المدرسة الابتدائية سيدي احمد زروق: الدور النهائي للانتاج الكتابي لسنوات الخامسة والسادسة ابتدائي.    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تعزيز جديد في صفوف الأهلي المصري خلال مواجهة الترجي    طبرقة: المؤتمر الدولي لعلوم الرياضة في دورته التاسعة    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    أقسام ومعدّات حديثة بمستشفى القصرين    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    اليوم.. انقطاع الكهرباء بمناطق في هذه الولايات    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    تخص الحديقة الأثرية بروما وقصر الجم.. إمضاء اتفاقية توأمة بين وزارتي الثقافة التونسية و الايطالية    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الفيفا يهنئ الترجي ع بمناسبة تاهله لمونديال الاندية 2025    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء: بين مطرقة النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب وسندان العلويّة الدّستوريّة
نشر في حقائق أون لاين يوم 07 - 05 - 2016

"لا يجب الإقتراب والدّنو من القوانين إلاّ بأيدي مرتعشة"
شارل مونتسكيو
مرّ مشروع القانون الأساسيالمتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء بمحطّات عديدة، هذا وقد إنطلق مساره التّشريعي بإحالة رئيس الحكومة بتاريخ 12 مارس 2015 لمشروع القانون الأساسي عدد 16/2015 المتعلّق بإحداث المجلس الأعلى للقضاء إلى رئيس مجلس نوّاب الشّعب الذي أحاله بدوره إلى لجنة التّشريع العامّ بالمجلس، غير أنّ هذه الأخيرة تولّت إدخال تعديلات جمّة عليه وأحالته على الجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب التي صادقت عليه بتاريخ 15 ماي 2015.
مسار محفوف بالرّقابة على الدستوريّة
تمّ الطّعن في مشروع هذا القانون بصيغته المصادق عليها أمام الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين من قبل عدد من نوّاب مجلس الشّعب، وقد قضت الهيئة المذكورة بعدم دستوريّة إجراءات عرض مشروع القانون وكذلك مضامين بعض فصوله، وانتهت بذلك إلى عدم دستوريّة مشروع القانون بموجب قرارها عدد 2-2015 بتاريخ 8 جوان 2015.
في هذا السّياق يجدر التّذكير بأنّ الهيئة أجابت ضمن قرارها المذكور على المطعن المستمدّ من خرق أحكام الفصل 62 من الدّستور، على النّحو التّالي:
"حيث ينعى الطّاعنون على لجنة التّشريع العامّ تعهّدها بمبادرة الحكومة إلاّ أنّها عوض تناول مشروع القانون المقدّم لها بالبحث والتّمحيص لإدخال الإضافات والتّحسينات اللاّزمة عليه تولّت استبعاد المشروع برمّته وقامت بصياغة مشروع قانون أساسي جديد يخالف تماما المشروع المقدّم لها من الحكومة خلافا لما نصّ عليه الفصل 62 من الدّستور.
وحيث اقتضى الفصل 62 من الدّستور أنّه "تمارس المبادرة التّشريعيّة بمقترحات قوانين من عشرة نواب على الأقلّ أو بمشاريع قوانين من رئيس الجمهوريّة أو رئيس الحكومة ويختصّ رئيس الحكومة بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين الماليّة. ولمشاريع القوانين أولويّة النّظر".
وحيث تحصّل من مراجعة مشروع القانون الأساسي عدد 16/2015 المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء المحال من رئيس الحكومة بتاريخ 12 مارس 2015 إلى رئيس مجلس نوّاب الشّعب والمشروع المتعلّق بنفس القانون في صيغته المعدّلة المحال من لجنة التّشريع العامّ إلى الجلسة العامّة بمجلس نوّاب الشّعب ملاحظة الاختلاف البيّن في تصوّر المشروعين في مضمونهما من حيث عدد الفصول المدرجة بهما وفي تركيبة الهياكل القضائيّة بالمجلس والمهام والصّلاحيّات الموكولة لها ضرورة أنّ المشروع المحال على الجلسة العامّة لم يقتصر على إدخال وإضافة إلى مشروع الحكومة التّعديلات والتّحويرات التي تقتضيها موجبات الصّياغة أو ضرورة الملاءمة الدّستوريّة فقط بل أدخل تغييرات جوهريّة نالت من كيان المقوّمات الأساسيّة القائمة عليها خيارات الحكومة في تحديد ماهية وكنه توجّهاتها في إرساء المجلس الأعلى للقضاء.
