اعتبر أحمد نجيب الشابي رئيس حزب الحركة الديمقراطية في حوار خص به الصباح أنه يسعى عن طريق سياسة مد اليد الى تشكيل كتلة موازنة ومنافسة لحركة النهضة على اعتبار أن الديمقراطية تقوم على التنافس مشيرا في السياق ذاته الى أن التوافق الحاصل بين النهضة والنداء يعتبر مقايضة بين مؤسستين سياسيّتين على أساس تبادل المصالح والالتفاف على نتائج الصندوق. الشابي عبّر ومن خلال هذا اللقاء عن قلقه من الدور الذي يلعبه الاتحاد العام التونسي للشغل على الساحة السياسية موضحا في هذا الإطار انه إذا ما تعلقت همة النقابيين بأن يلعبوا دورا سياسيا فإما أن يختاروا مؤسسة من المؤسسات السياسية الموجودة أو ينشئوا مؤسسة سياسية جديدة تحتكم كغيرها الى صناديق الاقتراع وتأخذ الحجم الذي يمنحه إياها صندوق الاقتراع، وفيما يلي نص الحوار: لماذا اخترت تأسيس حزب جديد الم يكن بالإمكان التعبير عن أفكارك وقناعاتك داخل الحزب الجمهوري؟ -هو خيار ناتج عن قراءة للواقع التونسي الذي يشير الى أن جل التونسيين غير مقتنعين بالعروض الموجودة الآن، ثم بعد تجربة ارتأيت ان الحزب الجمهوري يمكن أن يكون جزءا من الحل لكن ليس هو الحل. ولهذا السبب رأيت من المناسب اتخاذ مبادرة تتسع لطيف كبير من النخبة السياسية يمكن أن يكون الحزب الجمهوري جزءا منها لكنها لا تقتصر عليه. لماذا لا تقتصر على الجمهوري: هل من مؤاخذات على هذا الحزب؟ -تركت الحزب الجمهوري منذ ثلاث سنوات وطويت هذه الصفحة ولا أريد أن أعود إليها من جديد. يتساءل كثيرون اليوم عن أي إضافة من شانه أن يقدمها حزبكم على الساحة السياسة لا سيّما ان هناك لوما على الأحزاب والشخصيات التي لها تاريخ نضالي وإصرارها على التشتّت بدل التوحد؟ -من الاستخلاصات التي استنتجتها خلال تجربتي في الحزب الجمهوري أنّ الحياة السياسية لا يمكن أن تعتمد فقط على التاريخ النضالي.الحياة السياسية تتطلب حلولا جديدة تتماشى مع تطورات المجتمع. الحزب الديمقراطي التقدمي والحزب الجمهوري قاوموا الاستبداد وأبلوا البلاء الحسن. ولذلك لما وقعت الثورة اتجهت صوبه تقريبا كل الإطارات، لكن الحزب الجمهوري لم يستطع استيعاب كل هذه الطاقات الجديدة وبناء مؤسسة دائمة للديمقراطية. تعيش البلاد الآن فراغا سياسيا من ناحية وانخرام في موازين القوى بين الكتلة المحافظة التي تمثّلها حركة النهضة وهي الكتلة المنظمة والمتماسكة مقابل شتات كبير، وهذا الشتات لم يستطع الى حد الآن أن يتوحّد، وتوحيده يمثل أحد الأهداف التي يسعى إليها الإنسان لإعادة التوازن في الحياة السياسية لكن هذا وحده لا يكفي وإنّما يجب توحيد القاعدة العريضة لهذه العائلة التي أثبتت انتخابات سنة 2014 بأنها تمثل أغلبية الشعب التونسي. هذه القاعدة لا قيادة سياسية لها الآن ومبادرتنا تتجه لهذه القاعدة العريضة. كما تنتظر هذه القاعدة أيضا مبادرة سياسية تكون أهل ثقة ونظيفة اليد الى جانب مقدرة سياسية ومعرفة بمشاكل البلاد واولوياتها. الحركة الديمقراطية حين تأسّست جلبت معها مشروعا يمثل خارطة طريق. قبل أن تقرر تأسيس حزب جديد ألم تراودك فكرة الالتحاق بأي حزب موجود على الساحة السياسة يتقارب مع أفكارك ومبادئك لاسيما أن علاقات جيدة تربطك مع جميع الفاعلين السياسيين؟ -علاقاتي جيدة وابحث على التعاون معهم في إطار ائتلاف أو تحالف سياسي وسطي ديمقراطي واجتماعي لكن لو أدركت أن الحل موجود في أحد الأحزاب لاتجهت اليه. وهو ما جعلني أفكر في حل لا يكون بديلا عن تلك الأحزاب وإنما حل ينضاف الى تلك الأحزاب ويمد يده إليها لكنه حل يتجه الى المواطن برؤية ونظرة وممارسة جديدة. هل صحيح انه عرض عليكم الالتحاق بحزب نداء تونس من خلال لقاء جمعك مع رئيس الجمهورية؟ -لا لم يعرض علي الالتحاق بالنداء، واعتقد أن النداء في حالة متقدمة من التفكك، ولا يحمل الحل لمشاكل تونس. لطالما يتّهم أحمد نجيب الشابي بأنه يبحث عن الزعامة حتى أن البعض اعتبر أن الهدف من وراء تأسيسك للحزب الجديد هو البحث عن الزعامة ما رأيك؟ -هذا الحديث ينم ّعن ضعف الثقافة السياسية بما أن الزعامة بالمعنى النبيل للكلمة هي القيادة والمقدرة القياديّة فضلا عن أن الحياة السياسية تقوم على التنافس من اجل القيادة. وبالتالي فهذا السؤال مبناه عدم إدراك لقوانين الحياة السياسية، ففي كل الديمقراطيات المنافسة بين الزعامات هي القاعدة. كيف تنظر إلى ما يصفه البعض بالتغوّل الحاصل بين النهضة والنداء باسم التوافق؟ -ما يسمّى بالتوافق هي مقايضة بين مؤسستين سياسيّتين على أساس تبادل المصالح والالتفاف على نتائج الصندوق،لان الصندوق في الديمقراطيات يفرز أقليّة وأغلبية أو توازنا في القوى . في تونس لم يعط الصندوق توازنا وإنما منح أغلبية للاتجاه التحديثي: النداء وغيره من الأحزاب الموجودة في البرلمان، وكان المفروض أن تكون النهضة في المعارضة ولا خوف من أن تكون في المعارضة لان الخروج عن العمل السلمي والقانوني له ثمن والنهضة غير مستعدة لقبوله. المفاهمة لم تتم على أساس برنامج وأكبر دليل هو تصريح الشيخ مورو الذي قال أنها مفاهمة شفاهية بين شخصين حتى نحن لا ندرك مضمونها . ونحن التونسيون ندرك بأنها تبادل مصالح واقتسام للنفوذ مما افرز جمودا في الحياة السياسية وساعد على تفكك النداء لان الكثير من القواعد رفضت الانخراط في هذه المفاهمة التي فاجأتهم، كما ان غياب معارضة كان عنصرا من العناصر التي شجعت على التفكك داخل النداء، هي مفاهمة سلبية لم تتقدم بتونس الى الأمام قيد أنملة كما أحدثت جمودا ونفورا من الحياة السياسية لان السياسة أصبحت تقوم على تفاهم لتبادل المصالح على حساب الصالح العام. كيف تفسر ما يصفه البعض بتماهي وانسياق حركة النهضة في علاقتها بنداء تونس لاسيما أن البعض من قياداتها قد أعربت عن رفضها لهذا التماهي؟ -ليس لي أن أتطرق الى الشؤون الداخلية لحركة النهضة وأتعامل معها كتونسي. ومن هذا المنطلق أرى أنها لم تقدّم ولو بعض عناصر برنامج للنهوض بتونس في المجالين الاقتصادي أو الاجتماعي. كما انها من الناحية السياسية ساندت عدة إجراءات تعد انتكاسة بالنسبة لانتظارات الثورة في المجال السياسي، وبالتالي فان تقييمي لدورها هو تقييم سلبي. كيف تنظر إلى الترويكا الجديدة بعد عودة سليم الرياحي الى اللعبة السياسية؟ -هي عودة الى النظام السابق: أي الطلاق بين ما يسمى بالمجتمع الرسمي والمجتمع الشعبي. اليوم هذا التحالف سيجعل من البرلمان غرفة تسجيل للإرادة الأميرية أي ما يتفق عليه هذا الثلاثي خارج البرلمان سيقع تكريسه على غرار ما حصل مع هيئة الانتخابات حيث صرح الغنوشي قبل انتخاب رئيس الهيئة: غدا سيكون لكم رئيس لهيئة الانتخابات . هذا يشير الى ان البرلمان مهدد بالتحول الى غرفة تسجيل للإرادة الأميرية وفي نفس الوقت يمثل طعنا في مصداقية هيئة الانتخابات لان هذه الهيئة أحدثت بهدف ضمان الحياد. هل يمكن أن يكون رئيس الحكومة يوسف الشاهد ضحية لهذه الإرادة الأميرية؟ -هذه قضية أخرى بما أن الشاهد قد وقع اختياره من طرف رئيس الجمهورية ولم يعرف قبل ذلك بأنه صاحب مشروع أو مقدرة خاصّة تهيّئه بان يكون على رأس الحكومة. السيد الباجي قائد السبسي رفض أن يقع حوار على مواصفات رئيس حكومة الوحدة الوطنية وقرر اختيار الشاهد واعتبر أن ذلك من صلاحياته، ويبدو انه الآن قد حدثت أزمة ثقة بين رأسي السلطة التنفيذية واصبح الشاهد يتهم بان همه الوحيد هو التهيؤ لانتخابات 2019 ومن ثمة نشب نزاع حول السلطة بين الرجلين. أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى اندلاع الشرارة الأولى لثورة 2011: هذه الثورة إلى اليوم ينتظر التونسي أكلها برأيك من يتحمل مسؤولية تردي الأوضاع من سنة الى أخرى على أكثر من صعيد؟ وهل نعيش أزمة حكم أم أزمة ثقة؟ -من يتحمل مسؤولية أوضاع البلاد هم المساكون بزمام الحكم. الحكومات العشر المتعاقبة ورؤساء الحكومات السبع الذين توالوا على رئاسة الحكومة لم يستطيعوا أن ينجزوا ولو انجازا يتيما في ميدان التنمية أو في مجال تشغيل الشباب. أزمة المجتمع التونسي هي أزمة قيادات والإخفاق هو مسؤولية القيادة والحل هو في إحداث تغيير. وتقديم بديل عن منظومة الحكم الحالية عبر صناديق الاقتراع. دعوت في السابق إلى تجمّع سياسي كبير قصد منافسة حركة النهضة هل أن هناك مساعي في هذا الاتجاه؟ - الديمقراطية تقوم على المنافسة، لا بد من كتلة سياسية موازنة تتنافس مع حركة النهضة ويقرأ لها حساب. سنّة الديمقراطية أن تقوم على التنافس والتوازن وأي انخرام في التوزان هو انخرام للديمقراطية. وبالتالي نعم أسعى عن طريق سياسة مدّ اليد الى تشكيل كتلة موازنة ومنافسة لحركة النهضة. كيف تنظر إلى الدور الذي يلعبه الاتحاد العام التونسي للشغل سياسيا اليوم؟ -بشيء من القلق. لماذا؟ -لان الاتحاد العام التونسي للشغل مؤسسة من أعرق المؤسسات في البلاد ولها دوران: دور اجتماعي وآخر وطني. الدور الاجتماعي لا يستحق الحديث عنه لان الاتحاد لعب دورا هاما في الدفاع عن المقدرة الشرائية للأجراء وفي خلق شروط العدل الاجتماعي. كما ان الاتحاد لعب دورا وطنيا في الدفاع عن الوطن في وجه الاستعمار، ثم لعب دورا غداة الاستقلال يتمثل في بناء المجتمع الحديث، كما لعب دورا اساسيا في الدفاع عن الحريات العامة والفردية منذ نهاية السبعينات. وهي كلها أدوار تذكر فتشكر لكن أن يتحول الاتحاد الى قوة ضغط سياسي يعزل وزراء ويعين وزراء ويملي مشيئته على السلطة التنفيذية فهذا غير محبّذ ولا يساعد على الديمقراطية، يمكن أن يعترض على السياسات لكن لا يمكن أن يتدخل في تعيين الوزراء، وهناك وزراء غادروا مواقعهم لأنه كان عليهم فيتو من الاتحاد وهذا دلالة على ضعف الحكومة، وفي نفس الوقت هناك وزراء حافظوا على مناصبهم بتدخل من الاتحاد، هذا الدور أرى انه غير محمود وليس دور الاتحاد. أقدر عاليا دور الاتحاد وقياداته في مختلف مراحل الحياة الوطنية. وأتمنى أن يبقى على السكة التي سار عليها منذ البدء اي كحركة اجتماعية وحركة وطنية وان يترك السياسة للسياسيين. وانه إذا ما تعلقت همة النقابيين بأن يلعبوا دورا سياسيا فإما أن يختاروا مؤسسة من المؤسسات السياسية الموجودة أو ينشئوا مؤسسة سياسية جديدة تحتكم كغيرها الى صناديق الاقتراع وتأخذ الحجم الذي يمنحه إياها صندوق الاقتراع. أجرت الحوار: منال حرزي الصباح بتاريخ 13 ديسمبر 2017