تلقيت "الصباح نيوز" رد من الجمعية التونسية للوعاظ والمؤدبين والإطارات الدينية على الانتقادات التي وجهت اليها على مدى الايام انتقادات على خلفية موقفها من حول المساواة في الميراث وزواج التونسية من غير المسلم من أطراف تخالفها الرأي اتهمتها بالتزلف لرئيس الجمهورية . وفي ما يلي نص الرد: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ( الأعراف 89). تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ، وبعد فقد أثار بياننا الذي أصدرناه يوم 23 أوت 2017 حول المساواة في الميراث وزواج التونسية من غير المسلم، أثار عاصفة من الردود على صفحات التواصل الاجتماعي والإذاعات والشاشات التلفزية اطلعنا على 305 منها، تنقسم من حيث المصدر إلى 274 أي 90 بالمائة منها صادرة عن وعاظ وأئمة وخطباء وأساتذة بالجامعة الزيتونية، و27 أي 9 بالمائة من غير الإطارات الدينية، وواحد بالمائة، أي 4 أشخاص من غير العاملين بالقطاع الديني. أما من حيث المحتوى فكانت تنقسم إلى ما يلي : . 90 بالمائة : سب وشتيمة، . 9 بالمائة منها حول : أ - استنقاص دور الجمعية + ب - اتهام رئيسها بالتزلف والتملق لرئيس الجمهورية بغية الحصول على مكاسب مادية + ج - اتهام رئيسها بالخروج عن الإجماع + ه - إنكار رئيسها للمعلوم من الدين بالضرورة + و - تطاوله على النصوص "قطعية الدلالة" + ز - عدم الاقتداء والاهتداء ب"كبار المشائخ" + ح - التساؤل الإنكاري عن حقه في النظر في النصوص. . 1 بالمائة، مؤيدون : وهم أربعة أشخاص من خارج "المؤسسة الدينية" وهم بالضرورة "علمانيون" والعياذ بالله. وقبل أن نتولى الرد نقطة نقطة نود لفت نظر الرأي العام إلى الملاحظات الأولية التالية : . إن استعمال مصطلح "العاصفة" في بداية هذا البيان في وصف الردود التي وصلتنا لا يعدو إلا أن يكون مجازا بالنظر إلى محتواها، وبذلك فهي لا تعدو أن تكون سوى عويصفة في سم خياط. . إذا قاطعنا بين النسبتين المشار إليهما أعلاه أي أن 90 بالمائة من الردود صادرة عن الوعاظ والمشتغلين بالدين عموما و90 بالمائة محتواها سب وشتيمة، إذا قاطعنا بين هذين النسبتين، تبين لنا أن 80 بالمائة على الأقل من ردود السب والشتم قد صدرت عن إطارات دينية يفترض فيهم قرآنيا ألا يجادلوا الناس "إلا بالتي هي أحسن"، و"ألا يسبوا حتى الآلهة التي يشركها الكفار مع الله في عبادتهم"، وبالتالي فهي نتيجة كارثية ومفجعة ومحزنة على تدني مستوى التزام المعنيين بالشأن الديني للقرآن الكريم، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ"، الصف 2-3، ولكن في الحقيقة لا عجب إذا علمنا أن من أعلى السباب عند هؤلاء هو اتهام معارضيهم بأنهم "قرآنيون". ويذكرني موقفهم هذا برد شيوخ الأزهر على القمّص زكريا بطرس وهو من أعدى أعداء الإسلام، الذي أورد موضوعا وطرح فيه أقوال المشائخ مما هو موثق في كتبهم، ونظرا لعجزهم عن الرد لأنهم عاجزون على معارضة البخاري ومسلم وابن الصلاح والإمام الفلاني والفقيه العلاني ... لم يكن ردهم إلا بأن "هذا القمّص زكريا مشلوح من الكنيسة القبطية" و"أنه يبول على نفسه" : أي أنهم لم يردوا على الأصل فوفروا لعدوهم وعدو الإسلام فرصة أخرى للسخرية منهم ومن معتقداتهم. لا أحد من الذين سبوا وشتموا أو من الذين تمترسوا حول "الإجماع" و"المعلوم من الدين بالضرورة"... لا أحد من هؤلاء ال99 بالمائة تعرض للأدلة التي سقناها أو ناقَشَها، بعد هذه البسطة الموجزة للردود التي أثارها بياننا المومأ إليه آنفا نتولى بحول الله تعالى الرد عليها بإسهاب كما يلي: أ - في السب والشتيمة : حيث أنهم لم يتناولوا بياننا بالنقد العلمي المنهجي، لا نقول فيهم إلا " ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ"، ولا نرد عليهم إلا كما أمرنا الله تعالى : "...