قيس سعيّد يستقبل سفير لبنان ويؤكد على عمق العلاقات التونسية اللبنانية    قيس سعيّد: دُور الشباب تحوّلت إلى أوكار... والرياضة تحتاج تطهيرًا عاجلًا    سعيّد يتسلّم دعوة من نظيره الجزائري ويؤكد: إفريقيا للأفارقة    الإدارة الجهوية للصحة بالكاف: قريبا يتحول قسم الاشعة إلى قسم جامعي    فرنسا.. مدينة نيم تفرض حظر تجوال على القاصرين    مع النفاذ العاجل .. 12 سنة سجنا ل«ر.م.ع» سابق بشركة الحلفاء    اتصالات تونس تجدّد شراكتها مع النادي الرياضي الصفاقسي... التزام متجدد لخدمة الجماهير ودعم الرياضة التونسية    الجمهور يطالب بفرض الانضباط: هل يُعاقب الترجي نجومه «المُتمرّدة »؟    تاريخ الخيانات السياسية (19) الرّاوندية يتخذون المنصور إلاها    الشيخ العلامة يونس بن عبد الرحيم التليلي (فريانة) .. موسوعة علوم ومعارف عصره    استراحة صيفية    مهرجان الفسقية الدولي في دورته الرابعة... من اجل بعث الحياة في المدينة    عاجل: للقادمين من تونس نحو المروج: تغييرات في المسالك المرورية نهاية الأسبوع    اتفاق تونسي - عراقي لتصدير الأدوية ونقل تكنولوجيا التصنيع    وزير الشؤون الاجتماعية يوضّح موقف الوزارة من منظومة أمان وملف المناولة وصندوق البطالة والسكن الاجتماعي    مباراة ودية: فوز الترجي الرياضي على مستقبل المرسى    بطولة افريقيا لالعاب القوى (الناشئين و الناشئات): غفران لحمادي تتحصل على الميدالية الفضية في رمي القرص    عاجل/ بشرى سارّة لخرّيجي التعليم العالي ممّن طالت بطالتهم    الدورة الأولى للبرنامج الجهوي للرفاه الاجتماعي وأنماط العيش السليم بمشاركة أكثر من ألف شاب وشابة    وزارة التجارة: خبر الألياف يتطلّب خطّة.. #خبر_عاجل    الستاغ تضع حزمة اجراءات جديدة لتسريع دراسة وربط محطات الطاقة الشمسية الفولطاضوئية    قابس: السيطرة مستودع العجلات المطاطية المستعملة ببوشمة    عاجل/ بعد غياب طويل: كلمة مصورة لأبو عبيدة.. وهذا ما جاء يها    التنس: البيلاروسية سابالينكا تنسحب من بطولة مونتريال بسبب الارهاق    بعد حملة تلقيح واسعة: خطر الجلد العقدي يتراجع في الكاف    وزارة الفلاحة تعلن عن فتح موسم جني الحلفاء في هذا الموعد    لطيفة العرفاوي حول حفلها في عيد الجمهورية: "هذا شرف لي"..    10 روائح...التونسي يعرفها من بعيد    عاجل/ الكشف عن موقع عسكري اسرائيلي سرّي في غزّة    حفلة تتحوّل لكابوس بسبب سقف: رزان مغربي تصاب إصابة خطيرة    رقدت لباس؟ يمكن السر في صوت المروحة    6 أعشاب يمكنك زراعتها بسهولة في الصيف...حتى في الشباك!    بورصة: رسملة السوق تزيد بنسبة 12،8 بالمائة منذ بداية 2025    عاجل/ موجة حرّ متوقعة آخر هذا الأسبوع و الأسبوع القادم.. أهم مميزاتها والتفاصيل..    زغوان: تقدم موسم حصاد الحبوب بحوالي 98 بالمائة    كرة اليد: منتخب الكبريات يشرع في التحضير لبطولة العالم بتربص في الحمامات من 21 الى 25 جويلية    مهرجان قرطاج 2025: انتقادات قبل الانطلاق وسجالات حول البرمجة وسط تطلع لتدارك العثرات    الموسيقار محمد القرفي يفتتح الدورة 59 من مهرجان قرطاج بعرض "من قاع الخابية": تحية للأصالة برؤية سمفونية معاصرة    باريس ....