ما إن انتهت الحكومة من إعداد مشروع قانون المالية 2017 وعرضه على الهيئات المهنية والحكومية لضمان استشارة موسعة بين كل الاطراف المعنية حتى تناولته المؤسسات الاعلامية والوجوه السياسية والمالية بالدرس والتمحيص، والتحليل.. ولئن تم التركيز في بادئ الأمر على كل جديد في خصوص الزيادات المنتظرة في مجال تعريفات المعاليم كالترفيع في معلوم الجولان بنسبة 25 % أو في خصوص إمكانية إحداث مساهمة ظرفية استثنائية لفائدة ميزانية الدولة فإن مراجعة جداول الضريبة على الدخل والتصدي للتهرب الجبائي لم تنل ما تستحقه من اهتمام خاصة أن بلادنا باتت اليوم جنة للمتهربين الجبائيين مما جعل الميزانية تعاني من تدفق المساهمات بعنوان الجباية.. إجراءات جديدة قد تعرف مع بداية الحديث عنها وتناولها بالتحليل صدى من طرف عدة قطاعات على غرار المهن الحرة أو الضريبة بالنظام التقديري. على عكس الأجراء والموظفين الذين تصل نسبة الآداء الضريبي إلى 25%... إجراءات لا مفر من تطبيقها في علاقة بما جاء بوثيقة قرطاج في خصوص التصدي للمتهربين الجبائيين لكن هل أن هذه الإجراءات قادرة فعلا على القضاء على التهرب الجبائي وتكريس العدالة الجبائية؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه بالإيجاب وذلك لسبب بسيط ألا وهو ما تعرفه عدة أنشطة في بلادنا يقوم بها أشخاص ليتقاضوا أجورا أو للحصول على مبالغ مالية مقابل خدمة كانوا قد قدموها حسب اتفاق يكون في أغلب الأحيان شفاهيا. ومع ذلك فإن أغلبهم لا يدفعون الضرائب المستوجبة لفائدة الدولة، فئات عديدة يعرفها التونسي اليوم ويتعامل معها في كل مرة احتاج لخدماتها. موسم الأفراح موسم التهرب الجبائي تعامل التونسي مع هذه الفئة من الذين يسدون خدمات تكون في غالب الأحيان مرتبطة بالمناسبات العائلية وخاصة منها المفرحة والسارة. ولأجل قضاء سهرة رائقة ظهرت خلال السنوات الفارطة ظاهرة كراء الفيلات الفاخرة لإقامة الحفلات لفائدة طالبيها. هذه الفضاءات أعدت في حقيقة الأمر للسكنى لكن بقدرة قادر تحولت إلى فضاء للأفراح لا يقل معلوم كرائه عن ألفي دينار لفترة لا تتجاوز في غالب الأحيان 4 ساعات وإذا كانت المناسبة عيد ميلاد فإن المنشط أو المهرج له نصيب لا يقل في أغلب الأحيان عن 800 دينار للعرض الواحد. وغير بعيد عن الأعراس والأفراح لا تحلو هذه المناسبات دون حضور مطرب أو مطربة لتقديم فقرة غنائية بعد أن يتم الاتفاق مع وكيل أعماله والذي بدوره ينال نصيبا من «الصفقة» باعتباره «وسيطا» بين الطرفين، مناب قد يصل إلى 20% من «الكاشي» المتفق عليه لفائدة المطرب والذي لن يرضى خلال موسم الأعراس بأقل من مليون ونصف المليون اما اذا كان المطرب من الأسماء المعروفة في هذا النشاط فإن «طلته» لمدة ساعة من الزمن سوف لن تقل عن 3 ملايين دون ما يشترطه كأن يكون مكان الحفل بإحدى النزل أو الفضاءات الفخمة. وكذلك الفرقة المصاحبة. لا فرق بين «الصافي».. و«الخام» فئة أخرى من مسدي الخدمات في مواسم الأفراح ونعني بذلك العازفين والذين في أغلب الأحيان من الذين يمتهنون على امتداد السنة مهنا أخرى غير «الموسيقى»، هل يوجد اليوم قانون يجبرهم على دفع جزء مما يتحصلون عليه على امتداد أكثر من 3 أشهر والذي لا يقل عن 100 دينار في الليلة الواحدة. هؤلاء وآخرون يظلون بعيدين ومعفيين من دفع الضرائب كما هي الحال بالنسبة لعدد من الذين وضعوا على ذمة العريس سيارات فخمة يتم كراؤها بعد تزويقها بمقابل مالي لا يقل عن نصف المليون بالإضافة لمن وضع سيارات بلوحة منجمية سوداء. على ذمة الراغبين في كرائها