وحيث يبدو والحالة ما ذكر بادي الوضوح أنّ هذا المنحى الواقع توخّيه في تعهيد الجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب للنّظر في مشروع القانون الأساسي المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء لم يراع فيه وجوب المحافظة على عرض مشروع الحكومة بوصفها صاحبة المبادرة التّشريعيّة في هذا الغرض حسب التوجّه والتصوّر المحدّد من قبلها تطبيقا لمقتضيات الفصل 62 من الدّستور ولا جواز لأيّة جهة كانت مناهضة هذه القاعدة الدّستوريّة التي تحظى بعلويّة مطلقة وأضحى من هذا المنظور الطّعن متّجه القَبُول".
وانتهت الهيئة في ذلك القرار إلى القضاء "(...) عملا بمقتضيات الفصلين 20 و23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 بقبول الطّعن شكلا وفي الأصل بعدم دستوريّة إجراءات مشروع القانون الأساسي عدد 16-2015 المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء لمخالفة الفصل الثّاني من القانون الأساسي عدد 13 المؤرّخ في 2 ماي 2013 كعدم دستوريّة عرض مشروع القانون المذكور على الجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب والفصول الرّابع (4) والعاشر (10) والحادي عشر (11) والثّاني عشر (12) والسّابع عشر (17) والثّاني والأربعين (42) والثّالث والأربعين (43) والستّين (60) والواحد والثّمانين (81)".
إثر ذلك أحالت الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين على رئيس الجمهوريّة مشروع القانون الأساسي عدد 16-2015 المتعلّق بإحداث المجلس الأعلى للقضاء مُرفقا بقرارها عدد 2-2015، ليحيلهما بدوره على مجلس نوّاب الشّعب قصد استكمال واتمام اجراءات المصادقة وذلك بالتّداول في مشروع القانون المحال طبق قرار الهيئة، إذ تقتضي أحكام الفصل 23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين أنّه "إذا قضت الهيئة بدستوريّة مشروع القانون يُحال إلى رئيس الجمهوريّة لختمه أو ردّه حسب الحالة. إذا قضت الهيئة بعدم دستوريّة مشروع القانون يُحال مصحوبا بقرار الهيئة إلى رئيس الجمهوريّة الذي يُحيله إلى المجلس الوطني التّأسيسي أو مجلس نوّاب الشّعب للتّداول فيه ثانية طبقا لقرار الهيئة في أجل عشرة أيّام من تاريخ الإحالة، وعلى رئيس الجمهوريّة قبل ختمه إرجاعه إلى الهيئة للنّظر في دستوريّته. وإذا قضت الهيئة بعدم دستوريّة حكم أو أكثر من أحكام مشروع القانون ورأت أنّه يمكن فصله من مجموعه تحيل مشروع القانون إلى رئيس الجمهوريّة طبق الفقرة الأولى باستثناء ما صرّح بعدم دستوريّته فإنّه يحال طبق أحكام الفقرة 2 من هذا الفصل. في صورة انقضاء الأجل المقرّر بالفصل 21 دون إصدار الهيئة قرارها تكون ملزمة بإحالة المشروع فورا إلى رئيس الجمهوريّة".
من المفيد كذلك الإشارة في هذا السّياق بأنّ إجراءات الختم الرّئاسي والنّشر بالرّائد الرّسمي تُعطَّل بموجب الطّعن بعدم الدستوريّة إلى حين توصّل رئيس الجمهوريّة بقرار الهيئة القاضي بدستوريّة مشروع القانون المذكور اقتضاء بأحكام الفصل 24 من القانون الأساسي آنف الذّكر التي تقتضي أنّه "يترتّب عن الطّعن بعدم الدستوريّة قطع أجل الختم والنّشر إلى حين توصّل رئيس الجمهوريّة بقرار الهيئة القاضي بدستوريّة مشروع القانون".
