هل أسعفت أم خذلت الترسانة القانونية الموجودة رئيس الحكومة يوسف الشاهد في الحملة الوطنية التي أطلقها للتصدّي للفساد والفاسدين؟.. الإجابة عن هذا السؤال تبدو مخيبة للآمال ففي غياب قوانين نافذة كقانون التصريح بالممتلكات ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح في القطاع العام، قد تتعثّر حملة "إما تونس أو الفساد" التي أطلقها الشاهد رغم الدعم الوطني والمساندة الشعبية، إذ لا عقوبة دون نصّ قانوني. ورغم أن مؤشرات الفساد حافظت منذ الثورة على وتيرة تصاعدية إلا أن المقترحات التشريعية للتصدّي ومكافحة الفساد كانت محتشمة بما دفع البعض إلى تفسير الأمر على أنّه يتنزّل في باب "الصمت السياسي" على استشراء الفساد، هذا "الصمت" الذي تحوّل إلى نوع من التواطؤ مع كل تلك "الشبهات" التي باتت تحوم حول عدد من الشخصيات السياسية. ورغم أن الحكومة أنهت من خلال مجلس وزاري مضيّق، التأم بتاريخ 2 مارس الماضي، النظر في مشروع قانون يتعلق بالتصريح بالمكاسب ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح في القطاع العام، إلا أن مشروع القانون هذا لم تتم إحالته إلى مجلس نواب الشعب إلى حدّ اللحظة وما زال ينتظر انعقاد مجلس وزاري للمصادقة عليه ومن ثمة إحالته إلى مجلس نواب الشعب، إلا انه والى حدّ اللحظة لم تتم إحالة مشروع القانون ومشروع القانون الوحيد المعروض على اللجان هو "مقترح قانون يتعلّق بالتصريح بالمكاسب"، تقدمت به كتلة حركة النهضة بتاريخ 15 مارس الماضي. والى جانب هذا المقترح التشريعي، هناك مقترحات تشريعية أخرى أبرزها مشروع قانون أساسي يتعلق بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومقترح قانون أساسي يتعلق بالشفافية ومكافحة الإثراء غير الشرعي (المودع بمكتب المجلس منذ 31 ديسمبر 2015 وكان باقتراح من 12 نائبا)، ومشروع قانون أساسي يتعلق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة.. وفي الحوار "الحصري" الذي كان أدلى به رئيس مجلس نواب الشعب محمّد الناصر ل"الصباح" منذ يومين، دعا النواب إلى استعجال النظر وإعطاء الأولوية للقوانين المتعلقة بمكافحة الفساد وتكريس الشفافية ومحاربة الإثراء غير الشرعي قبل نهاية الدورة البرلمانية الحالية. لكن هل تكفي القوانين المعروضة اليوم على اللجان البرلمانية في ردع الفساد والفاسدين؟ منظومة التصريح بالمكاسب دون شكّ فان منظومة التصريح بالمكاسب اليوم تفتقد للنجاعة ولآليات المتابعة والتحقق من مضامين التصريح على المكاسب والذي يتخذ إلى اليوم طابعا اختياريا وطوعيا، كما أن هذه المنظومة بصيغتها الحالية عاجزة على التحرّي في أسباب الثراء التي برزت على الكثيرين من موظّفي الدولة والتي لا تنسجم إطلاقا مع عائدات رواتبهم. ومقترح القانون المتعلّق بالتصريح بالمكاسب،الذي بادرت به كتلة حركة النهضة ومن المفترض أن يقع النظر فيه خلال الأسابيع القليلة القادمة، شمل رئاستي الجمهورية والحكومة ومستشاري الديوان الرئاسي والوزراء ورؤساء الدواوين، والنواب والقضاة رغم أنه صمت عن ذكر قضاة المحكمة العسكرية، كما شمل أعوان الأمن، وأعوان إدارات الجباية والديوانة، وكل عون مهمته آمر صرف أو محاسب عمومي، ومحافظ البنك المركزي وأعضاء مجلس إدارته..،كما يشمل هذا المقترح القرين والأبناء. ويشمل التصريح وفق المقترح كل العقارات والمنقولات والحسابات البنكية والمجوهرات التي تتجاوز قيمتها 50 ألف دينار وكذلك الحيوانات التي تتجاوز قيمتها 25 ألف دينار. والجديد في هذا المقترح أن التصريح بالمكاسب لن يكون أمام دائرة المحاسبات كما كان معمولا به بل أمام الهيئة الدستورية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، وهي هيئة دستورية سيتم المصادقة على القانون المنظّم لها قبل الانتهاء من الدورة البرلمانية الحالية. وحسب المقترح التشريعي، فان الامتناع عن التصريح الأولي يوجب الإعفاء