سَلاَمًا"، و"سَلاَمٌ...."، ب - الانتقاص من الجمعية وعدد منخرطيها وأنها لا تمثل الوعاظ والإطارات الدينية بصفة عامة: أما فيما يخص قلة عديدنا، فإن هذه التهمة –حتى وإن صحت - فنرد عليها بقول الشاعر : تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا فَقُلتُ إِنَّ الكِرامَ عَدِيدُهُمْ لَقَليلُ أما فيما يخص عدم تمثيلنا للوعاظ والإطارات الدينية فإننا لم ندّع أننا نمثل مجمل هؤلاء المذكورين، ذلك أن الاسم لا يستغرق بالضرورة كل مدلولاته، فمثلا التي اسمها "جميلة" لا يعني أنها استحوذت على كل الجمال وحرمت منه غيرها من النساء، والجمعية القرآنية بجهة كذا لا يعني أنها هي التي تمثل وحدها القرآن الكريم بتلك الجهة، والنقابة الأساسية للوعاظ لا تمثل كل الوعاظ، بل إن منخرطيها لا يتجاوزون ثلث الوعاظ، كما أن النقابة العامة للشؤون الدينية لا يتجاوز عدد المنضوين تحت لوائها عشر الإطارات الدينية... ج - أما فيما يخص التزلف لرئيس الجمهورية : فلقد كنا أشرنا في مطلع بياننا الأول إلى أن هذا الرأي كنا قد قدمناه منذ سنوات عديدة لوزارة الشؤون الدينية وأنه ليس حديث مناسبة أو ركوبا على موجة كما أنه ليس من شيمنا ونحن الذين ذقنا طعم سجون بن علي وحرمنا من الشغل وحتى من الدراسة، يوم كانت سوق التزلف رائجة أكثر بكثير من الآن ويوم كان الذين يرموننا بهذه التهمة منكفئين في جحورهم ويشتكون إلى السيد المعتمد من إمام الجمعة الذي خطب في الناس ينهاهم عن الزنا، والوثيقة المتعلقة بهذا بحوزتنا لحد الآن. وبذلك فالرجاء عدم المزايدة في ما أنتم عاجزون عليه. د - في "الإجماع" : نؤكد من جديد أن "الإجماع" لم يحدث أبدا في أي مسألة من المسائل الدينية، ولا أدل على ذلك من كثرة الطوائف وتعدد المذاهب داخل كل طائفة وتضخم الفروع داخل كل مذهب. إن الذين يدّعون الإجماع لا يعلمون أن وحدانية الله تعلى –وهي الشرط الأساسي في الإيمان- ليس عليها إجماع، فما بالك بما هو دونها من المسائل؟ إن الإجماع الذي يتشدقون به لم يكن دائما إلا سلاحا يضعه الفقهاء في يد السلطة لقمع كل مخالف لها، بحجة خروجه عن "الإجماع" ونذكر في هذا الصدد الواقعة المأساوية التي حصلت لغيلان الدمشقي حيث تآمر عليه "أمير المؤمنين" هشام بن عبد الملك و"الإمام" الأوزاعي حين طلب الأول من الثاني أن يسأل غيلان سؤالا يبيح به دمه قائلا: "خاطبه وناظره وحاججه فوالله لئن ظفرت به لأقتلنه"... قال الأوزاعي : " أقول : مشيئتك مع الله أم دون الله ؟ فإن قال : مع الله فقد اتخذ مع الله شريكا، أو قال : دون الله فقد انفرد بالربوبية ، فأيهما أجابني فقد حل ضرب عنقه بها". قال هشام : "حياة الخلق وقوام الدين بالعلماء". وهكذا قتل العالم غيلان الدمشقي وخدم العالم الذي تأمروننا باتباعه وتقليده سيده في خرق فاضح لأدنى حقوق البشر!!! ولنفترض جدلا أن هناك إجماعا ما، على مسألة ما، في وقت ما، فما هو دليلكم أولا على أن هذا الإجماع نافذ إلى أبد الآبدين؟ وما هو دليلكم ثانيا على أنه لا يحق لأي كان أن يكون له رأي مخالف؟ ونختم في شأن الإجماع هذا بقول أحمد بن حنبل :"من ادعى الإجماع فهو كاذب"، وقال فيه الشافعي : "كيف يجوز للرجل أن يقول : "أَجْمَعوا"؟ إذا سمعتهم يقولون "أجمعوا"، فاتهمهم". ه - في المعلوم من الدين بالضرورة : روى البخاري عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا فَقَالَ أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الصِّيَامِ فَقَالَ شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا فَقَالَ أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الزَّكَاةِ فَقَالَ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَالَ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ"، ونلاحظ في هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلب من هذا المؤمن ضرورة الدراية بعلم المواريث ولا وجوب الإحاطة بأحكام النكاح، .. فاتضح بهذا أن بياننا لم يخالف شيئا اسمه "المعلوم من الدين بالضرورة"، الذي يقول في شأنه لإمام الشافعي.. "هو ما علمه عامة المسلمين من الدين بالأولية من دون نظر ولا تأمل وجوبا أو تحريما، مثل : وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج"، ... والمؤكد، والأمر هكذا، أن عامة المسلمين لا يعلم أحكام المواريث وأحكام الأنكحة بالأولية "دون نظر ولا تأمل"... و - في النصوص ذات الدلالة القطعية : أكد الناعون على بياننا أنّا قد خالفنا في المواريث والأنكحة نصّا قطعي الدلالة لا يمكن الالتفاف عليه ولا تأويله. ونحن نقول أن في هذا افتراء كبيرا على الله وتكذيبا له عز وجل تعالى عن ذلك علوا كبيرا، ذلك أن الله تعالى يقول : "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ"، آل عمران 7، فعندما تقولون لهذا النص أو ذاك، أن ليس له إلا تأويل واحد، فهذا معناه أنكم قد علمتم تأويله النهائي، أي أنكم أصبحتم شركاء لله في عمله بالتأويل، فكذبتم الله تعالى بذلك في دعواه بأنه لا يعلم تأويله إلا هو، " فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ"، البقرة 54، ز - في الاقتداء والاهتداء بالآباء : إننا نجل مشايخنا وأئمتنا وعلماءنا وفقهاءنا، الذين سبقونا والذين اجتهدوا طيلة القرون الخمسة الأولى انطلاقا من واقعهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وتحت سقف العلوم المتوفرة لديهم، فأنتجوا ذلك الكم الضخم من النظريات والأبحاث،.. وإن الاقتداء بهم لا يكون إلا في شغفهم بالبحث والتنقيب، وليس في النتائج التي توصلوا إليها التي هي مشروطة وجوبا بظروفهم سالفة الذكر، أما أن نقتدي بهم في نتائجهم ففيه كفران بالنعمة التي أنعمها الله علينا بألف سنة من التقدم في العلوم بمختلف أنواعها اللغوية والألسنية والفلكية والفيزيولوجية... الخ... إنه لن ينفعنا يوم القيامة أن نقول لله تعالى : "رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ"،الأحزاب 67، و"إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ"، الزخرف 22، "وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ"، الزخرف 23. ذلك أننا نفخر -في ميدان الطب- بابن سينا وابن الجزار وابن زهر وابن النفيس وابن البيطار وغيرهم، من الذين كانوا عمالقة الطب في زمانهم، ولكن علمهم اليوم أقل بكثير مما لدى الممرض العادي. وهذا يعني ألا ننظر إلى نتائج أي عالم إلا في إطار إحداثياته الزمكانية. وتأسيسا على ما سلف بسطه، فإننا ندعو العلماء الحاليين إلى إعادة النظر في الموروث وانطلاقا منه وبالاعتماد على العلوم الحديثة للتأصيل لفقه إسلامي جديد، لا يخرج عن إطار القرآن الكريم والسنة الرسولية المطابقة للقرآن متماشيا مع واقع المسلمين في حاضرهم. إن التحجر الذي طرأ على الفكر الإسلامي منذ ما يقارب الألف سنة جعل المشائخ - بالمفهوم العصري للكلمة- أوثق الحلفاء لكل أعداء الدين، إذ أنهم –أي المشائخ- بتحجرهم ورفضهم التطور يوفرون كل يوم لأعداء الدين فرصة للاستهزاء بهم وبالإسلام، فيسجل هؤلاء الأعداء كل يوم انتصارات تبدو للناس أنها انتُزِعت عنوة من الإسلام والحال أن لها أصلا صحيحا في القرآن الكريم غاب عن المشائخ فرفضوه، ثم لا يلبثون أن يقبلوه فيخسرون بذلك من الجهتين، ويفقد الإسلام كل يوم عددا