بقلم محجوب الجلاصي،مستشار بمجلس نواب الشعب تلقت "الصباح نيوز" مقال راي من بقلم المستشار بمجلس نواب الشعب محجوب الجلاصي، حول مآل قرارات الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين القاضية بعدم الدستورية. وفي ما يلي نص المقال: لقد ورد بالفصل 18 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرخ في 18 أفريل 2014 المتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين أنّ الهيئة تنظر في دستورية هذه المشاريع بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثين نائبا على الأقل يرفع إليها "في أجل أقصاه سبعة أيام من تاريخ مصادقة المجلس على مشروع القانون المطعون فيه أو المطعون في أحد أحكامه" .كما أشار الفصل 21 إلى أن الهيئة تتخذ قراراتها بالأغلبية المطلقة لأعضائها في أجل عشرة أيام قابلة للتمديد بقرار معلل مرة واحدة لمدة أسبوع. وتكون قرارات الهيئة معللة وتصدر باسم الشعب وتنشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في أجل أسبوع من إصدار القرار. إضافة إلى ذلك فإنه طبقا للفصل 23 إذا قضت الهيئة بعدم دستورية مشروع قانون فإنه "يحال مصحوبا بقرار الهيئة إلى رئيس الجمهورية الذي يحيله إلى المجلس الوطني التأسيسي أو مجلس نواب الشعب للتداول فيه ثانية طبقا لقرار الهيئة في أجل عشرة أيام من تاريخ الإحالة، وعلى رئيس الجمهورية قبل ختمه إرجاعه إلى الهيئة للنظر في دستوريته". ويعود ذلك إلى أنّ المشرع يعتبر مسألة الطعن في دستورية مشاريع القوانين مسألة استثنائية، و المبدأ هو أن مشاريع القوانين تكون قد استوفت جميع شروطها من حيث الشكل ومن حيث المضمون بعد أن مرّت بعدّة مراحل أثناء دراستها داخل اللجنة التشريعية المختصة بمجلس نواب الشعب، وبعد الاستماع في شأنها إلى كلّ من ترى اللجنة المذكورة فائدة في الاستماع إليه والاستنارة برأيه من الخبراء وأصحاب المبادرة وممثّلي المجتمع المدني وغيرهم. ولا شك أنّ كلّ ذلك يتطلب الكثير من الوقت مع الأخذ بعين الاعتبار لما يمكن أن يأخذه مشروع القانون من حيّز زمني هام لمناقشته في الجلسة العامة قبل التصويت عليه. وانطلاقا من هذه الاعتبارات لا يجب الإطالة في الآجال المتعلقة سواء برفع الطعون أو النظر فيها من طرف الهيئة أو إعادة مناقشتها من طرف مجلس نواب الشعب. غير أنّ الغاية التي يبدو أنّ المشرع كان يسعى لتحقيقها وهي التضييق أكثر ما يمكن في الآجال والحسم في أقرب وقت ممكن في الطعون وفي القرارات المتعلقة بدستورية مشاريع القوانين حتى لا تتعطل المصالح العامة للدولة، باعتبار أنّ القوانين هي وسيلة الحكومة في تحقيق سياستها العامة، قد يصعب تحقيقها باعتبار أنّ الهيئة عندما ترى أنّ مشروعا معينا مشوبا بعدم الدستورية تكون مطالبة بإعادته أو إعادة بعض الفصول منه إلى مجلس نواب الشعب لإعادة التداول بشأنه، وفي هذه المرحلة قد تتعطّل مشاريع القوانين ولو لعدة سنوات حتى تفقد الغاية من سنّها وتتجاوزها الأحداث، وذلك لاعتبارات ثلاث على الأقل تتمثّل فيما يلي: أولا: يمكن للهيئة أن لا تقتنع في كل مرة بالصياغة الجديدة لمشروع القانون أو بعض الفصول موضوع الطعن كيفما غيّر منها مجلس نواب الشعب، فيبقى مشروع القانون بين كرّ و فرّ بين الهيئة والبرلمان دون أن يحدّد المشرع آجلا قصوى لحسم هذه المسألة. ثانيا: ورد في القانون الأساسي المنظم لعمل الهيئة أنها في صورة اعتبارها أن مشروع