تزايدت في المدة الأخيرة جرائم القتل المقترفة من طرف النساء والفتيات على غرار جريمة القتل التي جدت أول أمس في مدينة الكاف حيث أقدمت زوجة بعد نشوب خلاف بينها وبين زوجها على التسلح بسكين وطعنته طعنتين الأولى أسفل البطن والثانية والتي أنهت حياته كانت برقبته، ليست هذه الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها امرأة فقد أقدمت يوم 22 جويلية بمنطقة "القواسم" من معتمدية شربان بولاية المهدية فتاة على قتل والدها اثر نشوب خلافات حادة بينهما. كما اهتزت يوم 23 أفريل الفارط منطقة الجبل الأحمر على وقع جريمة قتل فضيعة راحت ضحيتها فتاة تبلغ من العمر 15 سنة على يد والدتها، وتعود أسباب الجريمة الى تغيب الفتاة عن الدراسة فأرسل المعهد الذي تدرس به إشعارا الى مقر إقامتها ولما علمت الأم استشاطت غضبا وشرعت في تعنيف ابنتها ثم تسلحت بسكين وطعنتها بطعنة في قلبها، ورغم نقلها الى أحد المستشفيات لتلقي الإسعافات الا أنها فارقت الحياة. كل هذه الجرائم وغيرها من الجرائم الأخرى المقترفة من قبل النساء تدفعنا الى التساؤل عن الأسباب التي تدفع الجنس اللطيف الى تلطيخ يديه بالدماء، فهل أن هنالك أسباب نفسية واجتماعية وراء ذلك؟ أم حالات مرضية وتراكمات تدفع بالمرأة الى التورط في جرائم القتل أم هنالك أسباب أخرى؟ المختص في علم النفس محمد السّندي أوضح في هذا الصدد أن المرأة انخرطت في كافّة الميادين مثلها مثل الرجل ومن منظور علم النفس الإجتماعي فالمرأة عندما تخرج عن طابعها وتشارك في المجتمع تتقلّص بالتالي الفروقات بينها وبين الرجل وسيصاحب ذلك أن الجرائم التي يرتكبها الرجل تكون نفسها التي ترتكبها المرأة ولكن باقل حد. وأكد أن انخراط المرأة في كافة الميادين وتواجدها في جميع القطاعات شيء ايجابي ومفرح ولكن عندما يكون ذلك غير مصحوب بتوعية وبتثقيف نفسي اجتماعي وبتربية أسرية واجتماعية سليمة يجعلها تتفاجئ بمشاكل وعراقيل وصدامات واختلافات تواجهها مثلما يواجهها الرجل، فعندما تعترضها مشكلة وهي غير متأقلمة مع ذلك سترد بعنف وتجد نفسها بالتالي في وضع اجرامي. وتكون في اغلب الأحيان ردود افعال غير مدروسة وغير مبنية على منطق وتفكير، هذا فضلا على تأثير المحيط الإجتماعي والتنشئة الإجتماعية والنفسيّة فهاتين المسألتين لديهما قيمة وتأثير على سلوك المرأة في المستقبل. وأوضح محمد السندي أنه بالإضافة الى التنشئة الإجتماعية والنفسية هنالك أمراض على غرار انفصام الشخصية، وعادة ما يلتجئ البعض الى المداواة من تلك الأمراض الى الطب الرعواني والمشعوذين في الوقت الذي يجب فيه اللجوء الى طبيب نفسي، وهناك ما يسمى أيضا بالأمراض الذهانية التي تصيب الجهاز العصبي ، مشددا على ضرورة وضع المريض تحت المراقبة الطبية والحرص بضرورة تناول دواءه. وقال أيضا أن هنالك أمراض أخرى تدفع الى ارتكاب جريمة قتل على غرار مرض الإكتئاب، فالمعاناة الطويلة لبعض النساء وتكبدهن الشّقاء، تصبح الحياة الزوجية بالنسبة لهن كابوس ومعاناة تدفعهن الى ارتكاب جريمة قتل، مضيفا أن المرأة في مجتمعنا هي المسؤولة على تربية اطفالنا، عكس الرجل لذلك فعندما تتراكم مشاكل المرأة ومعاناتها تتحمل وتصبر ولكن يأتيها يوم ويفيض الكأس "فتنفجر" وتتتعامل مع المشكلة التي تواجها بعنف كبير. وعن الأسباب الأخرى أوضح محدّثنا أن هنالك أسباب اجتماعية فعندما تحصل مثلا مشاكل عائلية ، دائما ما ينظرون الى المرأة أنها هي السبب في المقابل يجدون مبررا للرجل. وكشف محدثنا أيضا أن هناك جروح لا تندمل تعرض لها أطفال في طفولتهم على غرار العنف المادي والهرسلة الجنسية والتجريح المميت المتمثل في الإستنقاص من قيمة الطفل ونعته بأبشع النعوت، فهذه التربية القاسية تجعل من الطفل الذي هو رجل المستقبل "بوردر لاين" بمعنى يبدو عليه الإتزان والرصانة والهدوء وتراه انسان عادي جدا ولكن عندما يقع في ضغوطات مالية أو اجتماعية يفقد أعصابه ويرتكب جريمة، مشيرا أن هذا النوع من الأشخاص موجودين