من المنتسبين إليه خاصة من الشباب وبالأخص النساء منهم لاجئين إلى النصرانية أو الإلحاد. ح : في أهليتنا للنظر في النصوص : لقد من الله علينا في جمعيتنا بمعرفة حسنة باللسان العربي الذي نزل به القرآن الكريم، كما أننا أحرزنا نصيبا لا بأس به من العلوم الشرعية وخاصة منها تطورها وتمددها وتشعبها طيلة القرون الخمسة الأولى قبل أن ينكفئ الفكر الإسلامي على نفسه، وقبل بدإ انحسار ذلك المد الهائل بالكبح الذي سلطته عليه السلطة السياسية ممثلة في الخليفة العباسي القادر بالله ( ت 422 ه 1031 م ) الذي "نهى الناس عن الخوض في اختلافات المتكلمين بل وضع لهم تأليفا خاصا حوصل فيه المبادئ الاعتقادية التي تتفق عليها مختلف الفرق وجاء بها القرآن والحديث" حسب رأيه..." وقرئ في الدواوين وكتب الفقهاء خطوطهم فيه أن هذا اعتقاد المسلمين ومن خالفهم فقد فسق وكفر". والفقهاء الذين يباهون الآن بهذا اعتقاد الخليفة القادر يعدون من محاسنه : "أنه استتاب فقهاء المعتزلة، فأظهروا الرجوع وتبرأوا من الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام، وأخذت خطوطهم بذلك، وأنهم متى خالفوا أحل فيهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم، -ونفذ ولاته ذلك في ولاياتهم ... في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة، وصلبهم وحبسهم ونفاهم، وأمر بلعنهم على المنابر، وأبعد جميع طوائف أهل البدع ، ونفاهم عن ديارهم، وصار ذلك سنة في الإسلام... وأحضر جاثليق النصارى ورأس جالوت اليهود وألزموا بالغيار". فتجريم التفكير وتحريم إعمال العقل لم يخص المذاهب الإسلامية فقط، بل إنه شمل كل الملل والنحل الموجودة داخل "خلافته الإسلامية الراشدة" من يهود ونصارى وصابئة وغيرهم... ولما تولى ابن الصلاح ( ت 643 ه 1245 م ) القضاء فعّل هذا الاعتقاد القادري على أرض الواقع، حدد التصوف بالجنيد، والاعتقاد بالماتريدي والأشعري والفقه بالمذاهب الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والحدث بالصحاح البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه، واعتبار ما عدا هذه المراجع السبعة خارجة عن "الملة" وعن "الإجماع"، ثم أصدر فتوى رسمية تغلق باب الاجتهاد وتوجب تقليد أحد المذاهب الأربعة. ونحن في جمعيتنا نرفض "الاعتقاد القادري" و"إجماع" ابن الصلاح وفتواه في غلق باب الاجتهاد، لأنهما يمثلان النسخة الإسلامية لقول فرعون : " مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ "، غافر 29، فالخليفة القادر بتحديده هذا الإطار الفكري الذي ينبغي أن يسود مملكته قد ألغى وجود عديد المذاهب الأخرى وجرمها وأصبح أتباعها مهددين حتى بالقتل من الدولة وحتى من العامة، الذين يتبعون أقوال المشائخ المؤيدين للسلطة السياسية والذين "أعطوها خطوطهم" بما أرادت، ومنذ ذلك الوقت -أي ما يربو عن ألف سنة - والمشائخ متحجرون في الاعتقاد القادري ويرفضون التزحزح عنه قيد شعرة. وإننا في هذا الصدد نجل ونوقر موقف الإمام مالك رحمه الله عندما عرض عليه هارون الرشيد الخليفة العباسي الخامس أن يجعل موطأه المنظومة الفكرية الرسمية للدولة العباسية، فقال : "يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الناس قد سبقت لهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا له من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم وإن ردهم عما اعتقدوه شديد فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم". كان ذلك عند تمدد الفكر الإسلامي والقبول بالرأي الآخر دون تفسيق أو تبديع أو تكفير وعندما كان أحدهم يقول : "قولي صواب يحتمل الخطأ، وقولك خطأ يحتمل الصواب"، ولكن بعد