كٌلّما «كان المصاب جللا» في تونس الا وتتشّكل لجنة تحقيق (سواء كانت برلمانية او حكومية) مهمّتها الرئيسية الكشف عن ملابسات الحادثة، والاهم من ذلك تحميل المسؤوليات ومحاسبة المتورطين... لكن الواقع ابعد عن ذلك بكثير، بما ان هذه اللجان تتشكل لتقبر لاحقا على حد تأكيد المتابعين للشأن العام، حتى ان البعض اضحى يتندر بالقول انه إذا أردت قبر ملف أو التعتيم على مسألة ما، فان الامر رهين احداث او بعث لجنة تحقيق تتولى جديا طمسه... لجنة اخرى من هذه اللجان، رأت النور السبت الماضي على خلفية وفاة 12 رضيعا بقسم الولدان بمستشفى وسيلة بورقيبة بعد ان اذن رئيس الحكومة يوسف الشاهد بتشكيلها بهدف الوقوف على أبرز حيثيات الحادثة. ولعل السؤال الذي يفرض نفسه بشدة: هل ان هذه اللجنة ستتولى فعلا الكشف عن ملابسات الحادثة وتحديد المسؤوليات، ام انها ستكون كغيرها من اللجان مجرد ذر رماد على العيون تكون مهمتها الرئيسية امتصاص الغضب لا غير؟ عديدة هي «الكوارث» التي حصلت في تونس خلال السنوات الماضية والتي أحدثت لها لجان تحقيق بهدف الوقوف على ملابساتها، لم تفض فعليا الى نتائج ملموسة او الى تحميل للمسؤوليات لأسباب عديدة لعل أبرزها الخلافات الحاصلة داخل بعضها فضلا عن معضلة ضعف الإطار التشريعي والقانوني الذي يحول دون ان تعمل هذه اللجان بالنجاعة المطلوبة، وفيما يلي أبرزها: - بتاريخ 10 جانفي 2018، صادق مجلس نواب الشعب على احداث لجنة تحقيق برلمانية في تصنيف تونس ملاذا ضريبيا. -لجنة التحقيق البرلمانية حول التصرف في النفايات الخطيرة والتي تشكلت ايضا في جانفي 2018. -لجنة التحقيق حول الوضع في ولاية نابل اثر الفيضانات التي اجتاحتها في سبتمبر الماضي. - وزارة المرأة والأسرة والطفولة تعلن في 1 نوفمبر 2018 عن فتح تحقيق بخصوص «تجاوزات متعلقة باحتفالات عيد ‹الهالوين› بإحدى مؤسسات الطفولة الخاصة». - لجنة التحقيق في تسفير الشباب الى بؤر التوتر. - وزارة الصحة تكون لجنة تحقيق على خلفية وفاة رضيعين بمستشفى ابن الجزار بالقيروان بتاريخ 25 مارس 2017. - لجنة التحقيق في موضوع الفساد المالي والتهرب الضريبي التي تشكلت في افريل 2016. - تكوين لجنة للتحقيق في أسباب حادث القطار بين محطتي سيدي رزيق ومقرين (ولاية بن عروس) والذي تسبب في اصابة 25 شخصا دون تسجيل ضحايا. - لجنة تحقيق في حادث اصطدام قطار بحافلة الذي جد بجبل الجلود بتاريخ 28 ديسمبر 2016. - لجنة تحقيق حول اسباب تفاقم العجز التجاري وتداعياته. - لجنة للتحقيق في شبهة تعذيب 7 أشخاص تم إيقافهم من طرف فرقة مكافحة الإرهاب بالقرجاني سنة 2015 بتهمة الانتماء إلى خلية إرهابية بالقيروان. - لجنة التحقيق في شبهة فساد متعلقة بعقد أبرمه وزير التنمية السابق ياسين ابراهيم مع البنك الفرنسي «لازار». - لجنة التحقيق في احداث 9 افريل 2012 - لجنة التحقيق في احداث الرش في سليانة - لجنة التحقيق في احداث بطحاء محمد علي في 4 ديسمبر 2012. قد لا تسعنا هذه المساحة المخصصة، الى استعراض جميع لجان التحقيق البرلمانية او غيرها التي تشكلت على مدار السنوات الماضية، فهذه اللجان السالفة الذكر تمثل عينة من اللجان التحقيقية التي تشكلت ولا يعرف الى اليوم تركيبة البعض منها لتبقى بذلك مجرد حبر على ورق. في حين تشكلت البعض منها وباشرت اعمالها لبضعة اسابيع ثم قبرت لاحقا، على حد تأكيد كثيرين، لأسباب عديدة لعل أبرزها غياب ارضية للتفاهم او لضعف التشريعات القانونية وآليات الرقابة. فهذه اللجان سالفة الذكر على أهميتها، وصفها كثيرون بكونها مجرد لجان لذر الرماد على العيون او لطمس الحقائق بما انها لم تشف الغليل ولم تعمل على تفعيل عنصر المحاسبة. حتى استاذ القانون رابح الخرايفي قد اورد في تصريح سابق ل»العربي الجديد»، إن إحداث لجان التحقيق البرلمانية تحول إلى ظاهرة إعلامية يراد منها كسب نقاط سياسية وتسجيل مواقف دون العمل على إنجاح عملها والوصول إلى حقائق وبلوغ نتائج ملموسة تفضي إلى إصلاحات».. وتابع الخرايفي قائلا: «إذا أردت أن تقتل قضية وتقبرها فشكل لها لجنة»، لاعتبار أن «لجان التحقيق من أهم آليات العمل الرقابي على الحكومات؛ فأهدافها سامية غير أن الاتجاه نحو قتل هذه الآليات من قبل البرلمانيين أنفسهم أخطر من قتل الملفات والقضايا» موضحا في الإطار نفسه أنّ «ضعف القانون الداخلي للبرلمان وعدم وجود قانون ينظم عمل لجان التحقيق، ويكون ملزماً للجهات الحكومية وغير الحكومية بتقديم المعلومات والمعطيات، ساهما في تعطيلها وإضعافها»، مشدداً على «ضرورة تنقيح القانون البرلماني لإضفاء النجاعة المطلوبة وتعزيز دور لجان التحقيق البرلمانية حتى تعطي النتائج المرجوة من إحداثها»... في هذا الخضم نأمل ان لا تواجه لجنة التحقيق المخصصة للنظر في الأسباب التي ادت الى وفاة 12 رضيعا بقسم الولدان بمستشفى وسيلة بورقيبة المصير ذاته نظرا الى ان المسالة على درجة عالية من الخطورة تتعلق «بالإجرام» في حق اطفال ابرياء. ومن هذا المنطلق من الضروري محاسبة كل من ثبت تورطه في هذه الحادثة «الفظيعة». منال حرزي