يتّفق أغلب الملاحظين من مسؤولين جهويين ومجتمع مدني بولاية سيدي بوزيد على فشل مختلف الأطراف المعنية في التوصل إلى حلّ المعادلة الخاصة بوفرة الثروات الطبيعية والبشرية وتحقيق تنمية جهوية بالرغم من مرور 7 سنوات على اندلاع الشرارة الأولى لثورة 17 ديسمبر 2010. وأجمعوا في تصريحاتهم على أن تواصل الاعتماد على منوال تنموي يشبه في مجمله المخططات التي كانت تعتمد قبل الثورة يعد سببا أساسيا في تواصل انحدار مؤشّرالتنمية الجهوية ليس فقط في ولاية سيدي بوزيد بل أيضا في عدد آخر من الولايات الداخلية وهو أيضا حسب اعتقادهم عامل مباشر في تفاقم ظاهرة البطالة خاصة لدى حاملي الشهادات العليا. واعتبر حسن هاني (ناشط بالمجتمع المدني من معتمدية السوق الجديد) أن الحكومات المتعاقبة لم تحقق الحد الأدنى المطلوب بسبب غياب الإرادة السياسية الفعليةخاصة في معالجة المشاريع الكبرى المبرمجة بالولاية على غرار سوق الإنتاج ومنجم فسفاط المكناسي والمستشفى الجامعي وكلية الطب. وبيّن أن المنوال التنموي مازال لم يتغير مقارنة بما قبل الثورة ولم يراع فيه التمييز الإيجابي بين الجهات الذي أقرّه الدستور التونسي ولذلك فان الخطاب السياسي الحالي لم يعد ينطلي على المواطن البسيط وساهم في تنفيره من المشاركة في الحياة السياسية والتعبير عن اختياراته وآرائه بحسب تقييمه، مؤكّدا أنّ الحلّ الأساسي للارتقاء في ولاية سيدي بوزيد وإرجاع الثقة الى المواطن يكمن في سرعة إنجاز المشاريع الكبرى للحد من ظاهرة البطالة خاصة لدى حاملي الشهادات العليا. ومن جانبه تحدث أيمن حجلاوي ناشط في المجتمع المدني عن دور المجتمع المدني إثر الفترة التي تلت الثورة وقسّم السبع سنوات الى مرحلتين اتسمت الاولى بكثرةالنشاط فيما وصف الفترة الاخيرة بالركود والتراجع في مجال النشاط الجمعياتي. وبيّن الحجلاوي أنه إلى حدود 2014 شهدت ولاية سيدي بوزيد كما هائلا من الجمعيات الناشطة واقبالا كبيرا على النشاط الجمعياتي وطموحا كبيرا لتغيير الوضع العاموتحقيق غنجازات كبرى وتمويلات هامة وتركيزا كبيرا من المنظمات الدولية الممولة والمانحة للجهة، ولكن إثر 2014 سجل تراجع في نشاط المجتمع المدني بسببنقص الاستجابة والتشجيع واعتبار المجتمع المدني عنصر شرفي وثانوي لا يسمح له بالمشاركة في اخذ القرار وهو ما اثرا سلبا على نشاط الجمعيات والمجتمع المدني بصفة عامة. وفي قراءة للوضع التنموي في ولاية سيدي بوزيد أشار عبد العزيز الرزقي المدير الجهوي للتنمية ان سيدي بوزيد لا تزال تحتلّ المرتبة العشرين في مؤشر التنمية الجهوية ب0 فاصل 271 بالرغم من توفّرها على العديد من نقاط القوة كالموقع الجغرافي والمناخ الملائم لإنتاج المواد الفلاحية البدرية والأخر فصلية والبيولوجية بالإضافة إلى الثروات الطبيعية والمنجمية كالفسفاط والجبس وكربونات الكالسيوم والحجارة الرخامية. وفسّر ضعف مؤشر التنمية بغياب المناطق الصناعية المهيئة والقادرة على جلب المستثمرين وغياب المؤسسات ذات الطاقة التشغيلية العالية وضعف البنية الأساسيةوالتجهيزات الجماعية