ألقى، اليوم الثلاثاء، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي كلمة في ورشة العمل الإقليمية حول"العمالة والعمل اللائق من أجل السلام والقدرة على الصمود: دور نقابات العمال في الدول العربية". وفي ما يلي فحوى الكلمة، وفق ما جاء في الصفحة الرسمية لاتحاد الشغل: "إنّه لشرف عظيم لي أن أحضر معكم حفل افتتاح أشغال ورشة العمل الإقليمية حول "العمالة والعمل اللائق من أجل السلام والقدرة على التصدّي: دور نقابات العمّال في الدول العربية"، وأودّ بهذه المناسبة أن أتوجّه بالشكر والتقدير للصديق العزيز نظام قاحوش ومن خلاله إلى مكتب الأنشطة العمالية لمنظمة العمل الدولية على اختيار تونس وجهةً لاحتضان فعاليات هذه الورشة الإقليمية وعلى الاختيار الموفّق لموضوع العمل اللائق كرافد لتعزيز السلام والوقاية من أوضاع الأزمات الناجمة عن النزاعات والكوارث وإتاحة الانتعاش وبناء القدرة على الصمود. لا يختلف اثنان اليوم على أنّ المآسي والكوارث هي السمة الطاغية اليوم على عالمنا العربي في ظلّ الاحتلال لجزء من الوطن العربي والحروب الدائرة طوال السنوات الماضية ولا يختلف اثنان أيضا على أنّ الفوضى التي يعيشها وطننا العربي اليوم من هيمنة للاستبداد وتوسّع دائرة الفساد واستشراء للتطرّف وانفلات أمني وتسيّب قِيمِي وسلوكي وتعاظم غير مسبوق للاقتصاد الموازي غير المنظّم يحكمه أباطرة التهريب المتغوّلة والمتنّفذة والسالبة للحقوق ولكلّ مقوّمات الحماية والكرامة، وهي مظاهر انخرام باتت جميعها تهدّد بزعزعة أركان الدولة وإضعاف سلطة القانون، والثابت أن التفسير الذي يختزل جملة هذه المآسي وهذه الفوضى إنّما محوره المساواة بمعناها الشامل والواسع والذي تتنزّل في إطاره كلّ حقوق الإنسان الكونية. ما نعيشه اليوم تحت عناوين مختلفة متشعّبة دينيّا أو عقائديا أو إيديولوجيا هو صراع بين المساواة والتمييز، صراع يخترق مجتمعات عصرنا وتأثيراته في كلّ المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. صراع بين مساواة تتأسّس على منظور دولة القانون والمواطنة ومنظومة حقوق الإنسان وتتغذّى بالحريات والمساواة بين جميع البشر وتعميم التعليم العمومي والمجاني والصحّة والخدمات الأساسية والإدماج الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي الشامل. وبين تمييز يقوم على تعميق الفوارق بجميع أشكالها ومصادرة مبدأ المواطنة والتطاول الصارخ على هيبة الدولة وسلطان القانون والإمعان في إرضاء المصلحة الفردية والفئوية الضيّقة بتعمّد إلغاء الآخر بكلّ ما يمتلّكه من تنوّع وثراء وسيطرة سبل الفساد والإفساد سبيلا لتعميق التمييز والفوارق والتفتيت. لقد حاولنا وما زلنا نحاول في تونس صياغة الإجابات المناسبة للحدّ من هذا التوتّر الدائم بين ثقافة تعود إلى ما يؤسّس للكرامة ويصونها كما حدّدتها منظومة حقوق الإنسان الكونية ودستور البلاد الجديد وتلك المشدودة إلى المصالح والغنائم واستنساخ القديم من مناهج تنموية مغيّبة للحماية والحقوق وسالبة للكرامة والمواطنة، ومن تلك الإجابات نفتخر ونعتزّ بها تجربة الحوار الوطني المتوّج بجائزة نوبل للسلام لسنة 2015 وبإصدار دستور البلاد الجديد بنسبةِ تَوافقٍ عالية فاقت كلّ التوقّعات. أمّا في مجال العمل والعلاقات الشغلية فقد مثّل إمضاء العقد الاجتماعي بين الشركاء الاجتماعيين تحت قبّة المجلس الوطني التأسيسي في الذكرى الثانية لثورة الحرية والكرامة يوم 14 جانفي 2013 برعاية منظّمة العمل الدولية حدثا تاريخيّا بامتياز. بل إنّ الاتحاد العام التونسي للشغل كان أوّل المتحمّسين لتنفيذ برنامج العمل اللائق بتونس في المدة بين 2017 – 2022 والذي وقّعنا عليه في مقرّ مكتب العمل الدولي في 21 جويلية 2017 كأطراف إنتاج ثلاثة ليكون مدخلا لتفعيل العقد الاجتماعي المذكور. ولا شكّ أنّ مصادقة مجلس نواب الشعب يوم 7 جويلية 2017 على القانون المحدث للمجلس الوطني للحوار الاجتماعي وكذلك الأمر عدد 675 بتاريخ 07 أوت 2018 المنظّم لسير أشغاله سيشكّلان منطلقا على درب مأْسَسة الحوار الاجتماعي وسيساهمان في إكساب ما نحن عازمون عليه على درب ترجمة برنامج العمل اللائق على أرض الواقع والاستمرارية والنجاعة والفعلية المطلوبة. إنّ ما نقوم به في تونس للنهوض بالعمل اللائق وللخروج بالعلاقات الشغلية في بلادنا من عقلية التملّك والهيمنة إلى عقلية المؤسّسات والنظم القانونية ومن ثقافة ردود الفعل التصادمية نحو ثقافة يَسُوسُهَا الحوار والثقة المتبادلة، إنّما يتنزّل في صميم ما نصّت عليه التوصية 205 لمنظّمة العمل الدولية بشأن العمالة والعمل اللائق من أجل السلام والقدرة على الصمود. إنّ مسار تغيير عادات وسلوك الشركاء الاجتماعيين مسار صعب ومتشعّب لارتباطه بأنماط هَجِينَة للعمل مغيّبة تماما للحرية، سالبة للكرامة منتهكة للحقوق ومنها الحقّ في التنظّم النقابي وبالتالي مشدودة إلى موروث خاضع لمنطق الصراع ولموازين القوى الظرفية وللنزعات الذّاتية أكثر ممّا يخضع لمنطق الحوار والتوافق، لكنّه مسار ممكن كما تبيّنه العديد من قصص النجاح المسجّلة لدينا وفي العالم. عمل كبير ينتظرنا للقطع مع انعدام الحقوق والحريات في أقطارنا وللخروج من وضع انفصامي عجيب يطالب فيه الجميع بحرية الرأي والفكر والعقيدة والعمل السياسي والنقابي والمدني وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ثمّ يسارع الجميع إلى التنكّر لأدوات التمتّع بكلّ هذه الحقوق من مساواة ومن حقّ التنظيم والمشاركة في أخذ القرار."