القانون مشوبا بعدم الدستورية فهي مطالبة بإرجاعه لمجلس نواب الشعب للتداول فيه ثانية ، غير أن ذلك قد يتزامن مع نهاية المدة النيابية أو مع بداية مدة نيابية جديدة مع ما يتطلّبه ذلك من وقت لتركيز اللجان البرلمانية وبقية هياكل المجلس، مع التذكير في هذا الصدد بأن مجلس نواب الشعب يتمتع بعطلة برلمانية خلال شهري أوت وسبتمبر من كل سنة، وإذا افترضنا أنّ رأي الهيئة يحال على المجلس خلال هذه العطلة فمن طبيعة الأشياء أن يتعطل النظر في دستورية مشروع القانون إلى غاية عودة هياكل المجلس إلى نشاطها، أي عمليا بداية من أواخر شهر أكتوبر ، حيث يحال حينها قرار الهيئة من طرف مكتب المجلس إلى اللجنة التشريعية المختصة لدراسته ثم الى الجلسة العامة لمناقشته والتصويت عليه، ولا شك أن ذلك قد يستغرق الكثير من الوقت. ثالثا: يفرض القانون الأساسي المنظم للهيئة إرجاع المشروع المشوب بعدم دستوريته الى مجلس نواب الشعب من أجل إعادة "التداول" بشأنه، ورغم أن القانون يفرض على المجلس أن يتم ذلك في "أجل عشرة أيام من تاريخ الإحالة" وهو ما يتأكد منه مرة ثانية نية المشرع التي تمت الاشارة إليها سابقا في عدم تعطيل مشاريع القوانين، فإنّ المشرع نفسه لم يوضح المقصود بعبارة "التداول" وهو ما يبدو أنه قد وقع تأويله بعكس ما أراده واضعو القانون. ومن خلال التمحص في بعض القرارات التي أصدرتها الهيئة منذ مباشرتها لمهامها إلى حدّ الآن يبدو أنّ هذه الاعتبارات الثلاث المتحدّث عنها ليست مجرد افتراضات نظرية، بل يلاحظ أنّ الهيئة قد تعرضت لها فعليا في بعض قراراتها، بل قد نجد الاعتبارات الثلاث قد وقع التعرّض لها مجتمعة أثناء النظر في نفس القرار أو في نفس مشروع القانون المشوب بعدم الدستورية. ولنا كمثال على ذلك ما وقع طرحه بمناسبة المصادقة على مشروع القانون الأساسي عدد 30/2016 المتعلق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة حيث وقع الطعن في عدم دستورية بعض الأحكام الخاصة بهذا المشروع، وقد صدر قرار الهيئة بشأن ذلك في 8 أو ت 2017 تحت عدد 04/2017 ،وقرّرت فيه "قبول الطّعن شكلا وفي الأصل الحكم بعدم دستوريّة الفصل 33 وما تبعه من تنصيص عليه بالفصلين 11 و24 من مشروع القانون الأساسي عدد 30-2016 المتعلّق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة ورفض الطّعن في ما عداه".وقد نشر هذا القرار بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد65 المؤرخ في 15 أوت 2017، وتمّ خلال نفس الفترة إحالة هذا القرار على مجلس نواب الشعب الذي كان أثناء تلك المدة في عطلة نيابية مما تطلّب ضرورة الانتظار إلى غاية حلول شهر أكتوبر والانتهاء من عملية تنصيب لجنة التشريع العام التي عقدت أول اجتماع لها يوم 23 من ذلك الشهر ،للبدء في دراسة قرار الهيئة . ورغم ما قامت به اللجنة من مجهودات في بداية مناقشتها لهذا القرار منذ اليوم الموالي لتنصيبها أي يوم 24 أكتوبر 2017 حيث بدأت في الاستماع بشأنه إلى خبراء في القانون الدستوري ، ورغم المصادقة على مشروع القانون بقراءة ثانية في الجلسة العامة بتاريخ 27 أكتوبر أي في ظرف زمني وجيز، إلا أن ذلك لم يمنع أنّ هذا القرار قد بقي بدون إجابة طيلة الفترة المتراوحة بين منتصف شهر أوت ونهاية شهر أكتوبر من نفس السنة. ومن جهة أخرى فقد قررت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بمقتضى قرارها عدد 09/2017 بتاريخ 23 نوفمبر 2017 