هل أصبحنا عبيدا لهواتفنا الجوالة ولمختلف صفحات التواصل الاجتماعي؟ لماذا يعجز البعض عن الصمود ساعتين دون أن يتصفح صفحته الاجتماعية الخاصة؟ ولماذا يشعر البعض بالتوتر الشديد عندما يكون في منطقة لا تتوفر فيها شبكات التغطية؟ وهل أن الإدمان الرقمي تجاوز الخطوط الحمراء بما يستوجب دق ناقوس الخطر؟ أسئلة تطرح بإلحاح في ظل تفشي الإدمان الرقمي الذي نلمسه ونلحظه اليوم في كل مكان: ففي المقاهي التي يفترض أنها تمثل فضاء لتجاذب أطراف الحديث بين روّادها نادرا ما نجد أشخاصا لا يبحرون على الانترنات. وفي الشواطئ التي يلجأ إليها البعض للتخلص من الضغط اليومي تجد الجميع منغمسا في هاتفه الجوال أو على حافة الشاطئ بصدد التقاط صور السلفي ونشرها على الفايسبوك أو الانستغرام أو تويتر والمشهد ذاته ينسحب في جميع الأماكن: في الحافلات، في العمل، في الشارع وحتى أمام مقود السيارة. وكأن الحياة باتت تطل عبر تلك الشاشة الصغيرة وكأنّها انحصرت في صور نتبادلها مع الأصدقاء ترافقها مجموعة من التعاليق أو في كل شاردة أو واردة نكتبها عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي. من هذا المنطلق يتضح أننا نكرّس إدمانا رقميّا تجاوز كل الخطوط الحمراء وهو ما تكشفه لغة الأرقام: فوفقا لدراسة أعدتها الأخصائية في علم النفس السريري هيام بوكسولة فان 48.27 بالمائة من التلاميذ يشعرون بالقلق والتوتر حين لا يستطيعون الإبحار على الانترنات كما كشفت الدراسة عن محاولة 22 بالمائة من الطلبة التقليص من استعمالهم للانترنات لكن لم يفلحوا في ذلك. وأوردت في هذا السياق هيام بوكسولة الأخصائية في علم النفس السريري في تصريح سابق ل الصباح أن علم النفس والطب النفسي يعتبر أن الإشكالية في الإدمان لا تكمن في المخدرات وإنما هي إشكالية سلوك فبعض السلوكيات المنتهجة تصبح مركزا للحياة لدى البعض وذلك سواء عن طريق استعمال التكنولوجيات الحديثة أو عن طريق المخدرات. وفسرت الأخصائية في هذا الشأن أن السلوكيات التي تتعلق بالتكنولوجيات الحديثة تكمن في كثرة استعمال الهواتف الذكية أو عبر الألعاب الالكترونية خاصة تلك التي تدر أرباحا أو عن طريق المواقع الجنسية مشيرة إلى أن الإدمان على هذه الأشياء يمس الجهاز العصبي المسؤول عن النشوة واللذة وحينها يقع تكرار التجربة وهذا التكرار يقودنا إلى التعود وبالتالي الإدمان. كما اعتبرت المتحدثة أيضا أن ظاهرة الإدمان الرقمي في تزايد ولا بدّ من الانتباه لذلك لاسيما أن نسبة الإدمان الرقمي يرتفع كثيرا في صفوف تلاميذ الاعداديات مشيرة إلى انه في دراسة قام بها فريق طبي في مستشفى الرازي تم التوصل إلى أن 33 بالمائة من تلاميذ الاعداديات لهم إدمان نفسي على الهواتف الذكية بينما في الدراسة التي قامت هي بانجازها وجدت قرابة 50 بالمائة يعانون من الإدمان الرقمي مشيرة إلى أن هذه الأرقام تدفعنا فعلا إلى دق ناقوس الخطر من خلال تبني برامج للوقاية والرعاية تتمثل أساسا في تهيئة الأولياء للقيام بدورهم فضلا عن العناية بالشباب وتأهيلهم. حول هذا الإدمان التكنولوجي الذي أصبحنا عبيدا له أورد الدكتور سفيان الزريبي أخصائي في الطب النفسي ورئيس الجمعية الفرنكفونية لأطباء النفس