجديد واشكاليات مطروحة
لا يخفي السيد الحبيب قيزة بصفته من روّاد المشروع النقابي الجديد في الوثائق الصادرة عن « جمعية نادي محمد على للثقافة العمّالية» التي يشرف عليها منذ عودته من اسبانيا أن هذه الجمعية تتعاون تعاونا وثيقا مع اللجنة الأوروبية و مع منظمة السّلم و التضامن بأسبانياو مع مؤسسة جوزيب كومابوزادا بكاتالونيا و مع منظمة فريدريك هيبارت الألمانية المعروفة.
و هذا المعطي يسترعي الإنتباه إلى حدّ أنني تساءلت شخصيا في محاضرة دعيت إلى إلقائها يوم 24 ديسمبر على منبر جمعية النهوض بالطالب الشّابي حول الرّابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومصادر تمويلها عن السرّ الكامن وراء إقدام منظمة فريدريك هيبارت على تمويل نشاطات الإتحاد العام التونسي للشغل في نفس الوقت الذي تمول فيه جمعية ينادي مؤسسوها و منذ مدّة بالإنسلاخ عن هذا لإتحاد ؟
و هذا سؤال ليس له جواب واضح راهنا لكنّه يبقى سؤالا مشروعا يتوجّب و يتوجه البحث وراء أيّة معطيات تؤدي إلى الإجابة عليه بصورة علمية سليمة.
و لعلّه من اللافت للإنتباه بعد هذا أنّ جمعية نادي محمد على الحامي للثقافة العمّالية غالبا ما تهدي ثمرة جهودها إلى من تسميهما رمزي «إعادة التأسيس « للحركة النقابية التونسية و هما محمد علي الحامي و فرحات حشاد [9]، و في رأينا المتواضع و حسبما بيناه في الملحوظات المدرجة أعلاه تحت عنوان : شىء من التاريخ فإن عبارة «إعادة التأسيس» لا تتناسب إطلاقا مع مسيرة هذين الرمزين : فمحمد علي الحامي كان مؤسسا لمسار نقابي وطني و لم يساهم البتة في إعادة تأسيس أي شىء أمّا فرحات حشاد فمن المعروف أنّه قدّم نفسه كمواصل لمجهود التأسيس الذي بدأه محمد على الحامى إلى حدّ أنّ الإتحاد العام ماانفك يعتبر و إلى حدّ اليوم محمد على الحامي من أبرز رموزه و قد احتفل في يوم مشهود بتاريخ 3 ديسمبر 2006 بالذكرى 82 لتأسيس جامعة عموم العملة التونسية. [10]
و بعد الوقوف على هذا التوصيف غير المناسب لرمزي الحركة النقابية العمّالية ببلادنا يبقى من اللافت للانتباه أيضا أن نقف على كون أصحاب المشروع النقابي الجديد يقفون في خطّ متباين تماما مع خطّ الإتحاد العام التونسي للشغل في خصوص الموقف من العولمة ومن مخططات الإصلاح الهيكلى التي تقترحها الإمبرالية على كافة الدول و الشعوب، ففى حين ينادي الإتحاد العام التونسي للشغل في كتيّب وزّع بمناسبة المؤتمر 21 المنعقد بالمنستير:
ب « العمل على جعل السيادة الوطنية هي المبدأ في وجه الإملاءات الخارجية وآعتبار العلاقات الإقتصادية غير المتكافئة سببا لتفاقم البطالة. « [11]
نجد أصحاب المشروع النقابي الجديد يعتبرون :
« إن تقييما إجتماعيا و اقتصاديا للتنمية التونسية منذ اعتماد خطة الإصلاح الهيكلي في 1986 بإمكانه أن يبرز وضعا إيجابيا عموما. « [12]