وضعف مساهمة القطاع الخاص في النهوض بالتنمية بالجهة وعدم قدرة النسيج الاقتصادي على استيعاب طلبات الشغل الإضافية وخاصة من حاملي الشهادات العليا. وأكّد الرزقي أن عدد المشاريع المدرجة ضمن المخطط الخماسي للتنمية بولاية سيدي بوزيد خلال الفترة الممتدة بين 2016 و2020 قد بلغ حوالي 372 مشروعا بكلفةتتجاوز 1350 مليون دينار تم انجاز 54 منها في حين لا يزال 132 مشروعا اخر بصدد الإنجاز والبقية لم مازالت في طور الدراسة او لم تنطلق بعد. وأضاف أن قطاع الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري يتضمن 134 مشروعا بكلفة تتجاوز 202 مليون دينار في حين يبلغ عدد المشاريع المدرجة في قطاع التجهيزوالإسكان والتهيئة الترابية 84 مشروعا بكلفة 480 مليون دينار والمشاريع الخاصة بالطرقات والجسور والمسالك 60 مشروعا بكلفة 377 مليون دينار والصحة 11مشروعا بكلفة 49 فاصل 3 مليون دينار والتربية 20 مشروعا بكلفة 114 مليون دينار. وحول أهم المشاريع الكبرى الخاصة بولاية سيدي بوزيد والمدرجة ضمن المخطط ذكر عبد العزيز الرزقي انجاز مشروع مندمج لتنمية المناطق الجبلية ومشروع الطريق السيارة تونسالقيروانسيدي بوزيدالقصرينقفصة واستغلال منجم فسفاط المكناسي وتزويد الولاية بالغاز الطبيعي واقتناء معمل البلاستيك بالمزونة وإعادة استغلاله وتهيئة عدد من المناطق الصناعية وإحداث سوق إنتاج كبرى وتطوير المستشفى الجهوي الى مستشفى جامعي. وفيما يتعلق بإنجازات ومشاغل قطاع الصحة بسيدي بوزيد فقد افاد المدير الجهوي للصحة بسيدي بوزيد محمد الزاهر الاحمدي ان طموحات الاهالي وامالهم قد كبرت إثرالثورة خاصة ما يتعلق بتحسين خدمات قطاع الصحة الذي شهد انجاز عدد من المشاريع من شانها ان تغير واقع القطاع الصحي الا ان المشاكل لا تزال كبيرة وتتطلّب المزيد من المجهودات والوقت لتتحقق على أرض الواقع. وذكر أن العنصر الأوّل في قطاع الصحة يتمثل في تطوير المستشفى الجهوي الى مستشفى جامعي سيمكن الجهة من مستشفى مرجعي لتكون قطبا اقليميا بالولايات المجاورة وهو مشروع في طور الدراسات الاولية وتم تبنيه من طرف وزارة الصحة وتعهدت بالتمويل الوكالة الفرنسية للتنمية (بكلفة حوالي 200 مليون دينار) وهو مشروع يتطلب سنوات للإنجاز. وبيّن أن العنصر الثاني في القطاع الصحي هو تطوير الخط الثاني للصحة حيث تم تبنّي 3 مستشفيات جهوية في المخطط الخماسي للتنمية بكل من المكناسي والرقاب وجلمة كما تشهد البنية التحتية بمعتمديتي الرقاب والمكناسي تقدما في الانجاز حيث دخلت بعض الاقسام حيز الاستغلال على غرار قسم تصفية الدم وقسم الاستعجالي وقد اشرفت بناءات كل من قاعة العمليات وقسم التوليد على الانتهاء ومن المنتظر توفير التجهيزات والموارد البشرية خلال سنة 2018 بمعتمدية الرقاب (بتكلفة 6 ملايين دينار) وفي معتمدية المكناسي (تكلفة 6 ملايين دينار) في حين لا يزال مستشفى جلمة في مراحله الاولى وقد تم تبني هذا المشروع وطنيا عن طريق قرض من البنك الكويتي للتنمية وامضاء الاتفاقية الخاصة بالتمويل يوم 16 نوفمبر 2017 