تلقت "الصباح نيوز" رسالة مفتوحة من أستاذ تعليم عالي بجامعة صفاقس علي الصالح مُولى إلى وزير التربية بخصوص نتائج مناظرة الدخول إلى الإعداديّات النموذجيّة. وفي ما يلي فحوى الرسالة: " لا يماري أحد من المطّلعين على الشأن التعليميّ في أنّ مشاكل متنوّعة أفسدت كثيرا أو قليلا التعليم في مدرستنا التونسيّة. وأظنّ ألاّ أحدَ لا يدعو إلى تغييرات نوعيّة وجذريّة في النظام التربويّ. ولا يمكن إلاّ تثمين حرصكم على ضمان جودة التلقيّ والتكوين مضامين ومناهج. وأمّا التحكّم في المخرجات فهو عند المختصّين التربويّين المرحلة الأخيرة في كلّ جهد إصلاحيّ حقيقيّ. وحول المخرجات تحديدا أودّ أنْ أتحدّث إليكم. هل ثمّة من لم تَصْدمْه نتائج مناظرة الدخول إلى الإعداديّات النموذجيّة؟ قطعا لا. كم من تلميذ اجتاز الاختبارات؟ ما نسبة المتحصّلين منهم على 15 فما فوق؟ كم عدد البقاع المتناظر عليها؟ هل كنتم تتوقّعون وقد أقررتموها ألاّ يصل إليها إلاّ ما دون النصف؟ هل كنتم تتوقّعون ذلك؟ إنْ كنتم، فَلمَ فعلتم ما أقررتم؟ وإنْ لم تكونوا، أليست لديكم دراسات للتوقّع؟ هل التلميذ التونسيّ رديء إلى الحدّ الذي لا يكون حظّ المتميّز فيه إلاّ ما نسبته 3 %؟ أهذه النسبة راجعة كلّها إلى رداءة التكوين (نظاما ومدرّسين ومتفقّدين وإدرايّين وأولياء...)؟ هل هذا يعني أنّ نسبَ الالتحاق بالإعداديّات النموذجيّة في جميع السنوات الفارطة كانت مزيّفة؟ وهل الإنقاذ يكون كما قرّرتم أن يكون؟ الانحدار الرهيب في مادتيْ العلوم معناه أنّ الخلل كامن فيهما تدريسا ومتابعة؟ أليس الخلل في المستويات البعديّة يظهر في الآداب خاصّة والدليل نتائج الباكالويا؟ كيف يكون تلميذ الابتدائيّ ممتازا في اللّغات وضعيفا إلى حدّ الغرابة في العلوم ثمّ تنقلب المعادلة لاحقا؟ هل فلسفة الاختبارات مقصدها تثمين الجهد والتنويه به خاصّة في مراحل التعليم الدنيا حيثُ يكون المتلقّي في حاجة نفسيّة وتربويّة إلى الاعتزاز بمهاراته من جهة، والرجوع الإيجابي بالاعتراف لمعلّمه بما بذله من جهد حتّى قطف ثمارا يانعة من جهة ثانية؟ أم مقصدها إظهار التلميذ فاشلا من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها؟ هل وضعتم في الاعتبار الأبعاد البيداغوجيّة أثناء تجهيز الامتحانات للتناظر عليها؟ هذا لا يعني قطعا أنّني مع الاختبارات المبتذلة. ولكنّ الاختبار إنْ كان مقصدُه ترصّدَ العيوب بتفخيخ الامتحانات أو الاجتهاد في أنْ تكون فوق ما ينبغي أن تكون عليه فيا خيبة المقصد؟ ويا خيبة الأفق الذي يُراد للإصلاح أنْ يتحرّك نحوه. يُفْتَرَضُ أنْ يكون الاختبار انعكاسا موضوعيّا للمعرفة المتلقّاة من عموم التلاميذ في أرياف تونس ومدنها سواء أكان المعلّم قارّا أو نائبا. وتغييب هذا المعطى ظلم عظيم لأنّنا حينها نحكم على سواد واسع من أبنائنا بالحرمان من المنافسة قبل أن تبدأ. العدل في الاختبار يكون بالتوسّط. وبعدئذ يكون التصنيف بين الأفضل والفاضل والمفضول وليس بين السيّئ والأسوأ منه. مع الأسف الشديد اجتهدتم لتجعلوا من الاختبار معصرة لإظهار فشلنا جميعا أولياء ومربّين وتلاميذ. وما فاز في الاختبار إلاّ لجانكم الموقّرة. هل تابعتم ما يَكتبه المربّون حول اللّجان التي أشرفت على وضع اختبارات مادّتيْ العلوم وخاصّة التي وضعت شبكة التقويم في الإيقاظ العلميّ؟ هل وقع احترام مقتضيات التدرّج البيداغوجيّ في تفكيك الصعوبات؟ هل أقنعكم منطق اللجنة التي رأت أنّ عدم تجزيء الأعداد هو السليم بيداغوجيّا وعلميّا؟ إليكم هذا المثال: نصّ السؤال: "أصلح الخطأ: "تسقط الأجسام وفق منحى مائل نتيجة عامل داخليّ تسلّطه الأرض عليها يسمّى الكتلة" (انتهى السؤال). إصلاح الخطأ يعنى ضرورةً تقديم إجابة صحيحة. والإجابة الصحيحة تفرض إسناد عدد. هذا منطق الامتحان. لا توجد إجابة صحيحة للتصدّق بها أو لمعاقبة صاحبها. في المعطى ثلاثة أخطاء: مائل (الصواب: شاقولي)، عامل داخليّ (الصواب: عامل خارجيّ)، الكتلة (الصواب: الوزن). تقول توصية اللّجنة: "أيّ خطأ في الكلمات الثلاث يسند 0 حتّى ولو الباقي صحيح". (الإجابة على 2) وتضيف اللّجنة: "2 غير قابل للتجزئة". هنا يكون التساؤل مشروعا بعد هذه الفرضيّة: سأفترض أنْ تلميذا صحّح خطأيْن من الأخطاء الثلاثة. لماذا يكون 2 غير قابل للتجزئة؟ هو غير قابل للتجزئة بالنسبة إلى أيّ عقل؟ عقل اللّجنة أم العقل الرياضيّ أم عقل الإنصاف والتثمين؟ لماذا يُطلبُ من الممتحن أنْ يصلح الخطأ؟ ما هو المقابل؟ وما هو المنطق الرياضيّ والتربويّ البيداغوجيّ والأخلاقيّ الذي يبرّر معاقبة التلميذ بحرمانه من حقّه. قد يتصدّى للإجابة مدافع عن عدم التجزيء بحجّة التكامل بين مكوّنات المعطى، فكلّ خطأ يؤدّي إلى خطأ آخر. في واقعة الحال الأمر ليس كذلك. وصياغة السؤال لا تسمح أبدا بالتعلّل بهذه الحجّة الواهية. لا شكّ في أنّ تشكّيات واعتراضات وتذمّرات وصلَكم بعضها ولم يصلكم بعضها الآخَر تتعلّق باختبارات التناظر على الفوز بمعدّلات تؤهّل أعدادا من التلاميذ للانتساب إلى الإعداديّات النموذجيّة. ولا شكّ في أنّكم تعلمون أنّ أغلب الاعتراضات صادرة من إطار التدريس المباشر لتأمين خوض هذه الاختبارات ومن إطار التفقّد. أترونَ كلّ هؤلاء على خطأ؟ اُنظروا في ما وصلكم بحياديّة وموضوعيّة وإيجابيّة، ولا بأس من أن تتساءلوا حول إمكانيّة أن تكون لجانكم وقعت عن قصد أو دونه في شطط مبالغ فيه. أليس هذا احتمالا؟ نعم للإصلاح.. ولكنّ مَدار الإصلاح ليس الاختبار حصرا. الاختبار عنصر جزئيّ وتكميليّ في شبكة معقّدة من المداخل والمقاربات والتصوّرات. وحين تعلّقت همّتكم بالاختبار وحده جعلتم التلميذ وحده ووحده فقط يدفع الضريبة. سؤال أخير: سأفترض (وهذا افتراض واقعيّ لأنّه كان يمكن أن يتجسّد) لو أنّ هذه اللّجان اقترحت غير هذه الاختبارات ووضعت غير هذه الشبكة التقويميّة وكان النتائج غير هذه النتائج.. هل كنتم ستقولون ما قلتم؟ قطعا لا. والسبب بسيط: عينكم على محصول الأعداد وليس على مضمون العمليّة التعليميّة. السيّد وزير التربية.. الحقّ أحقّ أن يُتّبَع. اعدلوا هو أقرب للبيداغوجيا وروحيّة التعليم. لا تنفّروا، ولا تجعلوا التلميذ مصيدة وضحيّة. إنْ شئتم أن تسائلوا أو تعاقبوا فما هذا هو الطريق."