من المهمة المعيّن بها،إما الامتناع عن التصريح النهائي (عند مغادرة الوظيفة) فيوجب الحرمان من العمل بالوظيفة العمومية، كما تتولّى هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد التحرّي في وضعيته. ويعاقب كل من يدلي بمعلومات غير صحيحة حول المكاسب وفق مقترح كتلة حركة النهضة، بخطية مالية من 5 آلاف دينار إلى 50 ألف دينار، كما أشار المقترح أن حالة التصريح غير الصحيح يمكن أن يعرّض صاحبه لخطيّة مالية تُقدّر ب150 ألف دينار، ونصّ الفصل 16 من المقترح أنه إذا ثبت وجود كسب غير مشروع واعترف المعني بالأمر بذلك فان ذلك يوجب استرداد المال العام ودفع غرامة تقدر بثلث المال المستولى عليه، ويشير الفصل 22 أنه إذا انقضت الآجال ولم يسدّد ما تخلّد بذمّته، تسلّط عليه عقوبة الكسب غير المشروع والاستيلاء على المال العام ويحال على معنى الفصل 95 من المجلة الجزائية والذي تبلغ العقوبة المقررة بمقتضى هذا الفصل،خمسة عشرة سنة سجنا. المعنيون بالقانون بعد المجلس الوزاري المضيق الذي انعقد في بداية شهر مارس الماضي، للنظر في مشروع قانون يتعلق بالتصريح بالمكاسب ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح في القطاع العام، قال اياد الدهماني الناطق الرسمي باسم الحكومة إن مشروع القانون الجديد ينص على أن يصرح 50 ألف موظف في الدولة بممتلكاتهم من جملة 650 ألفا مطالبين بذلك. وقبل ذلك بأشهر أكّد كاتب الدولة لدى وزيرة المالية المكلف بأملاك الدولة والشؤون العقارية مبروك كرشيد أن هذا المشروع سيشمل 35 ألف موظف من كبار موظفي الدولة بهدف مكافحة الفساد، وهو يهدف إلى مقاومة الكسب غير المشروع وشفافية التعامل مع أشخاص وموظفين وإلزامهم بالتصريح بممتلكاتهم. تجاوب وزراء ما بعد الثورة وفق التقرير الذي نشرته دائرة المحاسبات وشمل حكومات ما بعد الثورة في ما يتعلّق بالتصريح بالمكاسب، فان حكومة الباجي قائد السبسي لم يصرّح فيها الاّ الباجي قائد السبسي والأزهر القروي الشابي والعروسي الميزوري عند المباشرة، ولم يصرّح عند المباشرة وعند المغادرة الاّ وزير أملاك الدولة وقتها ووزير الشؤون الدينية الحالي أحمد عظّوم، ولم يصرّح وقتها رئيس مجلس النواب الحالي محمّد الناصر بالمكاسب عندما كان وقتها وزيرا للشؤون الاجتماعية، مثله مثل بقية الوزراء في هذه الحكومة الذين غضوّا الطرف عن هذا الإجراء. وبالنسبة لحكومة حمّادي الجبالي فان كلا من وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ووزير التربية عبد اللطيف عبيد ووزير التنمية جمال الدين الغربي لم يصرّحوا عند المباشرة وعند المغادرة، ولم يصرّح رفيق عبد السلام وزير الخارجية وحسين الديماسي وزير المالية والمنصف بن سالم عند المغادرة. وفي حكومة علي العريض صرّح كل الوزراء بالمكاسب عند المباشرة والمغادرة ما عدا وزير التشغيل وقتها نوفل الجملي وكتاب الدولة الحبيب الجملي والصادق العمري ونور الدين الكعبي. وفي حكومة مهدي جمعة صرّح جميع الوزراء عند المباشرة وعند المغادرة لم يصرّح منجي الحامدي وزير الخارجية والأسعد الأشعل وتوفيق الجلاصي وزير التعليم العالي ومنير التليلي وزير الشؤون الدينية، وكتاب الدولة عبد الرزاق بن خليفة وفيصل قويعة. وفي حكومة الحبيب الصيد صرّح جميع الوزراء عند المباشرة ماعدا رفيق الشلّي،كما صرّح الحبيب الصيد محمد صالح بن عيسى والطيب البكوش وسعيد العايدي وأحمد عمار الينباعي، وسعد الصديق وزكرياء بن حمد ورضا لحول وحاتم العشّي ولطيفة لخضر وكمال الجندوبي.. ولم يصرّح عند المغادرة الماهر بن ضياء ولزهر العكرمي وناجم الغرسلي ونعمان الفهري ونجيب درويش ومحسن حسن وخالد شوكات، كما لم يصرّح يوسف الشاهد عند انتهاء مهامه كوزير للشؤون المحلية وصرّح بمكاسبه مجدّدا عندما تولّى مهام رئيس حكومة الوحدة الوطنية،ولم يصرّح كل من ناجي جلول وعبيد البريكي عند انتهاء مهامهم. منية العرفاوي