وتصل طاقة استيعاب مستشفى جلمة الى حدود 105 سرير بكلفة تناهز 45 مليوندينار. وأضاف أن العنصر الثالث هو تطوير المستشفيات المحلية ومراكز الصحة الاساسية وقد تم تسجيل تقدم كبير في هذا المجال اذ تمت أضيفت العديد من الاقسام والوحدات بالمستشفيات المحلية بمعتمديات اولاد حفوز وبئر الحفي والمزونة وبئر الحفي ومنزل بوزيان والمكناسي والرقاب وتحسنت الخدمات الصحية بها وسيتواصل تحسينها من خلال مستشفى جديد في معتمدية سيدي علي بن عون (تكلفة 3 ملايين دينار) من المنتظر دخوله حيز الاستغلال قريبا. كما افاد انه لا بد من تجديد التجهيزات الطبية والمكتبية وتزويد الجهة بوسائل النقل لأن الولاية أكثر من 73 بالمائة من سكانها بالريف لا يمكن تغطيتها بوسائل نقل أغلبها يتطلب صيانة. وتطرّق الاحمدي أيضا إلى إشكالية نقطة تمويل القطاع الصحي اذ افاد ان المستشفيات حاليا تسير نحو الافلاس ولا بد من وجود حلول للتمويل العمومي ومن تركيز مركز جهوي لنقل الدم وفرع للصيدلية المركزية. وفيما يتعلق بتعقد الوضعية العقارية بولاية سيدي بوزيد فقد أشار الشادلي غربي المدير الجهوي لأملاك الدولة بالجهة الى وجود العديد من المجهودات لحلحلة هذا الإشكالمن ذلك شروع وزارة أملاك الدولة في اعداد امر يتعلق بتسوية وضعية التجمعات السكنية بكامل تراب الجمهورية منها 49 تجمعا بولاية سيدي بوزيد وسيتمّ إثر ذلك إمضاء اتفاقية مع ديوان قيس الأراضي لحصر هذه التجمعات وإعداد أمثلة تهيئة وقائمات في شانها يتم على أساسها التسوية لفائدة المتصرفين فيها. وأضاف الغربي أن السلطات المعنية قد بدأت أيضا في تسوية وضعيات 3 أحياء سكنية بمدينة سيدي بوزيد منذ سنة 2003 وهي "حي أولاد شلبي" و"حي الفرايجية " و"حي الخضراء" غير أن الإجراءات توقفت مباشرة إثر الثورة بعد حل المجلس البلدي لتستأنف بعد تعيين نيابة خصوصية لكن بقي الاشكال متعلقا بالعقارات الفلاحية التي خصت بالأمر 1870 لسنة 2015 الذي لم ينطبق سوى على 10 بالمائة من جملة 41 ألف هكتار بعد قيام المتصرفين في تلك الأراضي بالتفويت فيها عن طريق الإسناد. وتطرّق الشادلي غربي الى وجود العديد من الإشكاليات الخاصة بالتصرف في المقاطع الصناعية والبالغ عددها 15 مقطعا وأيضا تزايد الاعتداءات على العقارات الدولية وسوء استغلال المركبات الفلاحية خاصة بعد الثورة. وأكد محمد المحمدي المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية ان ولاية سيدي بوزيد أصبحت تحتكر المراتب الأولى في اغلب القطاعات من ذلك 18 بالمائة من الخضرواتو11 بالمائة من الالبان و12 بالمائة من اللحوم الحمراء و14 بالمائة من الزياتين و13 بالمائة من اللوز و7 بالمائة فلاحة بيولوجية لكن كل ذلك لا ينفي ضرورة وضع استراتيجية لحسن استغلال الموارد الطبيعية ومعالجة وضعية استنزاف الموارد المائية وتنظيم القطاع على مستوى مختلف حلقات الإنتاج وتخفيف الضغط على القطاع الفلاحي بإرساء منوال تنمية شامل وإعطاء قيمة مضافة لمنتوج الولاية من خلال دعم الاستثمار في الصناعات التحويلية وتحسين ظروف العيش