لم يكن من الخافي أن تكون سنة 2018 سنة غير عادية في ظل المتوقع والمستجدات ، فمنذ سنوات كان متوقعا أن تبلغ خدمة الدين ذروتها خلال العام الجاري وان يشارف موعد نهاية المهلات الممنوحة لتونس لبدء تطبيق الإصلاحات الضرورية على النهاية معلنا بداية وجع العلاج الذي بدونه يستحيل الشفاء... ومنذ سنوات كان موعد الانتخابات البلدية يتأجل مؤجلا معه موعد اختبار مفصلي يحدد الحجم الحقيقي لمن يمثلون الثقل الانتخابي ولمن يمثلون ظواهر صوتية إلى أن تقرر أن يكون شهر ماي القادم موعد الفصل ...موعد فصل يسبقه انطلاق المفاوضات حول الزيادة في الاجور بالقطاعين العام والخاص. وبين المتوقع والمستجدات،تعيش البلاد على وقع ضغط اجتماعي متواصل جراء استقرار معدل البطالة مع تنامي غير مسبوق للتضخم رغم تحسن الصادرات والضغط على الواردات مع الرفع في الأداءات في ظل نسبة نمو لا تلبي الطموحات . ورغم ان وضوح الصورة يؤكد أن لا وجود لعصا سحرية قد تقلب الموازين فان أصوات بعض من تبقى داخل وثيقة قرطاج كالاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف والحزب الوطني الحر العائد بعد انسحاب وبعض الأحزاب المغادرة بدأت أصواتها تتعالى مطالبة بتغيير الحكومة ، مطالبة مشروعة إذا ما نظرنا لنصف الكأس الفارغة.. لكن لماذا الآن ولمصلحة من ؟ فمن حيث التوقيت تأتي هذه المطالبة أياما قبل انعقاد مجلس إدارة صندوق النقد الدولي الذي سيقرر صرف القسط الثالث من القرض من عدمه وأياما كذلك قبل الخروج الى السوق العالمية لجمع قرض بقيمة مليار دينار كما تأتي أسابيع قبل موعد المفاوضات الاجتماعية وقبل إجراء الانتخابات البلدية. ولئن اعتبر رئيس منظمة الأعراف أن الأفضل التوجه لمدينة بن قردان حيث السوق الموازية للحصول على قرض فإن تبريرات المطالبين بتغيير الحكومة الآن وليس غدا لا تأخذ بعين الاعتبار كل تلك المواعيد الهامة والمؤثرة على مستقبل البلاد ..من جهته يرى حزب حركة النهضة أن التحوير غير ضروري قبل الانتخابات ويشاطره الرأي باحتشام حزب حركة نداء تونس. نظريا تقتضي مصلحة الحزبين أن يتم تحوير وزراي بعد الانتخابات البلدية التي تقول المؤشرات انه سيكون لهما فيها نصيب الأسد بما يجعلهما يتقاسمان الحكم على امتداد السنوات القادمة جهويا ومركزيا، وهو ما سيمنحهما الإعداد للانتخابات التشريعية في ظروف ملائمة ... في المقابل فإن مصلحة اتحاد الشغل خوض مفاوضات اجتماعية مع فريق حكومي جديد يكون ليّنا في التفاوض ليقينه انه لن يحصل الكثير مع حكومة الشاهد التي يعتبرها خاضعة لإملاءات صندوق النقد الدولي سيما وان قرار التفويت في بعض المؤسسات العمومية بات يطبخ على نار هادئة في ظل تأزم أوضاع المالية العمومية ورفض صندوق النقد الدولي تخصيص المزيد من الدعم لمؤسسات مفلسة ... مؤسسات تعتبر العصب الرئيسي لاتحاد الشغل وإحدى مصادر قوته الأساسية فهي تأوي أعتى نقاباته وتشغّل جانبا من قياداته وهو يراها مصدر قوة الدولة وإحدى مقومات سيادتها ويعتبر التفويت فيها خطا احمر يجيبه حليفه في التحوير رئيس اتحاد الأعراف منحدثا عن نفسه بأنه مصاب بعمى الألوان رغم انه في تصريح آخر تجده يدعو لإصلاحها ولا يعتبر بيعها أولوية في مغازلة توحي بأنه يشتغل وفق قاعدة مع أخي ضد ابن عمي . وبين شدّ الحزبين وجذب الاتحادين يبدو رئيس الدولة في وضع ما بين مطرقة التهديد بفك عرى ما تبقى من مجتمعين حول وثيقة قرطاج وخصوصا الاتحاد العام التونسي للشغل وسندان الحزبين الرئيسين ..وضع تجده يخطط للخروج منه بأخف الأضرار ولسان حاله يتساءل عن خفايا تغيّر موقف اتحاد الشغل من مساند للحكومة خلال احتجاجات جانفي الى مطالب بإسقاطها اليوم ونفس التساؤل ينطبق على اتحاد الأعراف الذي يدعو الى حكومة كفاءات غير معنية بالانتخابات رغم تصريح بعض أعضاء المكتب التنفيذي بأن ما يقوله رئيس منظمتهم لا يلزمهم في شيء. والمتأمل في كلمة رئيس الدولة خلال افتتاحه اجتماع الموقعين على وثيقة قرطاج يقف عند مسألتين هامتين أولهما قوله انه لا يتحاور الا مع المؤسسات وان ماعدا ذلك فهو كلام على غرار أن يقبل أحدا في بيته وثانيها انه مع قول الزعيم بورقيبة ان هناك الهام وهناك الجوهري وعلى الجميع الاتفاق حول ما هو جوهري. وفي الحقيقة فان تلميح رئيس الدولة فيه رد على تدوينة احد السياسيين المسربة له على ما يبدو من احد النافذين في القصر مفادها استقبال الرئيس لوداد بوشماوي في بيته ... نفي أراد به الرئيس الحسم في مسألة خلافة رئيس الحكومة والتلميح للحسم في من سرّب الخبر، والحقيقة فان ما يدور في كواليس قصر قرطاج ليس في منأى عن حسابات سياسية مخالفة عن حسابات الدولة فالرئيس قد لا يكون على علم لما ينقله مقربوه من تسريبات او إيحاءات قادرة أن تغيّر بشكل او بآخر توجهات بعض القياديين في الأحزاب أو المنظمات وحسابات البعض الآخر ... والمؤكد أن مثل تلك التسريبات حقيقة وأنها ليست في منأى عن حسابات رئاسية 2019 وعن فترة ما بعد الباجي قايد السبسي الذي يخطط البعض من الآن لها وبعضهم له سوابق في القفز على عدة حبال. ولأن حسابات الحقل لا تقابل دوما حسابات البيدر فقد يختلف الحلفاء ويلتقي الفرقاء في زمن لم نعد نعلم فيه إن كانت تونس تعاني فعلا أزمة حكم أم أن الحكم زمن الأزمة مهمة مستحيلة غير أن المؤكد انه بدون تضحيات وبلا ألم وفي خضم توقف الحرب ضد الفساد التي يجب ان لا تستثني أحدا لا يمكن أن نودّع الأزمة ولا يمكن أن تُحكم تونس.