بمناسبة إعادة عرض مشروع القانون أما لجنة التّشريع العام لمجلس نوّاب الشّعب، وجّه رئيس الحكومة إلى رئيس مجلس نوّاب الشّعب مراسلة بتاريخ 10 سبتمبر 2015 تضمّنت أنّ المشروع المعدّل أضحى يتماشى والمشروع المقدّم من طرف الحكومة ويستجيب لأهدافه كما وجّه مراسلة لاحقة بتاريخ 9 نوفمبر 2015 تضمّنت طلب استكمال إجراءات المصادقة على مشروع القانون المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء.
إثر ذلك أعيد عرض مشروع القانون على الجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب المنعقدة بتاريخ 13 نوفمبر 2015، وقد تمّت المصادقة عليه وعرضه على رئيس الجمهوريّة للختم والنّشر الذي أحاله بدوره على الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين طبقا لمقتضيات الفصلين 23 و24 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014.
وقد أصدرت الهيئة قرارها عدد 3-2015 بتاريخ 22 ديسمبر 2015 الذي انتهت فيه إلى الآتي:
"حيث تبيّن من مراجعة مشروع القانون الأساسي المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء في صيغته الجديدة المصادق عليها بمداولة جديدة من قبل مجلس نوّاب الشّعب أنّه لم يقع مراعاة والأخذ بعين الاعتبار ما أقرّته الهيئة بوجوب عرض مشروع قانون الحكومة الصّادر بتاريخ 12 مارس 2015 على الجلسة العامّة للتّداول بشأنه.
وحيث إنّ المراسلة المؤرّخة في 10 سبتمبر 2015 والموجّهة من طرف رئيس الحكومة إلى رئيس مجلس نوّاب الشّعب والمتضمّنة أنّ المشروع المعدّل أضحى يتماشى والمشروع المقدّم من طرف الحكومة ويستجيب لأهدافه والمراسلة اللاّحقة بتاريخ 9 نوفمبر 2015 والموجّهة من رئيس الحكومة إلى رئيس مجلس نوّاب الشّعب والوارد بها طلب استكمال إجراءات المصادقة على مشروع القانون ليس من شأنهما إصلاح ما تعلّق من خلل بخصوص إجراء جوهري كرّسته القاعدة الدستوريّة الواردة بالفصل 62 من الدّستور يتعيّن مراعاتها.
ولهذه الأسباب وتأسيسا على ما سبق بيانه: وعملا بمقتضيات الفصل 23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 قضت الهيئة بعدم دستوريّة إجراءات مشروع القانون الأساسي المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء المصادق عليه بمداولة جديدة من قبل مجلس نوّاب الشّعب".
ومن ثمَّ، واعمالا لمقتضيات الفصل 23 من قانونها الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014، أحالت الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين على رئيس الجمهوريّة للمرّة الثّانية على التّوالي مشروع القانون الأساسي عدد 16-2015 المتعلّق بإحداث المجلس الأعلى للقضاء مُرفقا بقرارها عدد 3-2015، ليحيلهما بدوره على مجلس نوّاب الشّعب قصد استكمال واتمام اجراءات المصادقة وذلك بالتّداول في مشروع القانون المحال طبق قرار الهيئة، وعليه تولّى رئيس مجلس نوّاب الشّعب بدوره عرض مشروع القانون في نسخته الأولى المصادق عليها من مجلس الوزراءعلى لجنة التّشريع العام، على أن تقتصر على إدخال وإضافة التّعديلات والتّحويرات التي تقتضيها موجبات الصّياغة أو ضرورة الملاءمة الدّستوريّة مع مقتضيات الدّستور وقراري الهيئة، إلاّ أنّ اللّجنة المذكورة قرّرت بتاريخ 12 مارس 2016 طبقا للفصل 124 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب رفض المشروع وعدم مناقشته وإحالته للجلسة العامّة لعدم دستوريّة جلّ أحكامه وبالأخصّ لمخالفة ما ورد بالفصل 66 منه مقتضيات الفصل 112 من دستور جانفي 2014.
وقد انتهت في تقريرها المذكور إلى التّالي:
"اعتبر أغلب أعضاء اللّجنة أنّ المشروع المعروض خالف في جلّ فصوله عدّة أحكام دستوريّة متعلّقة خاصّة بالنّسبة لتركيبتهوهياكله. أكّد أغلب أعضاء اللّجنة أنّ الفصل 112 من الدّستور في فقرته الأولى نصّ على أنّ المجلس الأعلى للقضاء يتكوّن من أربعة هياكل وهي: مجلس القضاء العدلي، ومجلس القضاء الإداري، ومجلس القضاء الماليوالجلسة العامّةللمجالس القضائيّة الثّلاثة، في حين جاء بمشروع القانون إحداث هياكل أخرى بالإضافة إلى الهياكل الأربعة وردت في الفصل 66 من المشروع وذلك في مخالفة صارخة لأحكام الفصل 112 من الدّستور".