لفترة زمنية متفق عليها وعديد الأحيان يكون هو سائقها. أنشطة عديدة تدر الملايين على أصحابها ويتم جمعها مقابل أنشطة وخدمات مناسباتية بعيدا عن الاقتطاع ودفع الجباية المستوجبة لتكون الصافي والخام بلا فارق بينهما. الحديث عن التهرب الجبائي وتضخم عدد الناشطين بهذا «الوباء» الذي نخر الاقتصاد التونسي لم يكن ليستفحل لو تم تطبيق ما جاء في جملة من القوانين المنصوص عليها بالمجلة الجبائية خاصة إذا علمنا أن الميدان الرياضي بدوره ومنذ اعتماد سياسة الاحتراف صار مصدر ثراء آلاف المتدخلين: لاعبون مدربون مسيرون ووكلاء لاعبين والغريب في الأمر أن العديد منهم لهم مورد رزق قار وبدعوى عدم السماح لامتهان أكثر من مهنة في إطار قانون الشغل فإنك لا تستغرب ان يحصل المدرب على أجرته كمدرب وأخرى كأستاذ تربية بدنية أو نشاط آخر. وفي الأخير نجد السلط المعنية بدءا بالجامعة التونسية لكرة القدم وما شابهها من الأنشطة الأخرى مكتوفة الأيدي على أن العقود المبرمة والتي تصلها بها بنود مفصلة في خصوص التغطية الاجتماعية وجزء من قيمة العقد بعنوان الجباية. باعتبار أن الضريبة منصوص عليها بنص تشريعي بمقتضى الدستور حسب الفصل 43 بما يسمى بمبدإ شرعية الضريبة والحال تلك فإن كل ضريبة منصوص عليها بالقانون وجب دفعها لدى المصالح المختصة والتي بدورها تمد الدافع بما يفيد قيامه بالواجب الضريبي وكل استثناء يستوجب إصدار قانون ونص تشريعي في الغرض. فالنشاط الرياضي كباقي الأنشطة يخضع للقوانين الجبائية لمجرد إمضاء عقد بين المؤجر والأجير. والاستثناء يبقى في إطار «التطوع» وبما أن الناشطين في الميدان الرياضي يربطهم بالأندية أو الجامعة أو ما شابهها عقد وبموجبه يمكن للأجير المطالبة بأجره في صورة المماطلة فإن نفس القانون الذي يحمي حقوقه يجعله مطالبا في المقابل يدفع الضريبة المستوجبة وذلك حسب الفصل 26 من مجلة الضريبة.. وباعتبار الرياضة في بلادنا بابا من أبواب الشهرة فإن دلال هذه الفئة يجعلهم اليوم يساهمون في كل ما تعرفه ميزانية الدولة من «إفلاس» وما تعيشه الصناديق الاجتماعية من عجز وذلك لسببين الأول أن الأجور لا تقل عن 3 ملايين شهريا لتصل إلى مئات الملايين للاعب الواحد. وفي المقابل يستقر هؤلاء بكل المبالغ المتحصل عليها بل نجد أغلبهم يتمتعون بامتيازات أخرى لا حصر لها. لتكون بذلك خسارة مضاعفة. أما السبب الثاني فإنه اجتماعي إذ تنتشر الفوارق الاجتماعية بين فئات الشباب وتقل الموارد المالية التي يمكن بواسطتها توفير منح وتشجيعات لفائدتهم. المحللون والمختصون في قانون الجباية يؤكدون جميعهم. أن عزوف اللاعبين أو امتناعهم عن دفع الضرائب في ظل ما تعرفه السلط المعنية من تساهل يكلف الدولة خسارة تقدر بالمليارات سنوات إذ لا تزال وزارة المالية تطالب في كل مرة النوادي التونسية بدفع ما قيمته 5 مليارات بعنوان تغطية اجتماعية فما بالك بالضريبة على الدخل كما أن انتداب الأجانب بدوره يستنزف أرصدتنا من العملة الصعبة. رغم أن الجامعات والجمعيات الرياضية مفروض عليها بالقانون حسب الفصل 58 من مجلة الضريبة القيام بالخصم من المورد وفي صورة التقصير أو التغافل فإن المؤجر يكون عرضة لعقوبات جزائية تصل إلى 3 سنوات سجنا. اختيار بعض الشرائح من المتهربين عن دفع الجباية لأنهم الاغلبية على أن عدة قطاعات أخرى تعيش بيننا ونتعامل معها على غرار ممتهني البناء و» الدهينة» والجنان وغيرهم هم أيضا معنيون بما سبق من تجاوزات قد تكون الظروف المحيطة كالتساهل وعدم الاكتراث أو المحاباة سببا في ما وصلت إليه الأمور المالية.