أنّ "الصيغة المعدّلة للفصل 33 وما تبعه من تنصيص عليه بالفصلين 11 و24 كيفما تمّت المصادقة عليها بمداولة جديدة من قبل مجلس نواب الشعب بتاريخ 27 أكتوبر 2017 لم ترفع الإشكال الدستوري المنصوص عليه بقرار الهيئة عدد 04/2017 " وبذلك فقد تمت إعادة هذا المشروع لمجلس نواب الشعب لقراء ثانية بتاريخ 27 نوفمبر 2017 ، وهو ما يطرح الاشكال الذي سبق الاشارة إليه والمتعلق بإمكانية إرجاع مشاريع القوانين من طرف الهيئة للمجلس لقراءة أولى وثانية وغيرها دون تحديد لذلك خاصة إذا كان السبب الذي عاد من أجله مشروع القانون غير واضح، وهو ما حصل فعلا في هذا القرار الذي تبين بمناسبة دراسته من قبل لجنة التشريع العام أنه كان مشوبا بالكثير من الغموض مما جعل اللجنة تحاول فهمه من خلال عقدها لسلسلة من الجلسات بتاريخ 05 و06 و07 و08 ديسمبر 2017 تداولت خلالها في الأسباب التي قد تكون الدافع الأساسي لرد هذا المشروع من طرف الهيئة لقراءة ثانية. وخلال جلسة يوم 05 ديسمبر 2017 تمت إثارة نقاش معمّق بين أعضاء اللجنة الذين انقسمت آراؤهم على النحو التالي: ü رأي أوّل اتّجه إلى فهم قرار الهيئة في اتجاه ضرورة التخلّي عن الفصل 33 وحذف ما تبعه من تنصيصات بالفصول 11 و24 باعتبار أنّ الإبقاء على هذا الفصل، ولو بصيغة معدّلة ومغايرة ، يمكن أن يؤدّي إلى عدم دستوريته مرّة أخرى. ü رأي آخر اتّجه إلى ضرورة الإبقاء على الرقابة المسلّطة على هذه الهيئات من قبل السلطة التشريعية مع منحها الضمانات الكافية حتى لا يتمّ المساس من استقلاليتها، وبالتالي تعديل الفصل بما يتماشى مع ذلك بإيجاد صيغة لهذه الرقابة. وقد واصلت اللجنة خلال جلساتها أيام 06 و 07 و 08 ديسمبر 2017 النظر في قرار الهيئة وذلك بحضور ممثّلين عن وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان باعتبارها جهة المبادرة. و تولّت جهة المبادرة خلال جلسة 06 ديسمبر 2017 اقتراح صيغة معدّلة للفصول 11 و 24 و 33. و أوضحت في هذا الإطار أنّ هذا المقترح يهدف إلى الاستجابة لرأي الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بخصوص التّفرقة بين الجهة المبادرة بطلب الإعفاء والجهة المقرّرة له، و أيضا إعطاء الإمكانية لمجلس نواب الشعب في صورة رفض الهيئة القيام بواجباتها تجاه القائمين بالاخلالات بأن يتدخّل ليمارس صلاحياته الدستورية في مساءلة هذه الهيئات وذلك بطريقة تضمن المحافظة على استقلاليتها. وقد تواصلت مناقشة هذه الصّيغة من طرف أعضاء اللجنة خلال تلك الجلسة وجلستي يومي 07 و 08 ديسمبر 2017. إثر ذلك أحالت اللجنة تقريرها والصيغة المقترحة على الجلسة العامة التي انعقدت بتاريخ 08 ديسمبر 2017، والتي قرّرت بعد التداول بشأن تقرير اللجنة المتعلق بقرار الهيئة أن يقع إرجاعه إلى لجنة التشريع العام لمزيد التعمّق في دراسة القرار المذكور.وهنا تجدر الاشارة إلى أنّ اللجنة كانت قد أحالت تقريرها الى الجلسة العامة قبل أن تتوصل إلى الصياغة المثلى للفصول موضوع الطعن كما يفترض أنّ الهيئة تريدها، وذلك حتى لا تتجاوز الأجل المنصوص عليه بالفصل 23 الذي يفرض ضرورة "التداول" ثانية في المشروع طبقا لقرار الهيئة في أجل "عشرة أيام من تاريخ الإحالة"، وقد وقع في ذلك تأويل المقصود بالتداول الوارد بالفصل 23 أنه إحالة مشروع القانون إلى الجلسة العامة لمناقشته ، وهو ما حصل فعلا حيث انعقدت الجلسة العامة بتاريخ 08 ديسمبر 2017 وقررت بعد