من المفيد التّذكير في هذا الإطار بأنّ الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين سبق لها وأن بتّت في تلك المسألة المتعلّقة بتركيبة وعدد هياكل المجلس الأعلى للقضاء كما حدّدت وضبطت نطاق الملاءمة الدستوريّة، إذ قضت في قرارها عدد 2-2015 بتاريخ 8 جوان 2015 بالتّالي:
"حيث وجّه الطّاعنون إلى الفصلين 42 و43 من المشروع جملة من المآخذ تمحورت بالخصوص حول إحداث هيكل غير دستوري يتوفّر على اختصاص غير دستوري متمثّل في رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي أسندت له اختصاصات تقريريّة كالتّرشيح الحصري والتّأشير على قرارات المجالس القضائيّة الثّلاثة في المسائل المتعلّقة بالمسار المهني والتّأديب.
وحيث يرى الطّاعنون بهذا الخصوص أنّ مشروع القانون يكون قد أحدث بذلك هيكلا خامسا لم يرد ذكره ضمن الفقرة الأولى من الفصل 112 من الدّستور علاوة على ذلك فإنّ الاختصاصات التي أسندها الدّستور إلى المجلس الأعلى للقضاء هيّ اختصاصات مستندة بطبيعتها إلى الجلسة العامّة للمجالس القضائيّة الثّلاثة دون سواها من هياكل المجلس الأعلى للقضاء باعتبارها هيكلا جامعا يجسّد وحدة المجلس الأعلى للقضاء تلاؤما مع منطوق الدّستور وروحه كإسنادها الاختصاصات المتعلّقة بضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله دون غيرها من الجهات الأخرى كالإشراف على مراحل انتداب القضاة وتكوينهم والإشراف على المحاكم وعلى مركز الدّراسات القانونيّة وديوان وتعاونيّة القضاة ونظام تأجيرهم ووضع التّدابير المتعلّقة بمسارهم المهني وإعداد الميزانيّة وإعداد التّقرير السّنوي ومناقشته.
وحيث يتبيّن من قراءة الباب الثّالث من المشروع والمتعلّق باختصاصات المجلس الأعلى للقضاء أنّه وقع تخصيص القسم الأوّل منه إلى صلاحيات رئيس المجلس والقسم الثّاني منه إلى صلاحيّات الجلسة العامّة والقسم الثّالث منه إلى صلاحيّات المجالس القضائيّة الثّلاثة.
وحيث شاب فعلا هذه الأحكام من مشروع القانون غموض ممّا جعلها قابلة للتّأويل الذي قد يؤدّي إلى مواقف متناقضة في فهم النصّ.
وحيث إنّ ضرورة وضوح النصّ القانوني تستدعي تحرير أحكام المشروع وفق مقتضيات الدّستور المتعلّقة بالسّلطة القضائيّة وبالخصوص مقتضيات الفصل 112 المتعلّقة بالمجلس الأعلى للقضاء وهياكله المتمثّلة في مجلس القضاء العدلي ومجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي والجلسة العامّة للمجالس القضائيّة الثّلاثة مع تحديد صلاحيّات كلّ هيكل على حدة وفق مقتضيات الدّستور وروحه.
وحيث يتعيّن تأسيسا على ما سبق بيانه قبول المطعنين الماثلين لعدم دستوريّة الفصلين 42 و43 من المشروع المنتقد من هذه النّاحية".
في هذا النّطاق، وبالرّجوع إلى قرار لجنة التّشريع العامّ المؤرّخ في 12 مارس 2016 يتبيّن أنّه"بعد النّقاش والتّداول وبناء على ما تضمّنه المشروع من عدّة فصول مخالفة للدّستور أجمع أعضاء اللّجنة على رفض مشروع القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2015 المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء وذلك استنادا للفصل 124 من النّظام الدّاخلي الذي يخوّل للّجنة رفض مشروع القانون، وتبقى للجلسة العامّة مطلق الصّلاحيّة لقَبُول مناقشة فصول المشروع من عدمها. قرّرت اللّجنة بإجماع أعضائها الحاضرين رفض مشروع القانون الأساسي عدد 16/2015 المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء واحالته للجلسة العامّة".