و من رأينا المتواضع هنا أيضا أنّ هذا التقييم المجرى من قبل أصحاب المشروع النقابي الجديد إذ يتضارب مع رأي الإتحاد العام فإنه لا يستند من ناحية أخرى إلى معطيات إحصائية و حتى واقعية صحيحة، إذ من الملحوظ حتّى بالعين المجرّدة أنّ تطبيق بلادنا لوصفة الصناديق المالية العالمية لم يؤد قط إلى تحسن الأوضاع المعيشية للنّاس، فالبطالة قد تفاقمت و الإستقرار في الشغل لم يعد موجودا في أغلب الأحيان وآنحسرت الثروة بين يدي أفراد قلائل و أصبح الإتحاد العام التونسي للشغل مع قطاعات عريضة في المجتمع يشير إلى أنّ « الفساد يمكن اعتباره مسؤولا عن هدر فرص الإستثمار و التشغيل» و ينادي « بضرورة مقاومته بحزم و جدية في كافة المجالات .» [13]
أمّا الخطر الذي تطرق إليه أصحاب المشروع النقابي الجديد حين تحدثوا عن ضرورة النجاح في تطبيق الوصفة العالمية و إلاّ فإنها « إمكانية التحطيم شبه النهائي للنسيج الصناعي ببلادنا « [14]. فإنّه خطر يبدو ماثلا أمام أعيننا واقعيا في مختلف المناطق الصناعية التي كانت قائمة بالبلاد فتضاءلت أو يمكن اعتباره خطرا لازال مطروحا على الأقلّ و خاصة أننا بصدد تخطي عتبة سنة 2007 التي ستشهد انخراط بلادنا كليّا في السوق العالمية، بما لايتيح سواء في هذه الحالة أو الأخرى الحديث عن تقييم نهائي للأوضاع بصفتها «إيجابية في عمومها.»
و إذ ينادي أصحاب المشروع النقابي الجديد ب :
« تغيير الميولات النقابية التقليدية» [15] بما من شأنه أن يوجد «نظاما إجتماعيا جديدا» [16] مقبولا من «كافة الفاعلين الإجتماعيين «[17] فان الطريق نحو « هذا التصور الجديد للعمل النقابي» [18]، يطرح حسب رأيهم مفهوم « الشراكة» في التعامل مع الجميع و هم يعنون بصريح عبارتهم «الشراكة مع الدولة و مع المؤسسات الوطنية و فروع الشركات متعددة الجنسيات. « [19]
و لا يتحدث أصحاب المشروع النقابي الجديد عن وجهة نظر الشركاء المفترضين و إن كانوا يرغبون في هذه الشراكة المقترحة عليهم أم لا ؟ و لكنهم يعلنون منذ البداية لفتا لنظر هؤلاء الشركاء المفترضين إلى أن « النمط النقابي المتمحور حول مسائل توزيع الثروة قد آنتهى.» [20] و ينادون بضرورة «تشريك الأجراء في خلق الثروة» [21]... (كيف يا ترى ؟ )، و بإعادة النظر في «الثقافة النقابية الإحتجاجية المتميزة بوجود الأجراء خارج مهام التسيير لأنّ تلك الثقافة لم تعد مجدية بما فيه الكفاية للدفاع عن كتلة الأجراء و عن ترقيتهم.» [22]
إنّه مشروع نقابي يريد أن يكون جديدا، و لكنّه في الحقيقة ليس وليد اليوم باعتبار أن أحد رواده ألا يضعه في أفق اهتماماته منذ إلقائه على الأقلّ للمداخلة الإفتتاحية بالندوة المنعقدة بنزل البلفدير يومي 16 و 17 فيفري 2001 حيث تساءل بالحرف الواحد و منذ ذلك التاريخ :
« أليست إعادة تأسيس الحركة النقابية مهمة تلوح في الأفق. « [23]
و إذا أجاب اليوم عن تساؤله بنعم بإعلانه هو و رفاقه عن الشروع في إعادة التأسيس
[24]، فإننا نعتقد أنّ الجواب كان محمولا في التساؤل منذ البداية حسبما يبدو.