تحتفي بالشاعر الجليدي العويني    القرآن والتنمية الذاتية: 10 آيات تغيّر الحياة    وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية تصادق على استثمارات ومشاريع لفائدة ولايتي نابل وقابس بقيمة 19،1 مليون دينار    ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة بداية من يوم غد السبت    30٪ من الناجحين يرسبون في أوّل عام جامعي... علاش؟    في سهرة مشتركة على ركح الحمامات: "سوداني" و"جذب" يحلّقان بالجمهور بجناحي البوب والإنشاد الصوفي    حفل كولدبلاي في بوسطن يفضح علاقة سرية للملياردير آندي بايرون    أستاذ تونسي يُفسّر ''ناقصات عقل ودين''    محكوم بالسجن : ليلة القبض على بارون ترويج المخدرات في خزندار    عاجل/ البيت الأبيض يكشف الوضع الصحي لترامب..    باريس سان جيرمان يتعاقد مع حارس المرمى الإيطالي ريناتو مارين ل 5 مواسم    معهد الرصد الجوي يؤكد أن شهر جوان 2025 كان أشد حرّا من المعتاد    إجراءات صحية يجب على ترامب اتباعها بعد تشخيصه ب"القصور الوريدي المزمن"    اليوم درجات حرارة عالية والشهيلي داخل على الخط    وزيرا الفلاحة والتجارة يشرفان على اجتماع لمتابعة وضعية تزويد السوق بالمنتجات الفلاحية ومواجهة الاحتكار    غزة.. عشرات الشهداء والجرحى وقصف يستهدف النازحين والمنازل والبنى التحتية    نقابة الصحفيين تنعى الصحفي يوسف الوسلاتي: وداعًا لأحد أعمدة الكلمة الحرة    فانس: ترامب لم يرسل هكذا رسالة .. أين الدليل؟    موجة حر تضرب تونس خلال هذه الفترة... درجات الحرارة قد تصل إلى47°    مهرجان الحمامات الدولي: مسرحية "ام البلدان" تستعير الماضي لتتحدث عن الحاضر وعن بناء تونس بالأمس واليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آن الآوان لمقاومة التهرّب الجبائي
في انتظار مناقشة قانون المالية:
نشر في الشعب يوم 11 - 12 - 2010

تواجه جميع البلدان متقدمة و سائرة نحو النمو مشكلة التهرب الجبائي و يعتقد الخبراء والنقابيون والعديد من الأطراف الاخرى التي قد تتحاشى الحديث عن هذا الموضوع بالصوت العالي ويمكن إعتبار هذا الموضوع مهما لكل من يحرص على التوازن ببلادنا بين كافة الأطراف الإجتماعية في إطار العدالة الجبائية التي نريد وفي إطار أيضا إيجاد مداخيل جديدة للدولة .
فالتهرب الجبائي مشكلة عويصة لدى الدولة وكم من مرة إستمعنا إلى خطب ودعوات سواء من طرف الحكومة أو وزارة المالية تدعو إلى مقاومة التهرب الجبائي لا سيما أنها تؤثر سلبا و بقوة على موارد الدولة و على الأداء الاقتصادي للمؤسسات الشفافة بسبب المنافسة غير الشريفة و على البنية الأخلاقية للمجتمع و رغم ذلك لا تلقى هذه المشكلة الاهتمام المطلوب و تبقى حتى الآن في الظل حيث يصبح الحديث وتجعل مجموعة تدفع ما عليها وأخرى تتهرب وتختلق الأعذار وفي بعض الأحيان تجد الصيغ القانونية للتهرب حتى أن البعض سلم أمره وأصبح لدي البعض إقتناع بأن مقاومة التهرب الضريبي تمثل نوعا من العبث في ظل الإصرار على الإبقاء على مواجهة الإدارة بالسر المهني مثلما هو الشأن على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة للسر البنكي الذي يحرمها من القيام بمهامها ويساعد المتهربين والذي تخلت عنه البلدان المتطورة خاصة بعد فضيحة بنك لشتنشتاين التي تورط فيها رجال أعمال من ألمانيا و فرنسا وايطاليا وبريطانيا.
