بقلم الدكتورة:سلوى العباسي وصلنا مقال من الدكتورة سلوى العباسي تساءلت فيه عن اسباب عدم دعوة وزير التربية المتولي بالنيابة منذ شهر ماي المنقضي نقابة المتفقدين خلافا لكلّ النقابات التابعة للتعليم. واعتبرت ان الوضع يستدعي اليوم التّفكير بصوت عال حول ما يجري وما يحاك وما يدبّر من خفايا التّحوير الوزاري من جهة ،ومن أسرار ما يدبّر لملفّ الإصلاح من تحويل وجهة أو نسف واقتلاع من الجذور من جهة ثانية. وفي ما يلي نص المقال: يستدعي التّفكير أيضا بصوت عال حول ما يجري وما يحاك وما يدبّر من خفايا التّحوير الوزاري من جهة ،ومن أسرار ما يدبّر لملفّ الإصلاح من تحويل وجهة أو نسف واقتلاع من الجذور من جهة ثانية. من الأسئلة التي تستدعي أكثر من إجابة وتطلب أكثر من مبرّر: لماذا لم يدع وزير التربية المتولي بالنيابة منذ شهر ماي المنقضي نقابة المتفقدين خلافا لكلّ النقابات التابعة للتعليم؟ لماذا لم يجلس أي هيكل من هياكل هذا القطاع الى السيد الوزير بالنّيابة وطاقمه الوزاري مجرد جلسة استماع لهموم السلك ومشاغله ونصائحه وتوجيهاته؟ أليس خبراء التربية والبيداغوجية قادرين على الإفادة أكثر من غيرهم لضمان عودة مدرسية تتوفر فيها أبسط الظروف الموضوعية البيداغوجية؟ لماذا يبعد المتفقّدون - في إطار لعبة موازين القوى وغلبة الكمّ على النّوع- عن كل استشارة تخصّ الزمن المدرسي ومنظومة العطل والتقييم والامتحانات لتعقد في المقابل مع غيرهم جلسات مرتجلة تفتقر إلى أبسط شروط العلمية والمعرفة تصدر بعدها قرارات عشوائية تمس المنظومة ومصائر الاف المتعلمين؟ أذكر مثلا الروزنامة السنة الدراسية 2017-2018 التي صدرت وفيها عطلة شتاء بأسبوعين تتوسط سداسية ولا تتوجها. والكل يتساءل وخاصة التلاميذ والأولياء إثر ذلك عن سر بقاء الخور والارتجال والذبذبة وغياب المعايير الوطنية والدولية في خيارات التربية والتعليم الوطنيين بتونس. ولعل الناس يحمّلوننا نحن هذه المسؤولية وهم لا يعلمون كيف تدار السياسات التربوية في مكاتب وزارة التربية. ومن جهة ثانية تجرأ كاتب عام نقابة التعليم الثانوي لسعد اليعقوبي في بداية شهر جويلية في تدوينة جارحة نشرها على موقع حسابه الشخصي من شبكة التّواصل الاجتماعي ونعت المتفقدين المشتغلين على المنهاج العامّ للبلاد التونسية تكوينا وتكونا في دورات تكوينية تشرف عليها وزارة التربية بمعيّة مكتب الدّراسات بالأمم المتّحدة ب"عش الدبابير" وجاراه زملاء له في نفس النّقابة ولمّحوا إلى أنّ من يشتغل تطوعا ومجانا وفي صميم مهامّه من المتفقّدين، يشتغل لحسابه أو لحساب أشخاص ومصالح ويقتات من فتات موائد ،أو ربما للحصول على أموال أو سيّارة فارهة لست أدري؟ يتحوّل المتفقدّون ونقابتهم فجأة الى ضحايا لعبة صراعات وتجاذبات وطمع في مناصب وتوزيع مسؤوليات داخل وزارة التّربيّة ولا أحد يحرّك ساكنا أو يسعى حتّى إلى مجرّد رفع الالتباس والتّساؤل ثم التعريف بالمقصود ب المنهاج"(Le curriculum) وهو من مخرجات الحوار حول الإصلاح مقيّد في متون الإصلاح وفي تقارير اللّجان. يثلبنا اليعقوبي ويشهّر بنا علنا ويلمّح إلى ضرورة نسف مشروع الإصلاح فقط لأنّه نسب خطأ إلى غريمه الوزير السّابق، دون أدنى قيد أو احترام لقيم الزمالة والتربية والنضال النقابي والأدهى والأمر دون أدنى معرفة بالمقصود ب"المنهاج". متبعا نهج القولة الشهيرة "هذه دفعة على الحساب قبل ان أقرأ الكتاب" يهاجمنا دون أدنى تثبّت أو تدقيق ،والأمر متعلّق بإصلاح السّياسة العامّة للدولة في هندسة البرامج وتدبّر مقتضيات البعد النّسقي للمنظومة ، تلك التي انفرطت عقدها وتدافعت خياراتها وتفككت مراحلها وتشظت مخرجاتها وتفاوتت نتائجها جنوبا ووسطا وشمالا وداخل الجهة الواحدة. - فما صلة الزمن المدرسي بالتعلّمات وأنظمة التقييم والبرامج ومناهج التّدريس ومقارباته؟ وما الذي يدعو الى اختيار نظام ثلاثي أو سداسي؟ وما معايير التقييم والامتحانات الأفضل ؟ والأهم من كلّ ذلك أيّ دور للمدرّس في جعل المتعلّم خريج مدارسنا حاملا لمنظومة قيم ومبادئ تحلّيه بالأصالة والتجذّر مع المواطنة مع المسؤولية مع التفكير النّقدي مع الحسّ الذّوقي الجماليّ مع القدرة على الفعل والمساهمة في تغيير الواقع والمجتمع مع الالتحاق بسوق الشغل ونحت انموذج التنمية ورفع مكانة البلاد وتأكيد قيم الكرامة والحرية والإنصاف؟ - لماذا يجب تأهيل المدرّس ليصبح "قوة المنهاج" مهندس التعلّمات خبير المقاربات فتتحوّل مقولة "محورية المتعلّم" إلى ممارسة، لا مجرّد شعار؟ مجرّد أسئلة تكتسي كلّ شرعيتها من اختيار نهج المقاربة المنهاجية(l'approche curriculaire) تمشيا متفقا في شأنه لإصلاح البرامج ويستدعي التّفكير أيضا بصوت عال حول ما يجري وما يحاك وما يدبّر من خفايا التّحوير الوزاري من جهة ،ومن أسرار ما يدبّر لملفّ الإصلاح من تحويل وجهة أو نسف واقتلاع من الجذور من جهة ثانية. وكم من الحروب الخاسرة يجتمع فيها الفريق والخصم والحكم دون وعي ودراية. لكن ليعلم الجمع أنّ المتفقد ضمير المنظومة الحيّ ، المستقلّ، المحايد، المؤمن على الإصلاحات الدّائمة النّاجعة الموضوعية النزيهة لا حكم له سوى الضمير والمعرفة والملاحظة الثاقبة لما يجري والقول الفصل الحرّ المتشبّع بمبادئ المدرسة ولن يكفّ قطاعنا عن الإصلاح وعن التمسك بشبكة مهامه المنصوصة في نظامه الأساسي مهما كنّا أقليّة في ساحة يهيمن عليها العدد.