التداول بشأنه إعادته إلى اللجنة لمزيد التعمق في دراسته. وهو ما يعني بالتالي أن مجلس نواب الشعب استفاد من غموض عبارة "التداول" المذكورة في القانون المنظم لعمل الهيئة ليؤولها على أن المقصود بها هو مجرد عرض المشروع في صيغته الجديدة على الجلسة العامة التي عليها أن تبدأ في مناقشته، دون أن يمنعها ذلك من إعادته الى اللجنة لتتعمق في دراسته بكل أريحية ودون تقيد في ذلك بأي آجال تذكر. ولذلك فقد عقدت لجنة التشريع العام جلسة يوم 03 جانفي 2018 بحضور ممثّل عن جهة المبادرة تمّ خلالها التعمق في دراسة مقترحات التعديل، وقد طرحت خلالها العديد من الآراء المختلفة والمتناقضة،وأمام الاختلاف في الآراء بين ممثّلي الكتل النيابية داخل اللجنة تمّ اللجوء إلى التصويت حيث قرّرت اللجنة بأغلبية أعضائها الحاضرين إحالة نفس الصيغة التي صادقت عليها سابقا إلى الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب من جديد. إثر ذلك أعادت الجلسة العامة النظر في ذلك المشروع في عدة جلسات خلال أشهر جانفي وماي و جويلية 2018 ،وقد تخلل هذه الجلسات عدة مناسبات تمت فيها إعادة المشروع من جديد الى اللجنة التشريعية أو إلى لجنة التوافقات قبل أن يقع التوصل بالجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 11 جويلية 2018 الى التصويت على صياغة جديدة للفصلين 11 و 24 وإسقاط الفصل 33 من مشروع القانون. وبذلك فان قرار الهيئة قد أحيل الى مجلس نواب الشعب بتاريخ 23 نوفمبر 2017 ولم يقع الحسم بشأنه وإعادته إلى الهيئة إلا بعد 11 جويلية 2018 مما يعني أنّ الأمر قد استغرق أكثر من سبعة أشهر، وكلّ ذلك بسبب تأويل عبارة "التداول" في اتجاه معيّن يبدو أنّ الهيئة قد قبلته ضمنيا لأنها لم ترفض الصياغة المقدّمة من مجلس نواب الشعب وتمت إحالة المشروع للختم ثمّ صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 66 المؤرخ في 17 أوت 2018 القانون الأساسي عدد 47 لسنة 2018 المؤرخ في 7 أوت 2018 المتعلق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة. وهكذا يتضح من خلال هذا المثال أن غموض عبارة "التداول" الواردة بالفصل 23 من قانون الهيئة وتأويلها من طرف مجلس نواب الشعب في اتجاه معيّن قد ساهما بصفة فعلية في تعطيل إصدار بعض القوانين الهامة رغم الحاجة الملحة للمصادقة عليها ودخولها حيز النفاذ في أقرب وقت ممكن .ولعل الفرصة كانت سانحة أمام المشرع لتجاوز مثل هذه التأويلات من خلال سنه للقانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية ، غير أن العكس هو الذي حصل حيث حافظ بالفصل 52منه على نفس العبارة مبيّنا أنه " ...في صورة قضاء المحكمة بعدم دستورية مشروع القانون كليا أو جزئيا، تتولى إحالته فورا مصحوبا بقرارها إلى رئيس الجمهورية الذي يحيله إلى مجلس نواب الشعب للتداول فيه ثانية طبقا لقرار المحكمة في أجل أقصاه ثلاثين يوما من تاريخ الإحالة. وعلى رئيس الجمهورية قبل ختمه إرجاعه إلى المحكمة للنظر في دستوريته..." . فهل يمكن الجزم بأن المشرع ارتأى الحفاظ على نفس العبارة حتى لا يفرض على نفسه آجالا ضيقة لدراسة القرارات الخاصة بعدم دستورية مشاريع القوانين أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون مجرد سهو قد تكون عواقبه وخيمة على مستوى بطء الفصل في المسائل المتعلقة بعدم الدستورية، وهي لا يمكن بأية حال أن تكون الغاية المنشودة من طرف المشرع.