بالريف كالتزوّد بالماء الصالح للشرب وتحسين البنية التحتية. وأفاد الكاتب العام المساعد بالاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد عبد الكريم بكاري ان الاتحاد الجهوي للشغل كان له دور ريادي وخاصة الاتحادات المحلية في التأطير الفعلي لمسار الثورة التونسية بكل الجهات وكان يتابع يوميا الملفات الحارقة الاقتصادية والاجتماعية والقطاعية مع السلط المحلية والجهوية والمركزية وخاصة المشاريع الكبرى قصد الإسراع في تنفيذ المشاريع المعطلة على غرار منجم الفسفاط بالمكناسي ومعمل الاسمنت في المزونة ومعمل الاجر في منزل بوزيان وسوق الانتاج الكبرى بأم العظام واحداث اكثر من 100 هكتار من المناطق الصناعية وتفعيل القطب الصناعي التكنولوجي والاسراع في تنفيذ مشروع المستشفى الجامعي وبيّن أن تعطل هذه المشاريع يعود لعدم وجود حماسة من المسؤولين المتعاقبين على كل الحكومات إثر الثورة. أما عن أهمّ ما تحقّق من مطالب الثورة فقد استرجع عبد الكريم بكاري شعارات الثورة وأكّد أن اول شعار رفع هو "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" لكن التشغيل ملف مازال يراوح مكانه اذ ارتفعت نسبة البطالة من 15 بالمائة حسب الاحصائيات الوطنية لما قبل 2010 الى اكثر من 30 بالمائة في بعض معتمديات الجهة خاصة في معتمدية منزل بوزيان التي تتذيّل الترتيب الوطني في نسبة التشغيل ولم يشهد هذا الملف أي تطور ايجابي منذ 7 سنوات والتشغيل لا يزال استحقاقا معطّلا وكوفئت سيدي بوزيد ب"قنبلة موقوتة" هي الحضائر التي تعدّ اكثر من 8 الاف عامل، ولم يعالج هذا الملف بشكل جدّي ومسؤول، بحسب تقديره. اما "النمو الاقتصادي بالجهة فهو منعدم تماما"، وفق تعبير عبد الكريم بكاري إذ تشهد الجهة ركودا واضحا بل تراجعا مقارنة بما قبل 2010 على غرار الفلاحة التي تراجع إنتاجها من 27 بالمائة من الانتاج الوطني الى 23 بالمائة لأن عددا من الولايات الاخرى تطور انتاجها ولان الاهتمام بهذا القطاع نقص وطالما يوجد منوال اقتصادي تنموي مماثل للوضع الحالي سيتواصل الوضع الاقتصادي على هذا الحال وستتعمق اشكالية البطالة والمستوى المعيشي سيتقهقر الى الخلف لذلك لا بدّ من اعتماد الاقتصاد التضامني الاجتماعي الذي يعتبره اتحاد الشغل مقاربة اقتصادية قد تنقذ البلاد وجهة سيدي بوزيد من الفقر والبطالة التي تعيشها وتتقاسمها مع الجهات الداخلية وحول مختلف الإشكاليات المطروحة أكد انيس ضيف الله والي سيدي بوزيد أنّ الحل الوحيد يكمن في اتحاد مجهودات المجتمع المدني والمنظمات والجمعيات مع السلط المحلية والجهوية والمركزية لفض مختلف الصعوبات التي تعيق خاصة انجاز المشاريع الكبرى وإقناع المعترضين من المواطنين وذلك من اجل مصلحة الجميع خاصة وان أسباب تعطّلها تبدو قابلة للحل. وبيّن انه سيقدّم مبادرة للمجتمع المدني بالجهة هدفها الأساسي تسريع انجاز مختلف المشاريع الكبرى المعطلة خلال سنة 2018 او على الأقل 80 بالمائة منها وهو ما سيمكن في مرحلة موالية من جلب المستثمرين لبعث المشاريع ودفع عجلة التنمية (وات)