أما سويسرا فقد وجدت نفسها مجبرة على منح معلومات هامة للسلطات الجبائية الأمريكية بخصوص أشخاص تورطوا في أعمال تهرب ضريبي و قد وقعت اتفاقية تعاون دائمة بهذا الخصوص. فهل يعقل أن يتحول السر المهني لوسيلة ناجعة لمنافسة المؤسسات البنكية من قبل بعض الناشطين في المجال المالي و يصبح موضوع ندوات يستدعى لها عدد هام من أصحاب بعض المهن الحرة لتحريضهم على إيداع مداخيلهم غير المصرح بها لديهم والتي لا يمكن لإدارة الجباية الاطلاع عليها بمقتضى الفقرة الأخيرة من الفصل 16 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية التي تحتاج إلى مراجعة عاجلة؟
أحد الخبراء إتصلت به شخصيا لمعرفة رأيه في الموضوع تساءل إن كان من المعقول أن يتمكن أشخاص من غير المؤسسات المصرفية من استخلاص صكوك و مبالغ متأتية من مداخيل غير مصرح بها وإيداعها صلب حسابات لا يمكن لإدارة الجباية الاطلاع عليها ؟ ألا تدخل هذه الأعمال تحت طائلة القانون عدد 75 لسنة 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب و منع غسيل الأموال كما تم تنقيحه و إتمامه بالقانون عدد 65 لسنة 2009 وبالأخص الفصل 74 جديد منه باعتبار أن الأمر يتعلق بتبييض جرائم جبائية؟ هل يحق لوسيط من غير المؤسسات المصرفية استخلاص صكوك متأتية من مداخيل غير مصرح بها دون أن تظهر هوية أصحابها؟ هل يعقل ان يفرض الطبيب العامل بالمصحات الخاصة على حريفه دفع أتعابه نقدا و بواسطة صك دون ذكر اسم المنتفع و دون مده بفاتورة قانونية حتى يتمكن من التهرب من دفع الضرائب و التصريح بكل مداخيله و تساعدهم في ذلك المصحات الخاصة التي تضع على ذمتهم عونا يتولى التصرف في هذه العمليات غير القانونية؟
هي أسئلة مازالت دون إجابات فهل يحمل معه قانون المالية لهذه السنة والذي سيعرض على مجلس النواب قريبا الجديد في إطار مقاومة التهرب الجبائي؟
❊ قطاعات وفئات عديدة متضرّرة
فالتهرب الضريبي يطال اليوم كل القطاعات حيث أكدت مصادرنا أن قطاع الخدمات السياحية، الذي يمر أصلا بصعوبات نتيجة الأزمة العالمية التي طالت آثارها جل القطاعات، لم يسلم بدوره من السوق الموازية المتمثلة أساسا في المنافسة اللاشرعية التي يقوم بها أصحاب الشقق المفروشة خاصة بالمناطق السياحية من خلال تسويغ تلك الشقق بأسعار مشطة (5000 دينار في الشهر) دون دفع الأداء على القيمة المضافة بنسبة 18 % على معنى الفقرة 5 من الفصل 18 من مجلة الأداء على القيمة المضافة التي ولدت ميتة منذ سنة 1988 و كذلك الضريبة بعنوان المداخيل العقارية على معنى الفصل 27 من مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين و الضريبة على الشركات و معاليم التسجيل.
وقد ساعدت بعض الوكالات العقارية على هذا التهرب الجبائي من خلال عدم إجراء الخصم من المورد بنسبة 15٪ بعنوان الأكرية التي تدفعها لأصحاب الشقق المفروشة وعدم تسجيل العقود الموقعة معهم و كذلك عدم التصريح بمداخيلها.
