الضحية الثانية التي استمعت اليها هيئة الحقيقة والكرامة امس خلال الجلسة العلنية الثالثة التي انطلقت على الساعة التاسعة مساء وتواصلت الى حدود الساعة منتصف الليل والنصف هي نجوى الرزقي من مواليد شهر 7 جانفي 1973 مناضلة وسجينة سياسية يسارية وزوجة المناضل عبد الجبّار المدّوري. تقول نجوى الرزقي أنها تحصلت على شهادة الباكالوريا سنة 1993 وخلال دراستها بالجامعة تعرفت على بعض المناضلين من الإتحاد العام لطلبة تونس فانجذبت اليهم وانخرطت معهم في النضال، ضد بعض القوانين التي اعتبرتها وبقية المناضلين جائرة وضد مصلحة الطلبة على غرار الفصل 27 الذي كان يسميه الطلبة "نظام الخراطيش" وهو أنه عندما يرسب الطالب ثلاث مرات يتم طرده نهائيا من الجامعة. تضيف أن الطلبة بجامعة رقادة التي درست فيها احتجوا على ذلك الفصل فتدخلت جحافل البوليس وانتشرت ببطحاء الجامعة وتحولت الكلية الى ثكنة للأمن وقتذاك وعمد البوليس الى ايقافها وعدد آخر من زملائها وزميلاتها بينهم زميلة لها تدعى عفاف بالناصر واصطحبهم الأعوان الى مركز الأمن بالجامعة وهناك اعتدى عليها البوليس وعلى زملائها بالعنف ثم أركبوها وزملائها عنوة داخل سيارة أمنية وكان البوليس يهينهم ويقول لهم "عاملين فيها مناضلين ها تو نرجعوكم قوادة" بالإضافة الى ذلك تم ترهيبها وزملائها بالكلاب البوليسية. تضيف أن البوليس هددها بالإغتصاب بواسطة ماتراك وتم إيقافها مدة ثمانية أيام تم خلالها محاولة اجبارها على امضاء محضر بحث فرفضت الإمضاء ولكن البوليس شرع في ضربها ضربا مبرحا على رأسها فأغمي عليها ثم بعد أن استفاقت أجبروها على الإمضاء. تقول أنها تنتمي الى عائلة فقيرة ووالدها كان يرعى اغنام على ملك شخص جزائري وترعرعت على تلك الظروف الإجتماعية القاسية والفقر المدقع، وبالجامعة اكتشفت الفرق بين الطبقات الإجتماعية التي ينتمي اليها الطلبة. تواصل نجوى الرزقي سرد تفاصيل آلام الماضي وتقول أنه تم ايداعها في سجون مختلفة بين القيروان وسوسة ومنوبة، ثم أخيرا حكمت بالسجن مدة سنتين و4 أشهر، حرمت خلالها من بعض الحقوق التي يتمتعن بها سجينات الحق العام على غرار "القفة" وقراءة الكتب والصحف.. لا لشيء لأنها سجينة سياسية. تضيف أنها رغم اخفائها عن عائلتها امر ملاحقتها الأمنية واياقفها الا أن والدها علم بالأمر ولكنه ساندها وتقول أنها تتذكر تلك اللحظة التي فوجئت فيها بقدوم والدها أثناء اركابها من قبل أعوان الأمن السيارة الأمنية حيث قال لها والدها "علاش تعمل في روحك هكا" ثم سلمها قليل من المال وكان البوليس يدفعه وكانت تشاهد ذلك بكل مرارة وقهر ثم تم ايداعها ورفيقة لها بسجن بالقيروان، وداخل السجن نالها ورفيقتها الضرب والشتم والإهانة. وكشفت أنه داخل ذلك السجن كان يوجد عالم آخر ومختلف اصناف المجتمع ولكن أكثر ما حز في نفسها وحتى الآن كانت تأتيها تلك الصورة التي شاهدتها في السجن في شكل كوابيس وهو وجود طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات تدعى رحمة وكانت تلك الطفلة رغم صغر سنها تعلم أنها داخل سجن وكانت في بعض الأحيان تمسك بأحد أبواب سجن سيدي حمد بالقيروان الذي كان يضم جناحين جناح للنساء وآخر للرجال وتصرخ " يا ربي راني فديت مي الحبس" وهناك طفل آخر اسمه سيف كان جميل جدا كانت تهتم به سجينة اسلامية تدعى حبيبة وكان السجّانات عندما يردن الإنتقام من حبيبة يمنعونها من رؤية سيف. في مسيرة نضالها تلك تقول حبيبة أنها لاقت الدعم والمساندة من والدها الذي كان دائما يدعمها ويتكبد عناء السفر من مدينة الكاف الى سجن سيدي حمد بالقيروان لزيارتها. تقول أنه في احدى زيارات والدها لها انهارت بالبكاء فرد عليها قائلا " علاش تبكي سرقت خطفت.. زنيت " تضيف أنها بعد مغادرتها السجن تزوجت بالمناضل اليساري عبد الجبّار المدّوري وأقاما مع رفاقهما بينهما رفيقهما عبد المؤمن بالعانس وزوجته. تقول نجوى الرزقي أن زوجها عانى بدوره من الملاحقات الأمنية باعتباره كان مناضلا مثلها، مما اضطرهما إلى تغيير مكان اقامتهما العديد من المرات بينها الإقامة بمنطقة صنهاجة بمنزل شقيق زوجها. بعد أن أنجبت ابنها مقدام أدرج زوجها عبد الجباّرالمدّوري بالتفتيش فتوجهت الى منزل رفيقهما ميلاد وأقامت مدة اسبوع في تلك الأثناء اقتحم البوليس المنزل واستفسروها عن مكان زوجها عبد الجبار كما استفسروها عن مكان تواجد رفيقيهما حمه الهمامي والفاهم بوكدوس. بقيت معاناتها مستمرة ورغم ذلك عادت الى الدراسة بالجامعة في مدينة القيروان وعانت من التضييقات الأمنية ولكنها واصلت الكفاح وعملت كما تقول في "السواني" لتؤمن مبالغ مالية للكراء ولتوفير مصاريف طفلها مقدام وكان زوجها حينذاك ينشط في كنف السرية بعيدا عنها حتى أنه نظرا لتلك التضييقات والملاحقات الأمنية لم يحضر جنازة والدته. تضيف نجوى أن البوليس لم يكتف بتفريقها وزوجها بسبب الملاحقات الأمنية التي طالته وطالتها بل عمد البوليس الى تشويه سمعتها بإطلاق شائعات وكان ذلك كلما انتقلت إلى مكان جديد لتقيم فيه صحبة طفلها مقدام كان البوليس يتهمها اما بتهم تمس من أخلاقها أو بتحذير الناس من الاختلاط بها لأنها معارضة سياسية ويهدد كل من يختلط بها بالملاحقات الأمنية. كنا نشعر بسقوط بن علي وقالت نجوى أن الجيد في تجربتها أنها ورفاقها المناضلون كانوا يشعرون أن بن علي سيسقط وأن شعب تونس شعب عظيم وسينتصر على بن علي. وعبّرت عن فخرها بتلك التجربة واعتبرتها مهمة في حياتها مضيفة أن ابناؤها فخورين بها وبوالدهم رغم أنهم يحملون بعض الذكريات الأليمة. وقالت أيضا " أتمنى أن تتحقق العدالة الإنتقالية المسار الكامل خاصة وأن ابنيها مقدام وصامد وغيرهما من أبناء الضحايا لا يزالون يحملون وجيعة في داخلهم" وأضافت "أتمنى من أولاد الجلادين ما يطلعوش جلادين" . وطالبت في خاتمة شهادتها بايلاء موضوع المفروزين أمنيا الأهمية اللازمة وتمتيعهم من حقهم في الشغل.