استقالة وزير الصحة عبد الرؤوف الشريف بعد الفاجعة تنمُّ عن تحمل للمسؤولية، لكن لا يجب لهذه الاستقالة أن تكون «الشجرة» التي تغطي «غابة الفساد». تونس «الشروق» : هذا هو الموقف الغالب الذي يعبر عنه السياسيون للدفع في سياق حسن التعاطي مع الملف وعلى إثر الفاجعة الصحية التي شهدها مركز التوليد وطب الرضيع بمستشفى الرابطة والتي تمثلت في وفاة 11 رضيعا في ظروف مسترابة، قدّم وزير الصحة عبد الرؤوف الشريف استقالته التي قبلها رئيس الحكومة، ومن المنتظر أن يقدم الوزير المستقيل اليوم نتائج التحقيقات الاولية ودوافع الاستقالة. كشف الملابسات ومن جهته أكد وزير الصحة المستقيل عبد الرؤوف الشريف في تصريح «للشروق» أنه سيعقد اليوم ندوة صحفية يكشف خلالها كل المعطيات المتعلقة بفاجعة وفاة الرُضّع والاسباب التي دفعته الى تقديم الاستقالة. واعتذر الوزير المستقيل عن التفاعل بخصوص نتائج التحقيق الاولية للحادثة والاسباب التي دفعته الى تقديم استقالته الى رئيس الحكومة واكتفى بالقول بأنه فضّل التروي وجمع كل المعطيات المتعلقة بالملف قصد كشفها الى الرأي العام خلال ندوة صحفية في الغرض تعقد اليوم، مضيفا بأن ما جرى يعد كارثة وطنية، فهل تكفي استقالة الوزير وحدها لمعالجة هذا الملف الحارق ؟ المطالبة باجتثاث الفساد استقالة الوزير تبدو إجراء محمودا ينمُّ عن تحمّل المسؤولية، لكن لا يمكن الوقوف عند حدودها ويتوجب استكمال التحقيقات بكل جدية وتحميل المسؤوليات للاطراف المذنبة والمتورطة وفق عضو لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في البرلمان بشير الخليفي. وأضاف بشير الخليفي بأنه آن الاوان لفتح ملفات الصحة وتحميل المسؤوليات في حالات التقصير والاهمال خاصة وأنه لم يعد يخفى عن أحد وجود لوبيات متمترسة في مجال صناعة الادوية والمخابر والشراءات الصحية وتعطيل المعدات ، كما لفت الى أن كل وزراء الصحة الذين تداولوا على المنصب واجهوا لوبيات فساد كبيرة. وطالب الخليفي رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالضرب بقوة على الايادي العابثة وفتح ملفات الصحة للعلن بما يمكن من اجتثاث الفساد الذي بات يحصد ارواح الابرياء. وبدوره اعتبر المختص في القانون العام توفيق بوعشبة في تصريح «للشروق» أن ما حدث يعد كارثة مؤلمة تعري بصورة فظيعة ما يحدث في بعض المرافق الصحية من تهاون ولا مبالاة وانعدام للضمير لدى البعض، معتبرا أنه آن الآوان لمعالجة القطاع الصحي المريض بصورة جدية وبالحزم اللازم. وأبرز توفيق بوعشبة أن الفساد الذي كان منحصرا في بعض الاشخاص قبل 2011، قد غزا البلاد في السنوات الثماني الاخيرة، وصار منتشرا على نطاق واسع جدا ودخل بعض المؤسسات والمرافق العمومية ومن بينها مرافق الصحة العمومية في مجالات عدة تتعلق بالأدوية والتجهيزات الطبية، وأن انقاذ القطاع الصحي يمر ضرورة عبر الحزم في التصدي للفساد دعوة الحكومة إلى الاستقالة وتعدت التفاعلات مع الفاجعة الصحية حدود تحميل المسؤوليات حيث طالب حزب نداء تونس الحكومة بالاستقالة، وقال النائب عبد العزيز القطي في هذا السياق في تصريح ل«الشروق»، أن ماحصل يعد فاجعة خطيرة غير مسبوقة.