استنكرت الهياكل الممثّلة للقضاء هذا التمشّي واعتبرته التفافا على المسار الإجرائي الدّستوري لمشروع القانون وتلاعبا إجرائيّا بمشروع الحكومة الأصلي بهدف تمرير تعديلات اللّجنة بمناسبة الجلسة العامّة، وأصدرت الهيئة الوقتيّة للاشراف على القضاء العدلي رأيا استشاريّا بتاريخ 23 مارس 2016 كما أصدرت جمعيّة القضاة التّونسيّين بيانا بنفس التّاريخ.
ومن بين النّقاط الجوهريّة المثارة، تمسّك القضاة بأنّ التّداول من جديد بخصوص مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء يتعلّق في الحقيقة والقصد بتنفيذ قرار الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين وبالتّالي لا يتعلّق بمشروع قانون أو مبادرة تشريعيّة تُعرض لأوّل مرّة بما يحول دون إمكانيّة ممارسة لجنة التّشريع العامّ لبسط رقابة دستوريّة على مضامينه التي سبق وأن بتّت الهيئة فيها وكذلك عدم جواز لجوئها لحقّ رفض المشروع وإعمال إجراءات الفصل 124 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب الذي يقتضي أنّه "في صورة رفض اللّجنة مشروع أو مقترح قانون يُحال إلى الجلسة العامّة، التي تقرّر بعد تلاوة تقرير اللّجنة ومشروع القانون، بالأغلبيّة المطلوبة للمصادقة على المشروع، المرور مباشرة ودون نقاش إلى التّصويت على مبدإ مناقشة المشروع من عدمه، فإذا تمّ القَبُول، تتمّ مناقشته وفق الإجراءات العاديّة بما في ذلك مقترحات التّعديل".
جلسة عامّة صامتة "لمجلس سيّد نفسه"
بمناسبة الجلسة العامّة المنعقدة بتاريخيوم الاربعاء 23 مارس 2016، قرّر النّواب تقديم وقَبُول مقترحات التّعديلات كالمصادقة على مشروع القانون الأساسي عدد 16-2015 المتعلّق بإحداث المجلس الأعلى للقضاء طبقا للإجراءات والآجال المعمول بها بالفصول 85 و121 و124 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب، وقد آلت نتائج التّصويت إلى المصادقة بالإجماع على مشروع القانون الأساسي المذكور برمّته بموافقة 132 نائبا.
وقد تمّ، خلال جلسة التّصويت المسائيّة، إسقاط عدد كبير من الفصول، بما فيها الفصلين 52 و53 المتعلّقة بالمجالس التي تنتصب عند النّظر في تأديب القضاة وتركيبتها، والفصل 55 المتعلّق بتعهّد المتفقّد العام للشّؤون القضائيّة بالشكايات والبلاغات والإعلامات، وأيضا الفصل 56 المتعلّق بمهام المتفقّد المكلّف، كما أسقط التّصويت الفصول 65 و67 و68 و69 المتعلّقة بمهام التفقّدية العامّة للشّؤون القضائيّة، والفصول 70 و71 و72 المتعلّقة بميزانيّة المجلس.
وتمّ كذلك إسقاط الفصل 73 الذي يحدّد رئيس المجلس كآمر رئيسي بصرف المخصّصات المفتوحة لهذا الهيكل، بالإضافة إلى إسقاط فصول الأحكام الانتقاليّة عدد 75 و76 و77 و78 و79 و80 بدورها، وهي تتعلّق بإحداث لجنة وطنيّة بصورة وقتيّة إلى حين إرساء المجلس الأعلى للقضاء، تتولّى الإشراف على الانتخابات الأولى لأعضاء المجالس القضائيّة وتحديد تركيبتها.
علاوة على ذلك، أفضت الجلسة العامّة إلى إدخال تعديلات جمّة على فصول مشروع القانون الأساسي، كما أضافت إليه 12 فصلا جديدا تمّت المصادقة عليها تباعا إثر التّصويت على الفصل 85.

