كادت مباراة قوافل قفصة والترجي الرياضي أن تعرف أحداثا مأساوية وتعيد أجواء كرة القدم إلى ما عاشته في الأشهر الأولى لما بعد 14 جانفي. لكن النهاية "العادية" للمباراة على الصعيد الفني البحت لا يمكن أن يحجب ما حف بأجواء ملعب قفصة من عنف ومظاهر مزرية بعد نهاية اللقاء. لا بد من الإشادة، بداية، بالأجواء الممتازة التي هيأتها الهيئة المديرة لقوافل قفصة واستقبالها بحفاوة بالغة بطل إفريقيا وهذا ليس بغريب عن أعضائها الذين يستحقون كل التقدير والشكر على ما يبذلونه من مجهودات قصد تدعيم أواصر المحبة بين الأندية مهما اختلفت ألوانها وطموحاتها بل أن التنظيم داخل الملعب كان على أفضل حال وهو ما وقفنا عليه ونحن نتابع المباراة. لكن المؤسف أن تعمد الجماهير المحلية إلى تعكير الأجواء وتتصرف بطريقة غير مقبولة وتنعت الفريق الضيف بنعوت فيها كثير من الإساءة والتجريح قبل أن تمطر بوابل من الحجارة بنك بدلاء الترجي وتحديدا نبيل معلول الذي تم تكريمه قبل انطلاق المباراة. وواصلت هذه الفئة من جمهور القوافل هيجانها بالمدارج وأجبرت بدلاء ومرافقي الترجي على تغيير أماكنهم من الجهة المقابلة للميدان وهو إجراء كان من المفروض أن تتخذه لجنة التنظيم منذ البداية تحسبا لمثل هذه الأحداث.
تهشيم سيارات الضيوف أنصار الترجي كانوا على موعد مع مفاجأة أخرى حصلت بمأوى سيارات الفريق الضيف بعد انتهاء المباراة حيث تراشق عدد من الأحباء بالحجارة مما تسبب في تهشيم بلور العديد من السيارات. وتجدر الإشارة إلى أن التدابير الأمنية لم تتخذ بما يجنب أصحاب هذه السيارات من خسائر فادحة.
تهديدات للحكم شاهدنا ونحن نتابع المباراة بالقرب من المدخل المِؤدي إلى الميدان أحد المتعصبين ممن يحسب نفسه على جماهير القوافل يغادر مكانه بالمدارج ويصعد فوق الجدار الفاصل ويهدد الحكم بحركات لم نألفها في ملاعبنا أمام حيرة العديد من مسؤولي القوافل والمكلفين بالتنظيم.
أطفال في فوهة بركان ما نعرفه وتعرفه جماهير الكرة أن الدور الرئيسي والمسؤولية الأكبر للجان الأحبّاء حرصها على تأطير الأنصار والإحاطة بهم ومساندتهم خاصة أثناء التنقلات علاوة على الدور الكبير الذي تضطلع به لتمتين العلاقات بين الفرق وهذا الدور لا يقل أهمية عن مهام أعضاء الهيئات المديرة. لكن ما أهملته هذه اللجان وخفي عنها ونتمنى أن تجد له الحل الملائم والعاجل بالتنسيق مع كل الساهرين على الرياضة التونسية هو الحرص الشديد على منع شبان لا تتجاوز أعمارهم 18 ربيعا من التنقل تفاديا لما قد يتعرضون له من مآسي يتورطون فيها لها بفعل فاعل. فلقد صدمنا في مباراة الأمس بقفصة لتواجد مجموعات كبيرة من الأحداث (12 إلى 16 سنة) الذين تحوّلوا إلى قفصة في ظروف صعبة للغاية ولم يجدوا وسائل نقل تعود بهم إلى العاصمة بعد نهاية المباراة وهو ما يشجعهم على تبادل العنف مع جماهير الفرق الأخرى وارتكاب عديد المخالفات والتجاوزات والجرائم. وكشفت أحداث قفصة مرة أخرى أن الوقت حان، إن لم يكن قد فات، للانكباب بجدية وبالصرامة اللازمة على تناول ظاهرة مجموعات الأحبّاء التي تكاثرت وتنامت إمكانياتها وتأثيراتها والتي افتقدت الأبعاد الاجتماعية وحادت كثيرا عن أهدافها الرئيسية بل وأصبحت تعصف بأحلام شبان هم قبل كل شيء في أمس الحاجة إلى الرعاية والإحاطة. وسنعود قريبا إلى هذا الموضوع لأنه من غير المقبول تحت أي مبرر أن نستغل شغف التونسيين بكرة القدم لنرمي بشبان في منزلق خطير يبعدهم عن دراستهم ويعصف بمستقبلهم.