كما أن غياب المتابعة اللصيقة و المراقبة من خلال عدم تفعيل مقتضيات مجلة الحقوق و الإجراءات الجبائية و بالأخص الفصول 5 و 8 و 89 و 92 من نفس المجلة ساعد المتهربين على إلحاق أضرار جسيمة بكل الأطراف دون الحديث عن النقص الفادح الذي يصبغ الفصل 101 من مجلة الحقوق و الإجراءات الجبائية و الذي عرف بصفة ضيقة أعمال التحيل الجبائي الذي عادة ما يبدأ من الثغرات التي تتضمنها النصوص الجبائية.
ويرى الخبراء أن توسيع مجال المراقبة الجبائية لتشمل الأنشطة غير المصرح بها لدى الإدارة و المشهر بها بالصحف اليومية من شأنه تحقيق العدل و الإنصاف بين المطالبين بالضريبة كما أن معاينة أعمال التهرب و التهريب بسرعة من شأنه حفظ موارد الخزينة العامة و تحسين مردودية أعمال المراقبة الجبائية خاصة إذا علمنا أن المداخيل المتأتية من تسويغ الشقق المفروشة و غير المفروشة تقدر على الأقل بعشرات ملايين الدينارات و أن غض الطرف على أعمال التهرب الجبائي المكشوفة من شأنه جعل المطالبين بالضريبة الذين يصرحون بمداخيلهم يشعرون بالغبن و يفكرون في الالتحاق بجمهور المتهربين تحقيقا لمبدأ العدل والإنصاف المشار إليه بالفصلين 6 و 16من الدستور بطريقتهم.
فإدارة الجباية داخل البلاد المتطورة خصصت مصلحة تعنى بمتابعة الإشهارات المتعلقة بالانشطة الخاضعة للضريبة عبر وسائل الإعلام التي تحولت إلى سوق يومية و قد مكنها ذلك من ضبط المتهربين في حين يتمتع المشهرون لأنشطتهم غير المصرح بها ببلادنا خاصة بشبكة الانترنات بحصانة تامة مثلما هو الشأن على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة لسماسرة السيارات المستعملة و مقدمي الدروس الخصوصية و أصحاب الشقق المفروشة و غير المفروشة و تجار الخردة و قطاع الغيار المستعملة الذين ألحقوا أضرارا جسيمة بالقطاع المنظم و السماسرة الذين يوجهون السياح لتاجر ما في منتوجات الصناعات التقليدية مقابل مبالغ خيالية يتقاضونها نقدا و هو ما يعد جريمة على معنى الأمر العلي المؤرخ في 12 مارس 1942 متعلق بزجر جلب الحرفاء تحيلا.
ان مقاومة ظاهرة أسعار التحويل التي تتمكن بواسطتها الشركات الدولية خاصة الناشطة في مجال التصرف في النزل و المحروقات من استنزاف الموارد الضريبية تبقى من الأولويات الملحة بالنظر لافتقار إدارة الأداءات لمختصين و خبراء في هذا المجال دون الحديث عن شركات الفوترة المحدثة وبالأخص بالمناطق الحرة لبعض الدول العربية و التي يتم استعمالها لتهريب المادة الجبائية و العملة الصعبة خاصة ان اتفاقيات تفادي الازدواج الضريبي تساعد على ذلك.
إن بعث إدارة خاصة تعنى بمقاومة التهرب الضريبي مثلما فعلت ذلك البلدان العضوة بمنظمة التعاون و التنمية الاقتصادية من شأنه المساهمة بصفة فعالة في مقاومة هذه الظاهرة التي اعتبرتها أروبا في الآونة الأخيرة ماسة بأمنها القومي علما بان تلك الإدارة تابعة لوزارة الداخلية بالنسبة لايطاليا و المجر.
فالإصلاح الجبائي يشترط أولا الكشف عن هذه الظاهرة و التشهير بها و تحديد أشكالها و حجمها و مراجعة الآلية الجزائية الكفيلة بالقضاء عليها و تفعيل الأحكام الجزائية ضد السماسرة و المتواطئين معهم الذين يتمتعون بحصانة كبيرة ضرورة أن ممارسة التهرب و التهريب جهارا نهارا من شأنه المساس بهيبة الدولة و إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد إذا ما أخذنا بالاعتبار السوق الموازية التي اتخذت حجما منذرا بالخطر.