القضاة ينفّذون وقفة صمت
أعلن القضاة تمسّكهم بقرارات الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين ومقتضيات قانونها الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014، سيما وأنّ أحكام الفصل 21 من القانون الأساسي المذكورالمتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين تقتضي أنّ "قرارات الهيئة ملزمة لجميع السّلطات"، هذا وقد أصدرت الهيئة الوقتيّة للقضاء العدلي المجتمعة بجلستها العامّة المنعقدة بتاريخ 30 مارس 2016 بيانا أبدت فيه ملاحظاتها "بعد وقوفها على ملابسات المصادقة على مشروع القانون الأساسي المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء من قبل الجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب بتاريخ 24 مارس 2016"، كما عقد رؤساء الكتل النيابيّة بالبرلمان اجتماعا مغلقا بتاريخ 31 مارس 2016 لتباحث المراسلة المتضمّنة لملاحظات الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين حول قانون المجلس الأعلى للقضاء التي أحالتها الدّائرة القانونيّة برئاسة الجمهوريّة على أنظار المجلس.
في نفس السّياق عقدت جمعيّة القضاة التّونسيّين ندوة صحفيّة يوم الجمعة 1 أفريل 2016 تمّ خلالها عرض مذكّرة تفصيليّة في الاخلالات الدّستوريّة التي شابت وعابت إجراءات التّداول والمصادقة على مشروع القانون المذكور، كما نفّذ القضاة وقفة صمت بتاريخ 5 أفريل 2015 احتجاجا وتنديدا بمسار المصادقة على مشروع القانون.
إضافة إلى ما سبق تبيانه من أنّ تعهّد لجنة التّشريع العامّ بمشروع القانون الأساسي المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء في هذه المرحلة هو تعهّد بتنفيذ قرار هيئة الرّقابة على دستوريّة مشاريع القوانين من حيث الشّكل ومن حيث الأصل ولا يؤهّلها لتسليط أيّ رقابة على دستوريّة مشروع القانون بما في ذلك صلاحيّة رفضه طبقا للفصل 124 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب، وعلاوة على الملحوظات التي تخصّ الأصل ومن بينها مسألة إخضاع التفقّديّة العامّة للشؤون القضائيّة لإشراف المجلس الأعلى للقضاء، والإشراف على مراحل انتداب القضاة وتكوينهم والإشراف على المحاكم وعلى مركز الدّراسات القانونيّة وديوان وتعاونيّة القضاة ونظام تأجيرهم ووضع التّدابير المتعلّقة بمسارهم المهني، أو مسألة تخصيص وحصر الأعضاء المستقلّين في جهة معيّنة دون غيرهم، يجوز تجميع الملحوظات الشّكليّة والإجرائيّة في النّقاط الآتية:

أوّلا: من حيث بطلان شكليّات وإجراءات أشغال لجنة التّشريع العام لمخالفتها أحكام الفصلين 21 و23 من القانون الأساسيعدد 14 لسنة 2014 المؤرّخفي 18 أفريل 2014المتعلّقبالهيئةالوقتيّةلمراقبةدستوريّة مشاريعالقوانين
1- بالنّظر للطّبيعة القانونيّة لمشروع القانون بما أنّه "محال" على مجلس نوّاب الشّعب من رئيس الجمهوريّة طبقا لمقتضيات الفصل 23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين فإنّ الإجراءات القانونيّة المتّبعة في عمليّة المداولة بشأنه تحول دون إمكانيّة إعمال لجنة التّشريع العامّ بمجلس نوّاب الشّعب لمقتضيات الفصل 124 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب التي تخوّل لها إمكانيّة رفض مشاريع ومقترحات القوانين.
