مع دخول الكرادلة الناخبين إلى كنيسة "سيستينا" وبدء انعقاد الكونكلاف، وهي كلمة من أصل لاتيني تعني المغلق بالمفتاح، يكون العد العكسي لاختيار بابا جديد للفاتيكان بدأ، في أغرب عملية انتخاب، وأكثرها تميزا. ويزيد عدد الكرادلة في العالم عن المائتين بقليل، لكن المشاركة في الانتخاب تتعلق فقط بأولئك الذين لم يتجاوزوا الثمانين من العمر يوم شغور الكرسي الرسولي، أي في الثامن والعشرين من فبراير، يوم تنحي بنديكتوس السادس عشر عن منصبه. وهكذا بلغ عددهم هذه المرة 117، تخلف منهم اثنان، أسقف جاكرتا، عاصمة أكبر بلد مسلم بداعي المرض، وأسقف أدنبره الاسكتلندي كيث أوبريان، الذي استقال من منصبه بعد اتهام 3 رهبان له بالتحرش الجنسي. في فترة الكونكلاف ينعزل الكرادلة نهائيا عن العالم الخارجي، ولا يسمح لهم بأي شكل من الأشكال بإجراء اتصالات، حتى أن المكان الذي يبيتون فيه، في مبنى اسمه سانتا مارتا داخل أسوار الفاتيكان، تم عزله إلكترونيا بواسطة أجهزة تشويش تعطل عمل أي هاتف خلوي أو خدمة للإنترنت. وأقسم العاملون على خدمة الكرادلة، من خدم وطباخين وسائقين وأطباء وممرضين، اليمين على ألا يبوحوا بأي كلمة يسمعونها أو إشارة يرونها. أما عقوبة من يخالف، فهي الحرمان الكنسي الفوري، وهي عقوبة أدخلها البابا المتنحي المكتوي بنار الخيانة من أقرب خدمه. وكان باولو غابرييلي كبيرا للخدم لدى بنديكتوس السادس عشر، وهو بدأ عمله عام 2006، أي بعد عام على انتخاب البابا. وبدأت قصة غابرييلي في الخامس والعشرين من ماي 2012، مع إعلان الاب فيديريكو لومباردي المسؤول الإعلامي في حاضرة الفاتيكان، عن توقيفه من قبل الشرطة الفاتيكانية وبحوزته وثائق وأوراق خاصة بالحبر الأعظم. واللافت أن توقيف غابرييلي تزامن مع طرد ايتوري غوتي تيديسكي، رئيس مركز الأعمال الدينية، وهو عمليا مصرف الفاتيكان. وبعد عدة أيام صدر كتاب الصحفي جان لويجي نوتسي بعنوان " صاحب القداسة"، وفيه نشر للعديد من أوراق البابا تظهر عمليات وحسابات مصرفية غامضة وغير قانونية، بالإضافة إلى صراع على السلطة داخل الفاتيكان، علما أن النظام المصرفي الفاتيكاني لا يطبق القوانين الأوروبية لمكافحة غسيل الأموال، وهو ما دفع وزارة الخارجية الأميركية إلى وضعه تحت المراقبة. ما نشره نوتسي أصبح يعرف ب"فاتيليكس" ، مما دفع بنيدكتوس السادس عشر إلى تشكيل لجنة من 3 كرادلة للتحقيق في ما نشر والتأكد منه، وكان أن وضعت اللجنة تقريرها ولم يطلع عليه البابا المستقيل، وأوصى أن يقوم البابا الجديد بذلك. فضائح الفاتيكان لم تقتصر على الشأن المالي والصراع على السلطة في الجهاز البيروقراطي للدولة الذي يرأسه أمين سر الدولة الكاردينال تارشيزو برتوني، فبالإضافة إلى ضلعي السلطة والمال هناك الضلع الثالث للمثلث الدنيوي وهو الجنس المثلي والتحرش بالأطفال. في اليوم الاول للكونكلاف عقد ديفيد كلوهسي، وهو من مؤسسي شبكة الناجين من تحرش الرهبان، مؤتمرا صحفيا في فندق متواضع بالقرب من الفاتيكان في العاصمة الإيطالية روما. وروى ديفيد كيف اعتدى عليه راهب كنيسته وهو طفل، وكيف أن الأمر تكرر مع إخوته. واتهم الكنيسة بعدم التعاون من أجل وضع حد لهذا الانتهاكات، بل اتهمها بالمساعدة في التستر على المجرمين عبر نقلهم إلى أمكنة، ودول أخرى، وقدم دلائل على قيام البعض من رجال الدين المتهمين بالتحرش بتغيير هوياتهم وأسمائهم. (سكاي نيوز عربية)