ولدينا أمثلة عربية وأجنبية في مقاومة التهرب الجبائي ففي هذا الإطار، بادرت سوريا من خلال القانون عدد 25 لسنة 2003 ببعث مديرية الاستعلام الضريبي التي تتمثل مهمتها في مكافحة التهرب و التهريب عن طريق استقصاء المعلومات الموثقة عن الأوضاع المالية للمطالبين و جمع البيانات و المعلومات و الوثائق المتعلقة بالمداخيل الخاضعة للضريبة و ضبط حالات التهرب و التهريب و التحقيق في الشكاوى و الإخبارات و التحري في طرق التهرب الضريبي و معالجتها مع الجهات المختصة. و يتمتع العاملون بالمديرية بصفة الضابطة العدلية على غرار ما هو معمول به بايطاليا و المجر و ينتفعون بمكافأة لا تقل عن 10 % من الغرامات و قيم المصادرات الناتجة عن مخالفات و قضايا التهرب من الضرائب و الرسوم. كما ينتفع بنفس المكافأة المرشدون و المخبرون عن أعمال التهرب الضريبي مثلما هو الشأن داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
أما الجزائر فقد بادرت من خلال الفصل 3 من قانون المالية التكميلي لسنة 2009 بوضع السجل الوطني لممارسي الغش (Fraudeurs) الذين يرتكبون مخالفات جبائية و ديوانية و بنكية و مالية و تجارية و كذلك الذين لا يقومون بالإيداع القانوني لقوائمهم المالية. و ينجر عن إدراج مؤسسة ما ضمن هذا السجل الحرمان من الانتفاع بالامتيازات الجبائية و الديوانية و التسهيلات الإدارية و من المساهمة في الصفقات العمومية مثلما هو الشأن داخل الولايات المتحدة الأمريكية و كذلك من القيام بعمليات ذات علاقة بالتجارة الخارجية و ذلك على معنى الفصل 29 من نفس القانون.
كما بادرت ليبيا برفع السر المهني من خلال الفصل 80 من القانون عدد 7 لسنة 2010 متعلق بضرائب الدخل و بمكافأة الأشخاص الذين يساعدون الدولة على تحصيل الضرائب مثلما يتضح ذلك من خلال الفصل 103 من نفس القانون.
أما بإيطاليا، فالمشتري الذي تضبطه شرطة الضرائب السرية التي يخشاها الجميع غير حامل لفاتورة مشترياته فيعتبر سارقا و إذا أرشد على البائع تحرر ضده قضية في التهرب الضريبي و يعاقب عقابا أخف لاعتباره مساعدا للبائع على التهرب و قد جعل ذلك باعة البضائع و الخدمات حريصين على تسليم فاتورة بما في ذلك الحلاق و صاحب التاكسي و صاحب الكشك و الباعة المتجولين، الشيء الذي ساعد بصفة كبيرة على تنمية الموارد الجبائية.
فقد تمكنت بلجيكا من جني ما يقارب تسعة آلاف مليون دينار على اثر بعث كتابة دولة في الآونة الأخيرة تعنى بمقاومة التهرب الضريب. أما فرنسا فقد بادرت في بداية سنة 2009 من بعث فرقة من المراقبين الجبائيين تابعة للشرطة العدلية لمقاومة ظاهرة التهرب الضريبي على غرار الشرطة الألمانية المكلفة بمقاومة التهرب الضريبي.