2- مخالفة تقرير لجنة التّشريع العامّ بمجلس نوّاب الشّعب «حول مشروع القانون الأساسي عدد 16/2015 المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء» المؤرّخ في 12 مارس 2016 والمنشور على الموقع الإلكتروني للمجلس في 14 مارس 2016، لمقتضيات الفصل 21 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين فيما اقتضاه من أنّ "قرارات الهيئة ملزمة لجميع السّلطات"، ذلك أنّ اللّجنة رفضت مشروع القانون المذكور لعدم دستوريّة الفصل 66 منه بإحداثه الهياكلأخرى بالإضافة إلى الهياكل الأربعة موضوع الفصل 112 من الدّستور، في حين أنّ الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين سبق وأن بتّت في ذلك بموجب قرارها عدد 2-2015 المؤرّخ في 8 جوان 2015 بالنّقطة 21 منه وقضت بأنّه "يتبيّن من قراءة الباب الثّالث من المشروع والمتعلّق باختصاصات المجلس الأعلى للقضاء أنّه وقع تخصيص القسم الأوّل منه إلى صلاحيات رئيس المجلس والقسم الثّاني منه إلى صلاحيات الجلسة العامّة والقسم الثّالث منه إلى صلاحيات المجالس القضائيّة الثّلاثة. وحيث شاب فعلا هذه الأحكام من مشروع القانون غموض ممّا جعلها قابلة للتّأويل الذي قد يؤدّي إلى مواقف متناقضة في فهم النصّ. وحيث إنّ ضرورة وضوح النصّ القانوني تستدعي تحرير أحكام المشروع وفق مقتضيات الدّستور المتعلّقة بالسّلطة القضائيّة وبالخصوص مقتضيات الفصل 112 المتعلّقة بالمجلس الأعلى للقضاء وهياكله المتمثّلة في مجلس القضاء العدلي ومجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي والجلسة العامّة للمجالس القضائيّة الثّلاثة مع تحديد صلاحيات كلّ هيكل على حدة وفق مقتضيات الدّستور وروحه".

ثانيا: من حيث بطلان شكليّات وإجراءات أشغال لجنة التّشريع العام لمخالفتها أحكام الفصلين 83 و85 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب
1-مخالفة أحكام الفصل 83 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب فيما اقتضته من ضرورة تدوين محاضر جلسات اللّجنة ونشرها.
2- مخالفة أحكام الفصل 85 فيما اقتضته من ضرورة اعداد تقرير اللّجنة واحالته على مكتب المجلس لإدراجه في جدول أعمال الجلسة العامّة، ونشره مرفقا بالمشروع على الموقع الالكتروني للمجلس بعد مصادقة اللّجنة على التّقرير وقبل إثني عشر يوم عمل على الأقلّ من البدء بمناقشته في الجلسة العامّة.

ثالثا: من حيث بطلان شكليّات وإجراءات عرض مشروع القانون على الجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب لمخالفتها أحكام الفصول 85 و121 و124 من نظامه الدّاخلي
1-مخالفة أحكام الفصل 121 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب فيما اقتضته من أن تقدّم مقترحات التّعديل المتعلّقة بمشروع قانون إلى مكتب اللّجنة المعنيّة في أجل أقصاه أربعة أيّام من نشر المشروع والتّقرير على الموقع الالكتروني للمجلس دون اعتبار يوم النّشر.
2- مخالفة أحكام الفصل 121 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب فيما اقتضته من أن يتولّى مكتب اللّجنة ترتيب مقترحات التّعديل وتبويبها في أجل لا يتجاوز ثمانية أيّام من تاريخ نشر المشروع والتّقرير على الموقع الالكتروني للمجلس دون اعتبار يوم النّشر، وكذلك نشر حصيلة مقترحات التّعديل على الموقع الكتروني للمجلس.
3- مخالفة أحكام الفصل 121 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب فيما اقتضته من وجوب احترام آجال الفصل 85 وأن لا يتمّ استبعادها لاعتماد آجال مختصرة سوى إذا كان مشروع القانون موضوع طلب استعجال نظر وقدّر مكتب المجلس اعتماد آجال مختصرة بشأنه وقَبُول تقديم مقترحات التّعديل حتّى ختم النّقاش العامّ.
4-مخالفة الآجال الواردة بالفصلين 85 و121 بما أنّه لا يجوز تقديم مقترحات التّعديل بعد انقضاء الآجال المحدّدة لذلك إلاّ من قبل ممثّل المبادرة، وتعرض في هذه الحالة التّعديلات على التّصويت دون نقاش.

رابعا: من حيث بطلان شكليّات وإجراءات المصادقة على مشروع القانون بالجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب لمخالفتها أحكام الفصول 121 و124 من نظامها الدّاخلي ولأحكام الفصلين 21 و23 من القانون الأساسيعدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين
1- إنّ الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين قضت بموجب القرار عدد 2 المؤرّخ في 8 جوان 2015 "بعدم دستوريّة عرض مشروع القانون الأساسي عدد 16/2015 المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء على الجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب"، كما انتهت بموجب قرارها عدد 3 المؤرّخ في 22 ديسمبر 2015 إلى أنّه "عملا بمقتضيات الفصل 23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 قضت الهيئة بعدم دستوريّة إجراءات مشروع القانون الأساسي المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء المصادق عليه بمداولة جديدة من قبل مجلس نوّاب الشّعب".