وشدد القطي على أن عدد الوفيات في صفوف الرضّع يتجاوز العدد الرسمي المعلن عنه، مضيفا بأن بعض شهادات العائلات الذين فقدوا أبناءهم تؤكد تقصير السلط في تسهيل اجراءات الدفن والرعاية، كما تؤكد ايضا اصرار المؤسسة الصحية على تسلم مصاريف العلاج بغض النظر عن نتائج التحقيق. واعتبر القطي أن هول هذه الفاجعة الصحية لا يمكن التعامل معه بمجرد المساءلة، بل من الواجب في رأيه تقديم الحكومة برمتها استقالتها أو سحب الثقة منها لاسيما بعد التصرف المهين المتمثل في تسليم جثث الرضع في علب كرتونية. لجنة برلمانية وستعقد لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بعد ظهر اليوم جلسة طارئة للتفاعل مع الموضوع والخروج بجملة من القرارات في حدود صلاحيات دورها الرقابي. وفي هذا السياق، أفاد رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في البرلمان سهيل العلويني في تصريحه ‹›للشروق›› أنه تحول أمس الى مركز التوليد وطب الرضيع بمستشفى الرابطة للشروع في التحقيق، مضيفا بأن ماجرى يعد كارثة كبرى لا يمكن غض الطرف عنها. وأكد العلويني عقد لجنة الصحة والشؤون البرلمانية اليوم بداية من الساعة الثانية بعد الظهر لاجتماع طارئ سيخصص للنظر في طلب مشاركة اللجنة في تركيبة لجنة التحقيق الحكومية وذلك عبر توجيه مراسلة رسمية لرئيس الحكومة في الغرض. وأوضح العلويني أنه في صورة عدم التجاوب مع هذا الطلب فإن النية متجه الى تكوين لجنة تحقيق برلمانية في اطار الدور الرقابي للسلطة التشريعية على السلطة التنفيذية قصد تحميل المسؤوليات وضمان عدم تكرر هذه الفواجع. وعرّج العلويني على استقالة وزير الصحة عبد الرؤوف الشريف معتبرا انها قرار شجاع يقطع مع السائد لافتا الى أن هذه الخطوة غير كافية وتتطلب كشف الحقيقة وتحميل المسؤوليات وتوفير الاليات الضرورية لضمان عدم تكرر هذه الكارثة الصحية. وختم العلويني بأن تعاقب العديد من الوزراء على رأس القطاع الصحي منع عملية تطبيق البرنامج الاصلاحي الذي يستوجبه قطاع اساسي بحجم الصحة، والذي يمتد الى فترة زمنية طويلة لا بد من الشروع فيها على ضوء هذه الحادثة الاليمة. ومن جانبه،قرر رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمس تكليف وزيرة شؤون الشباب والرياضة سنية بالشيخ بتسيير وزارة الصحة بالنيابة وكلفها بفتح ملفات القطاع والسهر على ضمان الشفافية وصحة المواطنين. ويذكر أن مجلس الامن القومي سيجتمع اليوم للتداول في جملة من المسائل، وادرج ضمنها التداول في ملابسات الحادثة وتحديد المسؤوليات بعد توجيهه دعوة الحضور لوزير الصحة المستقيل. تقصير بينت دراسة وطنية تم انجازها في ماي 2015 عبر الاشتغال على عينة ممثلة من 8 مستشفيات جامعية أن عملية اعداد خلطات التغذية الوريدية عالية الخطورة نظرا لكونها تعد في وحدات الرعاية الطبية بدلا من وحدات المخابر الصيدلانية، وكشفت هذه الدراسة أن 12.5% فقط من المستشفيات الجامعية تعتمد نظام الجودة في إعداد هذه الخلطات تهاون أورد آخر تقرير لدائرة المحاسبات بخصوص مستشفى عزيزة عثمانة أن المستشفى يفتقر إلى طبيب اختصاص يتولى السهر على وضع برامج حفظ الصحة والإشراف على تنفيذها رغم توصية اللجنة الطبية في الغرض منذ سنة 2014. كما كشف التقرير أن المستشفى المذكور ليس فيه سوى تقني وحيد تعهد إليه مراقبة نظافة المحيط الاستشفائي ورفع العيّنات بصفة دورية لتحليل درجات التعفّن ومراقبة نوعية تعقيم المستلزمات الطبّية والجراحية وتفقد المطبخ وإعداد تقارير النشاط خلال الفترة الممتدة من 2012 الى سنة 2016. وأورد التقرير ايضا ان قسم الدم بالمستشفى المذكور سجل خلال سنة 2015 إصابة 4 مريضات بأمراض بالجهاز التنفسي بعد تلقيهن العلاج نتيجة عدم نقاوة الهواء.