إن أحسن المجالات مردودية التي يجب على الدولة الاستثمار فيها اليوم ببلادنا دون تردد هو مجال مقاومة التهرب الضريبي. فإذا ما عرفنا عدد المطالبين بالضريبة الذي يقدر بالملايين و عدد أعوان المراقبة الجبائية المحدود جدا فسنعرف الأهمية القصوى لهذا الاستثمار و مردوديته المتأكدة بالنظر لحجم التهرب الضريبي حيث أنه يمكن الدولة من إيجاد مواطن شغل لعشرات الآلاف من خريجي الجامعة على الأقل و من تنمية موارد الخزينة بصفة غير متوقعة و من تكريس العدالة الجبائية التي بدونها يعم التهرب و التهريب و تندثر المؤسسات الشفافة و تنعدم موارد الدولة و تضعف قدراتها على القيام بواجباتها و تنتعش أعمال السمسرة. كما ان مراجعة القانون عدد 34 لسنة 1960، الذي همش مهنة المستشار الجبائي، من شانه توفير مواطن شغل للآلاف من حاملي شهادة الإجازة و الأستاذية و الماجستير في الجباية و حماية مستهلكي خدمات الاستشارة الجبائية و قطع الطريق أمام السماسرة الذين هم بصدد تنمية التهرب الضريبي حيث لا يمكن الحديث عن إصلاح جبائي في ظل تهميش مهنة المستشار الجبائي التي تعد احد الضمانات التي يجب أن تتوفر للمطالب بالضريبة في دولة القانون و المؤسسات. فتهميش هذه المهنة يخدم السماسرة و المتواطئين معهم و كذلك المتهربين الذين الحقوا أضرارا جسيمة بكل الأطراف بما في ذلك الخزينة العامة.
فلا احد بإمكانه أن ينكر أن العبأ الضريبي الذي يتحمله الأشخاص الذين يقومون بواجبهم الجبائي وبخاصة الأجراء يفوق بكثير النسب التي نقرؤها من حين لأخر و حتى مقارنات البنك الدولي بهذا الخصوص جاءت في غير محلها لأنها يمكن إثبات ان أعلى نسبة عبا ضريبي داخل البلدان الاسكندنافية التي قد تبلغ 70 بالمائة هي اقل وطأة من نسبة 21 بالمائة اذا ما اخذت المقارنة بعين الاعتبار الخدمات العامة.
وباعتبار شح المعلومات في هذا المجال اكتفينا بما نشره البنك الدولي حيث أوضح ان 27 بالمائة من المقابيض الجبائية متأتية من الضرائب المباشرة و هي نسبة ضعيفة جراء الامتيازات الجبائية السخية حسب تعبيره و التي لا زلنا نجهل إلى حد الآن مردوديتها. يستنتج من ذلك أن العبأ الضريبي يتحمله المستهلك النهائي و الأجراء حيث تمثل الضريبة التي يتحملونها 75 بالمائة من الضريبة التي يدفعها الأشخاص الطبيعيون. أما بخصوص الضريبة التي تدفعها المهن غير التجارية و منها المهن الحرة فانها تمثل 1،5 بالمائة من المقابيض الجبائية المتأتية من الأجراء. أما النظام التقديري الذي ينتفع به التجار فان حجم مساهمته يكاد يكون منعدما بالنر للمقابيض المتاتية من اليد العاملة.
الغريب في الأمر أن الأجراء لم يشملهم التخفيض الذي شمل الأشخاص المطالبين بدفع الضريبة على الشركات حيث كان من المفروض التخفيض بنسبة 5 بالمائة في جدول نسب الاداءات.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات بخصوص حجم ما تتكبده الخزينة العامة سنويا من خسائر من جراء التهرب إلا أن الخبراء في المجال يؤكدون أن ظاهرة التهرب الضريبي المحلي و الدولي تكلف المجموعة الوطنية خسارة تقدر سنويا بآلاف ملايين الدينارات و هي مبالغ بإمكانها القضاء على الفقر و البطالة ببلادنا و بالإمكان استرجاعها من خلال تشجيع البحث في الظاهرة و إيجاد الهيكل الذي سيتكفل بمقاومتها و إدخال تغييرات جوهرية على التشريع الجبائي على غرار ما فعلته البلدان المتطورة على اثر الأزمة المالية التي هزت العالم.
فهل نشهد هذا العام قانونا للمالية يحد من ظاهرة التهرب الجبائي ويضفي عدالة جبائية كم نادت بها المنظمات والأحزاب و المجتمع المدني بإعتبار تعطينا توازنا إجتماعيا ضروريا بين كافة الفئات الإجتماعية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.