أوصى المشاركون في الندوة السنوية للرقابة والتفقد، التي نظمتها الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية يومي 21 و22 فيفري الجاري بالعاصمة، حول موضوع «المتصرف العمومي، بين متطلبات المبادرة ومخاوف الخطإ في التصرف» ، بالتعجيل بتنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية والفصول ذات العلاقة ، في اتجاه تفادي الصيغ العامة التي تفتح على اجتهادات مختلفة وأحيانا متناقضة. ويعد هذا الفصل السند الأساسي في محاكمات الفساد المالي والإداري، في تونس بعد الثورة، وهو يسمح بتتبع الموظفين وأشباه الموظفين الذين توجد أموال أو مكاسب عمومية بين أيديهم لحفظها أو إدارتها او بيعها أو شرائها، فتصرفوا فيها بطريقة مخالفة للقانون من أجل إلحاق ضرر بالمال العام أو لتحقيق فائدة لصالحهم أو لغيرهم. وأجمع المتدخلون في الورشات المنتظمة في هذه الندوة، على ضرورة مراجعة النصوص المنظمة لدائرة الزجر المالي وأخطاء التصرف، في اتجاه تحديد مفهوم خطإ التصرف بكل دقة، وإحداث أصناف أخرى تأخذ بعين الاعتبار المقاربة الجديدة في التصرف العمومي، وهي «التصرف حسب الأهداف» ، والأصناف الجديدة من المؤسسات على غرار الهيئات الدستورية، إضافة إلى توسيع نطاق السلطات المؤهلة لطلب رفع قضايا أمام الدائرة ووضع سياسة عقابية أو ردعية فعالة وناجعة. ودعوا إلى مراجعة بعض النصوص المنظمة للتصرف العمومي في اتجاه تمكين المتصرف من المرونة الكافية لتنفيذ المشاريع العمومية، وتوفير المزيد من أدلة الإجراءات وأساليب العمل للمتصرفين العموميين، قصد تأطيرهم ومساعدتهم على أداء مهامهم وتحسين آليات الرقابة الداخلية وإضفاء النجاعة اللازمة عليها. كما أبرزوا ضرورة إيجاد الآليات الضرورية قصد إعتماد تمش موحد في إثارة ووصف مختلف الأخطاء التي يمكن لهياكل الرقابة والتفقد ملاحظتها بمناسبة قيامها بمهامها، بما يمكن من تجنب التباين في تقييم أداء المتصرفين وبالتالي ضمان الانصاف بينهم، والتوجه نحو الرقابة على الاداء خاصة في ظل اعتماد التصرف في الميزانية حسب الأهداف. وبينت نجاة السويسي المكلفة بمأمورية في الهيئة العليا للرقابة المالية والادارية لدى تقديمها للتقرير العام للندوة ، أن اختيار الموضوع يندرج في إطار مجهود الهيئة الرامي الى معالجة الأخطاء التي يتم الوقوف عليها بمناسبة عملية المراقبة، وتكريس مبدا حماية المال العمومي مع توفير وضمان الإنصاف والمساواة بين المتصرفين. وتم خلال الندوة التعريف بمختلف أنواع الأخطاء التي يمكن أن تظهر اثناء التصرف العمومي، وتحليل المفاهيم ومقاربتها مع تشاريع بعض البلدان، والاطلاع على تجربة المملكة المغربية في مجال زجر أخطاء التصرف والتجربة البريطانية في هذا المجال. وتم خلال أشغال الندوة تنظيم ثلاث ورشات، أثثها عدد من الكفاءات من الإدارة ومن المتصرفين والمراقبين والقضاة، وتناولت الورشة الأولى موضوع» الخطإ في التصرف بين التشريع وفقه القضاء»، فيما تعرضت الورشة الثانية الى الصعوبات التي تعترض المتصرفين من خلال نماذج من تجارب معاشة ، وبحث المشاركون فيها سبل التكامل بين المتصرف من جهة والمراقب من جهة اخرى . وتطرقت الورشة الثالثة إلى التوجه نحو حوكمة منظومة الرقابة والتفقد وتطويرها، في اتجاه الاخذ بعين الاعتبار المقاربة الجديدة في التصرف العمومي (التصرف حسب الأهداف)، وتوحيد منهجية تكييف الخطإ في التصرف، وضمان المساواة بين المتصرفين أمام معالجة الاخطاء المرتكبة. كما أفضت الندوة إلى صياغة دليل المتصرف لتجنب أخطاء التصرف «كمساهمة في إنارة السبيل أمام المتصرفين العموميين ومساعدتهم على حسن التصرف واجتناب الوقوع في الأخطاء». وتم التركيز كمرحلة أولى على أخطاء التصرف، على أن يتم التطرق إلى الأخطاء الاخرى الجزائية منها والمهنية في عمل جديد، يقدم إضافة أخرى لفائدة المتصرفين العموميين والمراقبين في ممارسة مهامهم، وفق السويسي. وأعلن رئيس الهيئة العليا للرقابة المالية والإدارية كمال العيادي، في ختام الندوة عن عزم الهيئة على حصر النصوص الواجب تعديلها في هذا المجال، مشيرا إلى وجود نوع من الإرباك الذي تعاني منه منظومة التصرف، وخوف الاعوان العموميين من الإنزلاق نحو الخطإ في مجال عملهم. ونبه إلى أن أنظمة التصرف الأفضل في العالم ، هي تلك التي تعطي الثقة للموظفين والمجال للإجتهاد، وأن ترتكز عملية تقييم المتصرف بناء على نتائج عمله لا بناء على مدى احترامه والتزامه بالإجراءت، حسب تعبيره. وأشار إلى أن مجلس نواب الشعب سيحتضن يوم 13 مارس القادم اجتماعا حول دور هياكل الرقابة، سيتم خلاله تقديم التوصيات المتمخضة عن هذه الندوة، بالاضافة الى مناقشة جملة الإصلاحات التشريعية الضرورية في مجال التصرف العمومي.