و لا نريد أن نتوسع كثيرا بعد هذا في تبيان عدم جدّة هذا الطرح النقابي من ناحية أخرى، فرغم أنه يريد أن يكون مغايرا باعتبار أنّه توصل حسب آعتقاده إلى فهم كافة الإشكاليات التي تطرحها العولمة فهو في الحقيقة طرح قديم و معاد لأنّه ببساطة شكل من أشكال «نقابة المساهمة « عثر فقط في خطاب أصحاب المشروع النقابي الجديد على كلمات أخرى يعبر بها عن ذاته.
و لمّا كان المطروح اليوم حسب اجتهادنا هو الإنخراط في المشاريع الفكرية و النضالية المنادية بمقاومة الإملاءات العولمية على غرار ما تفعله شعوب أمريكا اللاتينية من خلال استعمال الإنتخابات الحرّة و الديمقراطية كطريق ممكن لتصعيد قوى و زعامات تعمل لإنجاح هذه المقاومة و لا تعتبر الخضوع للسياسات الظالمة للشركات متعددة الجنسيات قدرا محتوما، فإنّ المشروع النقابي الجديد بطرحه لفكرة «الشراكة مع فروع هذه الشركات متعددة الجنسيات « لا يرشح منه ما يفيد الرفض لهذا الخضوع.
وإذ أشرنا في النقطة الأولى من هذه المقالة تحت عنوان « شىء من التاريخ» إلى أن محاولات الإنشقاق النقابي في تونس كانت تقريبا بدفع من الحزب الحاكم ما عدا مشروع الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل الذي لم يتواصل فإنّ وضع المحاولة الجديدة في عداد الإستثناء كان يبدو ممكنا أيضا نظرا لما يعرف عن رواد هذه المحاولة الجديدة من إستقلالية تجاه الحزب الحاكم فيما سبق و إلى حدّ الآن و لكننا بالنظر إلى الخطاب و الأطروحات التي بسطناها فإنّه من المشروع لنا التساؤل : إلى أي حدّ سيبقى ممكنا لهم المحافظة على هذه الإستقلالية ؟ ذلك أنّة يخشى في الواقع العملي أن يجد الحزب الحاكم في هذه الأطروحات ما يجعله يراهن عليها لتحقيق بعض غاياته و التي ليس أقلّها إرباك الإتحاد العام التونسي للشغل و منعه من التطور في الإتجاه الذي قد تفرضه فعالياته و الذي قد يتعارض مع هذه الغايات.
فما دام الإتحاد العام التونسي للشغل تتنازعه حسب أدبياته الموزعة أثناء مؤتمره ال21 المنعقد بالمنستير آستراتيجيتان تتمثل الأولى في آكتفائه ب « الترقب والإنصياع و محاولة الحفاظ على مواطن الشغل و لو كانت هشّة و رديئة»[25] فيما تتمثل الثانية في «السبق المبادرة و الدفاع عن حقوق العمّال» [26].
فمن المفهوم أنّه يتراوح اليوم بين التحوّل اليوم إلى مجرد منظمة محدودة الإشعاع لا تعنى غير « فئة ضئيلة من الشغالين» [27] وبين آستعادته لدوره الإجتماعى كاملا كما أراده له المؤسسون و ترشحه كى يرجع من جديد «سلطة مضادة تطرح القضايا الكبرى للبلاد و تساهم في تعديل المجتمع في مختلف الأوجه» [28]. و في هذه اللحظة من التراوح يأتى المشروع النقابي الجديد ليطرح على نفسه زيادة على الإنشقاق و العمل من خارج الإتحاد مهمّة «تصحيح الوضع النقابي من الداخل « [29] وصولا إلى التعاون مع الإتحاد على قاعدة «وحدة العمل» ما يعني حتما و بالضرورة محاولة جرّه إلى مشروع «الشراكة مع الدولة و الأعراف المحليين و فروع الشركات متعددة الجنسيات».
