أكّد كمال الغربي رئيس الشبكة التونسية للعدالة الإنتقالية ل الصباح الأسبوعي أنّه كان مبرمجا تمرير شهادة لضحية من ضحايا الرشّ بسليانة في جلسات الاستماع العلنية الأولى غير أنّه تم التراجع عن ذلك بضغط من حركة النهضة . ولم يتوقف تدخل حركة النهضة في هذا المسار -وفق قوله- عند هذا الحدّ وإنما أيضا من خلال مقابلة راشد الغنوشي لبعض الرموز من نظام بن علي وفي مقدمتهم وزير الداخلية الأسبق عبد الله القلال مقدّما لهم تطمينات مفادها أنّه حتى وإذا طالتهم المحاسبة فإنها ستكون محاسبة معنوية. يأتي هذا التصريح من طرف رئيس الشبكة التونسية للعدالة الإنتقالية ضمن قراءة نقدية شاملة وكتعليق حول أول جلستي استماع علنية لضحايا الاستبداد نظّمتها هيئة الحقيقة والكرامة يومي 17 و18 نوفمبر الجاري وتناقلتها مختلف وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية. وأكّد كمال الغربي أنّ جلسات الاستماع من حيث الشكل كانت ناجحة إلى حدّ ما باعتبار أن الهيئة قبل بثها علنيا قد استشارت العديد من الخبراء والشخصيات ذات علاقة بمجال العدالة الانتقالية . لكن من المهمّ وفق تصريحه الإشارة إلى أنّ الجلسات العلنية هي أداة لمعرفة الحقيقة وليست غاية في حدّ ذاتها وتقديمها كإنجاز لهيئة الحقيقة والكرامة فيه نوع من المغالطة للرأي العام . فما قدّم من شهادات هي الحقيقة من وجهة نظر الضحايا وهذه مسألة إيجابية ولكن ما ننتظره في الفترة القادمة هو نظرة الجلادين والمسؤولين المباشرين وغير المباشرين عن الانتهاكات الجسيمة في جلسات علنية نستمع خلالها إلى رواياتهم حتى تُحدّد المسؤوليات حول من أعطى الأوامر ومن نفّذها وهذا سيمكننا من معرفة إن كانت مازالت هناك عناصر من دواليب الدولة يجب أن يتخذ بشأنهم إجراءات بالتقاعد المبكر أو عزلهم وهو ما يُسمى بالفحص الوظيفي للمسؤولين عن الانتهاكات ودون ذلك لا يمكن أن نضمن عدم التكرار . من ناحية أخرى أوضح الغربي أنّه بالنسبة للمحاسبة القضائية فإنّه يتعين على الهيئة أن تمرر الملفات إلى الدوائر القضائية المتخصصة للنظر فيها حتى وإن شملت عفو الضحايا عن جلاديهم مضيفا أنّ الصورة التي أصبحت واضحة اليوم عن الهدف المرسوم لمسار العدالة الانتقالية هو أن كل من الضحية والجلاد يعترفان بالحقائق أمام الناس ومن ثمة تُطوى الصفحة . فحسب قول محدّثنا فإن سياسة التوافق في المجالات السياسية امتدت لتشمل مسار العدالة الانتقالية فما لم يستطع تحقيقه الباجي قائد السبسي عن طريق مشروعه حول المصالحة الوطنية سيُحققه شريكه في الحكم راشد الغنوشي عبر أداة العدالة الانتقالية من خلال تبييض المسؤولين عن فترة الديكتاتورية ومشاركتهم في جلسات علنية للإعتراف بالانتهاكات التي وقعت وربطها بكونها كانت أوامر الرئيس المخلوع .. ومن ناحية ثانية يتمّ قبولهم في الشأن العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومؤسسات الدولة دون محاسبة ودون إجراءات عقابية تجاههم، وبالتالي تكتب الصورة التي يُراد الخروج بها عن عدالة انتقالية لا انتقامية وتصديرها إلى الخارج بأن التونسيين متسامحون . لكن في المقابل بيّن كمال الغربي أنّ لدينا رؤية حول مسألة المصالحة فنحن لسنا ضد هذا التوجه ولكن لا نريدها أن تكون مصالحة قسرية على الضحايا ولا عنوان توظيف سياسي معين من قبل الأطراف السياسية الحاكمة وإنما لابدّ من الاعتراف بالحقيقة من الضحايا والجلاد وتحويل ملفات كل من تثبت عليه الانتهاكات إلى الدوائر القضائية المتخصصة ووجبر ضرر الضحايا إلى جانب ضرورة تحويل صندوق الكرامة إلى مؤسسة وطنية وبالتالي نكون قد عملنا على تونسة مسار العدالة الانتقالية لا الانقياد الأعمى بالتجارب الدولية . في سياق متّصل كان المؤرخ عبد الجليل التميمي قد صرح لموقع حقائق أونلاين معلّقا عن مؤاخذات البعض الذين اعتبروا أن عددا من الشهادات كانت مسيّسة أنّه بقطع النظر عن كلّ الاعتبارات فإن الشهادات تبيّض ماضيها وتقلّل من دور المناضلين ولكن هنا تبرز وظيفة المؤرخ الذي يمثل المرجع الأساسي في الغربلة العلمية والأكاديمية، فاستنكر غياب مؤرخين أكاديميين صلب هيئة الحقيقة والكرامة لافتا إلى أنه قد نادى في عدة مناسبات إلى تدعيم الهيئة بمؤرخين. وأشار في ذات الاتجاه إلى أن هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب نجحت لأن أكبر مؤرخ بالبلاد هو من تولّى رئاستها مبيناً أن الأسئلة التي طُرحت على الضحايا من طرف رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين وبقية الأعضاء خلال جلسات الاستماع العلنيّة لم تترجم فهما حقيقيا لأبعاد الاستبداد. يذكر ان ضحايا ما بات يعرف بأحداث الرش في سليانة التي حصلت في نوفمبر من سنة 2012 أودعوا ملفاتهم لدى هيئة الحقيقة والكرامة. وكان العشرات من شباب سليانة قد تعرضوا لإصابات بليغة خاصة على مستوى العين من طرف قوات الأمن أيام كان علي العريض وزيرا للداخلية، وقد تكونت لجنة للتحقيق في تلك الاعتداءات وتحديد المسؤوليات إلا انها لم تشهد تقدما يذكر لحد الآن. إيمان عبد اللطيف جريدة الصباح الاسبوعي بتاريخ 21 نوفمبر 2016