انحسار موجة التمدد في الفكر والبحث والاستكشاف وانتصار مدرسة النقل على مدرسة العقل وتفوق إسلام الحديث على إسلام القرآن، ومصيبة الاعتقاد القادري دخل الفقه الإسلامي في سبات عميق وتحجر لم ينهض منهما إلى الآن إلا عن طريق بعض المفكرين والبحاثة، وكلهم من خارج المؤسسات الدينية كالأزهر والزيتونة. أما الشيخ محمد عبدة فرغم أنه متخرج من الأزهر فإنه أقام برنامجه الإصلاحي على معاداة الأزهر وكان يقول في هذا الصدد : "إذا كان لي حظ من العلم الصحيح الذي تذكر، فإنني لم أحصله إلا بعد أن مكثت عشر سنين أكنس دماغي مما علق فيه من وساخة الأزهر، وهو إلى الآن لم يبلغ ما أريد له من النظافة.؟!!". ونحن في جمعيتنا نستعين بزادنا المعرفي ونعتمد على هدي الله عز وجل الذي أنزل علينا قرآنا "فصلت آياته"، وبعد أن "يسره" لنا، سألنا : " أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ؟"، " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ" ( 4 مرات؟)، وإننا في جمعيتنا استجابة لهذا الهدي الإلهي تدبرنا القرآن لا فقط في مسألتي المساواة في الميراث ونكاح المسلمة الكتابي الواردتين بخطاب السيد رئيس الجمهورية، ولكن في عدة قضايا أخرى تهم حقوق الإنسان، ضمناها دراسة قدمناها لوزارة الشؤون الدينية وأصدرنا على صفحتنا عديد البيانات وفي مختلف وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، .. كلما حدث ما يخالف معتقداتنا من تجاوز لحقوق الإنسان باسم الإسلام والإسلام منها بريء براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب. فإن كانت آراؤنا واجتهاداتنا لا تعجب هذا أو ذاك فذلك من حقهم في مخالفتنا، ولكننا نطلب منهم بكل أدب أن يحترموا حقنا نحن أيضا في الاختلاف معهم، دون سب أو شتم، ودون تفسيق وتبديع وتكفير لأن الاختلاف هو سنة الله الدائمة، "وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ". ختاما، نذكر الوعاظ والأئمة والإطارات الدينية وأساتذة الزيتونة، أنهم أجراء لدى الدولة التونسية وأنهم بصفتهم هذه لا خيار لهم إلا تنفيذ سياسة الدولة حتى وإن كانوا غير مقتنعين بها أو منكرين لها أصلا، ذلك هو واجب الموظف العمومي. فمثلا لا مفر لقابض المالية من تسلم الأداءات على الخمور والقمار والمؤسسات الربوية ودور البغاء، وليس له أن يمتنع عن ذلك تأففا وتعففا كما أنه لا حق له في تغيير نسب الأداءات على هذه المصادر إذا كانت أقل من النسب المسلطة على معاهد التعليم مثلا، ونهمس في أذن السادة الوعاظ والأئمة والخطباء وأساتذة الزيتونة أن جل مرتباتهم متأتية من المصادر سالفة الذكر. ونجهر لهم ثانية أن من يعلو عليهم بما لا يعلم عده إلا الله تعالى من السنوات الضوئية في التقى والورع، يوسف عليه السلام، قد خدم دولة ورئيسها اللذين يفوقان تونس ورئيسها في الكفر، بما لا يعلم عدده إلا الله تعالى من السنوات الضوئية، هذا على فرض أن تونس ورئيسها كافران. ونزيدهم أن يوسف عليه السلام هو الذي طلب من ملك مصر الاشتغال عنده، " قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ "، يوسف 55. لذلك فإنكم أيها السادة الأجلاء بمن في ذلك السيد كاهية مدير التفقد للوزارة ونقابة الوعاظ مطالبون –شئتم أم أبيتم- بتنفيذ سياسة الدولة في هاتين المسألتين إذا أقرت ولا مهرب لكم من ذلك مع بقاء الباب مفتوحا لكم في الانضمام إلى القافلة بعد انطلاقها أو الموت بغيظكم، أما أن تأكلوا الغلة وتسبوا الملة" ف" ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ " "وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى"، "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ". رئيس الجمعية