في تصريح ل الصباح إن الإدمان الرقمي ظاهرة موجودة في جميع أنحاء العالم لكنها انتشرت وتفشّت بسرعة كبيرة مع بروز شبكات التواصل الاجتماعي ومن هذا المنطلق أصبحت هذه الفضاءات متنفسا للتواصل وللتعبير بكل حرية إلى جانب تبادل الصور بين الأصدقاء. وفسر الأخصائي في الطب النفسي أنه يمكن الحديث عن الإدمان في حال توفرت مجموعة من الشروط، ويتمثل الشرط الأول في أن هناك خاصية تفرز نوعا من الراحة وتقلص من الضغط كما تمنح نوعا من المتعة ولدينا خاصية في الدماغ تدمن على ذلك. من هذا المنطلق فان هذا التحسن الملموس يدفع إلى تكرار الشيء وتواصل استعماله لا سيّما في مسالة الانترنات إذ أن هناك نوعا من الإغراء في الأمر. كما أوضح المتحدث أن الإدمان يتمظهر أيضا حين يتغافل الإنسان عن مشاغله الخاصة وعن واجباته العائلية والمهنية وضروريات الحياة من اجل الإبحار على الانترنات . من جانب آخر أشار الأخصائي في الطب النفسي إلى وجود أشكال من الإدمان الرقمي:يتعلق الشكل الأول بالإدمان البسيط وهو يهم الشبكات الاجتماعية وتحديدا الشباب الذي يبحر ليلا على مواقع التواصل الاجتماعي لا سيّما أيام العطل. وهناك نوع ثقيل من الإدمان يتعلق بالأشخاص الذين لا يأكلون ولا يشربون ويمضون أربعا وعشرين ساعة على الانترنات وعندما يمنعون من استعمالها تسودهم حالة من الهلع والتوتر وكأن الانترنات أصبح ضرورة من ضروريات الحياة وهو ما نطلق عليه في هذه الحالة :الإدمان المرضي. كما شدّد المتحدث في نفس السياق انه لا يجوز وضع الجميع في سلة واحدة بما أن الإدمان الرقمي درجات ملاحظا في السياق ذاته أن الإدمان الرقمي قد اتسعت رقعته فبعد أن كان حكرا على الشباب والمراهقين أضحى اليوم يستقطب كبار السن. وفي نفس السياق فقد حذر عديد الخبراء من نفشي ظاهرة الإدمان الرقمي في تونس على غرار الأستاذ في علم النفس السريري والمرضى بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس رياض بالرجب الذي أكد في تصريح إعلامي سابق على أهمية الإحاطة بفئة الشباب المهدد بالفراغ الفكري والعملي وغياب الإحاطة الأسرية، والذي يسعى إلى ملئه بتعاطي الكحول والمخدرات والانترنات ، مضيفا أنه بالإمكان تجاوز هذا الإشكال عبر استعمال الشباب للانترنات باعتدال ودون إفراط، والتكثيف من النشاطات الثقافية والفكرية المتنوعة على غرار المطالعة والموسيقى والرسم والمسرح والقيام بنشاطات رياضية، لأنها تساعد على الخروج بالشاب من عالم الخيال نحو الواقع المبني على النظرة الايجابية لكل ما يحيط به . تجدر الإشارة إلى انه وفقا لما نقلته مصادر إعلامية فان الاتجاه نحو إدمان التكنولوجيا قد بدا منذ عشر سنوات. وفي مختلف أنحاء العالم، ومن هذا المنطلق يعتقد الخبراء أن التكنولوجيا يمكن أن توفر للشباب تجربة مماثلة لتعاطي المخدرات حيث انخفض معدل استهلاك المراهقين للمخدرات والكحول والتبغ في الولاياتالمتحدة بشكل كبير، وقد وصلت إلى أدنى مستوياتها في العام 1990، وفقا للنتائج السنوية لدراسات المستقبل. كما انخفضت نسبة طلاب المدارس الثانوية في الولاياتالمتحدة من الذين يتعاطون المخدرات بشكل ملحوظ بين سنتي 2015 و2016. منال حرزي الصباح بتاريخ 13 اوت 2017