بكثرة في مجتمعنا التونسي. وأشار محمد السندي أن النساء اللاتي ترتكبن جرائم قتل تشعرن دائما بالندم ويبررن ما أقدمن عليه بكونهن عانين كثيرا من الضغوطات في حياتهن ولم تجدن من يقف معهن. ورأى أن الحلول الإستراتيجية يجب أن تكون أولا بتوعية الأساتذة والمربين والتربية الوالدية للأب والأم ومرونة في برامجنا المدرسية بالتخفيض من الضغط في الإمتحانات على التلاميذ كي تكون المدرسة حاضنة وليست منفرة وبتوفير أيضا وسائل ترفيهية في المدرسة على غرار نوادي الموسيقى. فالمربّي يجب أن يكون قدوة ، فضلا على أن الأب والأم يجب أن يقومان بوظيفتهما الصحيحة بعيدا عن العنف بالاستماع الى أطفالهم ويشاركانهم أفكارهم ويتفهمان أنهم خلقوا في زمان غير زمنهما فضلا عن ضرورة تلبية حاجيات أطفالهم وليس رغباتهم. وشدّد محدّثنا على ضرورة الإكثار من البرامج التوعويّة في الإعلام وخلايا الإرشاد ودور الشباب والثقافة. وأضاف قائلا "يجب أن نقوم ب" فرمطاج" لعقولنا وللمؤسسات وللمديرين العامين بوزارة التربية ورؤساء المصالح بوزارة التربية والأسرة والطفولة ليتغيروا ويغيّرون من وسائل عملهم وينزلون الى الميدان". من جهته لاحظ المختص في علم الإجتماع عبد الستار السحباني أن المرأة تقوم بعدة جرائم على غرار جرائم المخدرات، التحيل، السرقات، الجرائم الإرهابية وجرائم القتل، مضيفا أنه لا يمكن أن نتحدث عن خصوصية جندرية (نوع أو انواع جريمة مرتبطين سوى بالمرأة) فلا يوجد شيء يميّز المرأة في الجرائم التي تقوم بها فالمرأة يمكنها أن تقوم بكافة انواع الجرائم فلا توجد خصوصية تشير ان المرأة يمكن أن تكون سوى ضحية في حين أنه يمكنها أن تكون الجانية أيضا. ولاحظ أن تزايد الجريمة المرتكبة من طرف النساء أو الفتيات ربما يعود الى التركيز اليوم على هذه المسألة، ويمكن أيضا أن يكون الإرتفاع كمّي وليس نوعي مشيرا أنه في وقت من الأوقات كانت الجريمة التي تقوم بها المرأة من "التابوهات" ولكن اليوم نحن في مرحلة مهمة وهي تعرية هذا النوع من الجرائم. وأفاد عبد الستار السحباني أن جرائم القتل هي شكل من أشكال العنف مشيرا أن العنف تطوّر في المجتمع التّونسي فبعد أن كان غير مرئي أصبح اليوم واضحا ، معتبرا أن الإشكال أنه لا يوجد لدينا احصائيات دقيقة حول العنف وأشكاله في كل جهة وفي كل الشرائح العمرية والإجتماعية، ولم يتم الى الآن القيام بدراسات ترتكز على أشكاله. واعتبر أن العنف هو نتيجة غياب التواصل والإتّصال بين الأفراد وقد تطوّر لدى التونسيّين وأصبحوا يشعرون بوجود نوع من الإرهاب من المستقبل والخوف منه، لأن كل المؤشرات غير مطمئنة، فالخطاب الإعلامي والسياسي والإقتصادي غير مطمئنين، فكل الخطابات الموجهة هي خطابات قاسية. فالمواطن أصبح يعيش في احباط كبير، وعوض أن نبحث عن الأسباب ونتعمّق في مشاكلنا نحن "قاعدين نزينوا في الواجهات قاعدين في مجتمع الواجهة" فالعنف بصدد التطوّر، معتبرا أن التعامل الأمني مع العنف غير كاف كما أنه لن يؤدي الى حلول لأننا لا يمكن مقاومته سوى بالثقافة والحس المدني... وقال محدثنا أيضا أن العائلة التونسية تمر بأزمة فضلا عن انعدام مؤسسات المرافقة التي تساعد وتدعم غير موجودة مشددا على ضرورة تواجد تلك المؤسسات بالإضافة الى انعدام الآليات والوسائل التي تمكننا من حسم المشاكل بطريقة غير عنيفة. وشدّد عبد الستّار السّحباني على وسائل الإعلام بأن تدرس ظاهرة العنف لا الحديث عنها فقط، معتبرا أننا في مرحلة مهمّة جدّا لمناقشة المواضيع "التابوهات". والدخول في استراتيجية تربوية لمعالجة ظاهرة العنف، التي انتشرت في الفضاءات الترفيهية على غرار الملاعب الرياضية وأيضا التعليمية على المدارس التين اصبحتا تنتجان كل اشكال العنف المادي واللفظي والمعنوي والرمزي. وختم عبد الستار السحباني مشددا على ضرورة أن تتكاتف كل الجهود من اعلام ومعهد الدراسات الإستتراتيجية ومركز البحوث والدراسات الإقتصادية والإجتماعية للقيام بدراسات ميدانية حول ظاهرة العنف.