بقلم: خليل بن عبد الله باحث جامعي في اعادة بناء لدول خصصت هيئة الحقيقة والكرامة جلسة علنية يوم 24/11/2017 لما أصبح يعرف بقضية الرش في سليانة واستخلصت بنتيجة أعمالها أن المسؤولية تقع على الأمنيين وتجنبت المسؤولية السياسية مستندة في ذلك على ما وصفته بدراسات باليستية قامت بها وحدة تقص أرسلتها الهيئة إلى المنطقة. وإذ لا فائدة عملية في الرجوع إلى تفاصيل تقرير الهيئة حول ظروف وكيفية استعمال مختلف الأسلحة المتوفرة لدى الأمنيين في حينها ومدى احترامهم للقانون عدد 4 لسنة 1969 المتعلق بالإجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات والإستعراضات والتجمهر وما وصفته بالإستعمال العشوائي للرش، فإن استخلاصات هيئة الحقيقة والكرامة قد اقتصرت على نقائص في الأداء الأمني وهو ما يفرض إبداء الملاحظات التالية: - بعثت الهيئة لكشف حقائق تاريخية الغاية منها رد الإعتبار لضحايا الظلم والتعسف والغاية القصوى منها تحقيق المصالحة بين الأطراف المعنية بما يعود بالإيجاب على السلم الوطني واستقرار المجتمع التونسي وتماسكه. - ليس من وظيفة الهيئة الإغراق في البحث في الجوانب الفنية للأعمال الأمنية التي قام بها الأمنيون في سليانة واتهامهم باستعمال سلاح محرم دوليا كانت تونس قد صادقت على الإتفاقية الدولية الخاصة بتحريم استعماله ضد البشر دون تحفظ. - تقع مسؤولية استعمال سلاح محرم تونسيا ودوليا ضد البشر على عاتق الحكومات التي اقتنته وجهزت به القوى الأمنية لاستعماله، إذ لا يمكن تخيل حمل قوات الأمن لسلاح الرش في سليانة لغير استعماله. - وتقع مسؤولية استعمال أي سلاح من طرف الأمنيين على من أعطى الأوامر بذلك نظرا لسلطاته التقديرية التي خولها له القانون. كما تكون الرقابة على مدى التعسف في استعمال السلاح ومخالفة القانون من مشمولات الهياكل الرقابية بوزارة الداخلية أو بغيرها من هياكل الدولة. - من شأن اقتصار إلقاء المسؤولية في أحداث الرش بسليانة على الأمنيين دون سواهم الإضرار بتماسك الأجهزة الأمنية عند القيام بوظائفها خشية المسا ء لة وحتى عزوفها عن تطبيق الأوامر وتحول هذه الوظيفة إلى تقدير ذاتي من قبل الأمنيين أنفسهم. - كان على الهيئة البحث عن المسؤولية السياسية في أحداث الرش بسليانة والنأي بالأمنيين عن ذلك وتركهم لسلطات الرقابة الإدارية حفاظا على تماسك أجهزة الدولة وأعوانها. إذ قد تفتح هذه السابقة الباب على مصراعيه أمام أعوان الدولة بمختلف وظائفهم لتقدير موضوعية الأوامر المسداة إليهم تقديرا ذاتيا وهو ما يناقض جوهر الوظيفة العمومية القائمة على طاعة أوامر الرؤساء. - كما تفتح هذه المنهجية الباب واسعا للتفصي من مسؤوليات الظلم والتعسف قبل الثورة بحجة أن الأمنيين لم يطلب منهم القيام بالتعذيب مثلا. - أثبتت التجارب المقارنة في افريقيا الجنوبية والبرتغال وإسبانيا نجاحها باعتماد منهجية المسؤولية السياسية عن الظلم والتعسف المسلط سواء على الأفراد أو على الجماعات.