فعلى من يراهن هنا أصحاب المشروع النقابي الجديد حتّى يلتقى ما يوجد «داخل الإتحاد» مع ما يوجد «خارج الإتحاد» لتطبيق هذه الرّؤى التي لا تبدو متناقضة مع ما تسعى الجهات المحلية و العالمية المتنفذة إلى إقراره إجتماعيا ؟ أفلهذا يا ترى يذهب التمويل الخارجي إلى الجهتين في نفس الوقت مثلما تساءلنا أعلاه ؟ فهل التمويل هو ترويض إذن لعموم التوجهات النقابية في اتجاه «الشراكة» و «المساهمة» ؟
6. بمثابة الخاتمة :
ما هو البديل ؟
نعود عند النهاية لنقول إنّ الخضوع للإملاءات العولمية ليس قدرا محتوما. لأنّه بإمكان الأمم و الشعوب الإنتفاع من محاسن الثورة التكنولوجية و ثورة الإتصالات دون بيع ماضيها و حاضرها أو رهن مستقبلها للقوى الهيمنية فالمقاومة ممكنة دائما و أبدا...
و هي طريق الخلاص الوحيد ... أليس هذا ما تفعله الصين الشعبية و كوريا الشمالية و كوبا وفينزويلا و بوليفيا و نخبة أخرى من دول أمريكااللاتينية ؟
إنّ الخضوع للإملاءات الإمبريالية لا يمكن أبدا أن يكون طريقا سالكا ... و إنّ الحركات النقابية العمّالية هي من ضمن قوى إجتماعية و سياسية أخرى تقع على كاهلها مهمّة رفض هذا الخضوع للشركات متعددة الجنسيات وأدواتها عالميا و محليّا. فبمثل هذا الرفض يقع صون روح الأمم و الشعوب و المحافظة على تنوع ثقافاتها و تطويرها لما في الإختلاف من ثراء للإنسان، و بمثل هذا الرفض أيضا تنتصر القيم الإنسانية النبيلة التى من ضمنها مقاومة الظلم و محبة الآخر و آحترامه و غلق الأبواب أمام سياسات العبودية الجديدة التي لا يمكن و لا يجب أن تكون.
و عودة إلى الحركة النقابية العمّالية التونسية فإن السبيل الوحيدة لتطويرها راهنا هي المراهنة فعلا على «تطوير الإتحاد العام التونسي للشغل من الداخل» مواصلة لجهود رواده
و مؤسسيه و آستثمارا لتضحيات الأجيال المتعاقبة فيه. و لعلّه بإمكاننا تصويبا لمسيرته
- و هو ما يطالب به الجميع منذ انعقاد مؤتمر جربة أن نقترح مايلي :
أوّلا : العمل على إعادة الإعتبار إلى دور الإتحاد العام التونسي للشغل كثقل اجتماعي مضاد و كقاطرة للمطالب و الإنجازات في الميادين الوطنية و الإجتماعية و الديمقراطية.
ثانيا : العمل على إعلاء المبدأ التعاوني من جديد بصفته مبدأ دافع عنه الرّواد، و المبادرة إلى تجسيمه في كافة الميادين في النسيج الإقتصادي و الإجتماعي بدءا بالمؤسسات التي خلفتها الأجيال السابقة من النقابيين.
ثالثا : السهر على تقوية النزعة النضالية وروح الإقدام و الميدانية لدى النقابيين و منعهم من التحوّل إلى مجرد موظفين، و ذلك بالتوازي مع العمل الحازم على فرض الحق النقابي و على ايجاد حصانة قانونية كاملة للنقابيين طبقا لما تقرّه المواثيق الدّولية.
رابعا : تحويل التكوين و الدراسات و الإعلام إلى أدوات فعلية لرسكلة المناضلين في كافة الميادين و لمدّهم بالمعارف و بالمعلومات الضرورية لنجاعة تحركاتهم.
خامسا : تدعيم الديمقراطية بالمنظمة و إعلاء قيم النقد و النقد الذاتي و حرّية الرأي
والتعبير.
سادسا : تحديد المدّة النيابية للمسؤولين النقابيين بدورات معدودة يقع الإتفاق بشأنها أخذا بسنّة التداول مع ضمان نسبة من التواصل و الإستقرار.
سابعا : التخفيص من الطابع المركزي للقرار النقابي و توسيع صلاحيات مختلف الهياكل النقابية و تمكينها من تحمل مسؤولياتها في كافة المجالات.
ثامنا : الإعتماد على الجهود الذاتية لتمويل العمل النقابي و الرّجوع إلى مبدإ التقشف و التخلى نهائيا عن التمويل الخارجي المشبوه.
تاسعا : تحويل الإتحاد العام التونسي للشغل إلى منارة في خصوص صيغ عقود الشغل المقترحة على موظفيه و منظوريه و في خصوص الحقوق التي يتمتعون بها كما في خصوص الشفافية المالية و مقاومة كافة أشكال الفساد.
عاشرا: دعم التعاون النضالي على المستوى الوطني و القومي و الأممي مع كافة الفعاليات المؤمنة بمبادىء التحرر الإجتماعي و الإنساني و النابذة للإستغلال و للهيمنة و العاملة من أجل تجسيد ذلك على أرض الواقع.
هوامش
1 : سلفادور ألندي : « أنا آت من التشيلي... بلد طبقته العاملة موحدة في تنظيم نقابي واحد.» من خطابه الشهير أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 4 ديسمبر 1972.
2 : أرقام و معطيات مأخوذة من لوموند ديبلوماتيك لشهر جانفي 2007 - من مقالة بعنوان أمل في آنتعاشة نقابية بفرنسا. للكاتب جان مارى بارنو.
3 : نفس المصدر السابق (لوموند ديبلوماتيك)
4 : نفس المصدر السابق (لوموند ديبلوماتيك)
5 و 5 مكرر: شهادات سمعتها شخصيا قبيل أحداث 26 جانفي 1978 من رجالات عايشوا الشهيد فرحات حشاد.
6 : الفاضل بن عاشور. رسالة إلى فرحات حشاد. نشرت بمجلة روافد. مجلة المعهد الأعلى للحركة الوطنية العدد 8 سنة 2003
7 : من بيان صادر بتاريخ 3 أكتوبر 2003 يعلن عن بعث منظمة نقابية جديدة تحت إسم الجامعة العامة التونسية للشغل.
8 : من نفس البيان السابق الذكر.
9 : جمعية نادي محمد علي للثقافة العمّالية من كرّاس مسفرّ به أشغال الندوة المنعقدة يومي 16 و 17 فيفري 2001 بنزل البلفدير - تونس بعنوان الحركة النقابية و الأعمال في عهد العولمة.
10 : الإتحاد العام التونسي للشغل. الندوة الوطنية الأولى لإحياء ذكرى تأسيس جامعة عموم العملة التونسيين. نزل الديبلوماسي. تونس 3 ديسمبر 2006 بإشراف السيد محمد الطرابلسي و تنسيق الأستاذ الهادي الشمنقي.
11 : الإتحاد العام التونسي للشغل - التشغيل : واقعه و آفاقه و إطاره القانوني. وثائق المؤتمر 21 - المنستير 14 و 15 و 16 ديسمبر 2006. (من دراسة للأستاذ رشاد مبروك).
12: الحبيب قيزة. من مداخلة بعنوان أي دور جديد للأطراف الإجتماعية في مواجهة التغييرات الجارية تونس مثالا ؟ من نفس المصدر المذكور تاسعا أعلاه.
13 : نفس المصدر المذكور تحت رقم 11 أعلاه. (من دراسة للأستاذ رشاد مبروك)
14 : الحبيب قيزه : نفس المداخلة المذكورة بالمصدر رقم 12 أعلاه.
15. 16. 17. 18. 19. 20. 21. 22. 23. 24 : من نفس المصدرين المذكورين سابعا و تاسعا أعلاه.
25 و 26 و 27 و 28و 29 : من نفس المصدر المذكور أعلاه تحت رقم 11(من دراسة للسيد حسين الدّيماسي)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.