2- بالنّظر للطّبيعة القانونيّة لمشروع القانون "المُحال" على الجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب فإنّ الإجراءات القانونيّة المتّبعة في عمليّة المصادقة تحول دون إمكانيّة لجوء لجنة التّشريع العامّ والجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب إلى مقتضيات الفصل 124 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب الذي ينصّ على أنّه "في صورة رفض اللّجنة مشروع أو مقترح قانون يحال إلى الجلسة العامّة، التي تقرّر بعد تلاوة تقرير اللّجنة ومشروع القانون، بالأغلبيّة المطلوبة للمصادقة على المشروع، المرور مباشرة ودون نقاش إلى التّصويت على مبدإ مناقشة المشروع من عدمه، فإذا تمّ القَبُول، تتمّ مناقشته وفق الإجراءات العاديّة بما في ذلك مقترحات التّعديل".
3-مخالفةالجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب لمقتضيات الفصل 124 من النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب التي تنصّ على أنّه"لا يصحّ شكلا تقديم مقترح في حذف فصل".
4- إنّ جلسة المصادقة تتعلّق بمشروع قانون أساسي "مُحال" على مجلس نوّاب الشّعب من رئيس الجمهوريّة طبقا لمقتضيات الفصل 23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين الذي ينصّ على أنّه "إذا قضت الهيئة بعدم دستوريّة مشروع القانون يحال مصحوبا بقرار الهيئة إلى رئيس الجمهوريّة الذي يحيله إلى المجلس الوطني التّأسيسي أو مجلس نوّاب الشّعب للتّداول فيه ثانية طبقا لقرار الهيئة في أجل عشرة أيّام من تاريخ الإحالة، وعلى رئيس الجمهوريّة قبل ختمه إرجاعه إلى الهيئة للنّظر في دستوريّته"، علما أنّ إجراءات الختم الرّئاسي والنّشر بالرّائد الرّسمي تُعطَّل بموجب الطّعن بعدم الدستوريّة إلى حين توصّل رئيس الجمهوريّة بقرار الهيئة القاضي بدستوريّة مشروع القانون المذكور اقتضاء بأحكام الفصل 24 من القانون الأساسي آنف الذّكر التي تقتضي أنّه "يترتّب عن الطّعن بعدم الدستوريّة قطع أجل الختم والنّشر إلى حين توصّل رئيس الجمهوريّة بقرار الهيئة القاضي بدستوريّة مشروع القانون".
5-مخالفة الفصل 21 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين فيما اقتضاه من أنّ "قرارات الهيئة ملزمة لجميع السّلطات".

صمت القوانين أو من أسقط قانون المجلس الأعلى للقضاء وإلى أيّ مآل ؟
وأخيرا وليس آخرا، أعلنت الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين في بلاغ لها يوم الجمعة 22 أفريل 2016 أنّها أحالت إلى رئيس الجمهوريّة مشروع القانون الأساسي المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء في صيغته المعتمدة بالجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب بتاريخ يوم 23 مارس 2016.
وأوضحت الهيئة الوقتيّة المذكورة ببلاغها أنّها اتّخذت هذا القرار بعد عقد جلستها للنّظر في مشروع القانون وذلك لعدم حصول الأغلبيّة المطلقة طبقا لما تقتضيه أحكام الفصل 21 من قانونها الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 التي توجب أن "تتّخذ الهيئة قراراتها بالأغلبيّة المطلقة لأعضائها في أجل عشرة أيّام قابلة للتّمديد بقرار معلّل مرّة واحدة لمدّة أسبوع.تكون قرارات الهيئة معلّلة وتصدر باسم الشّعب وتنشر بالرّائد الرّسمي للجمهوريّة التونسيّة في أجل أسبوع من إصدار القرار.قرارات الهيئة ملزمة لجميع السّلطات".
تجدر الإشارة إلى أنّه ولئن تقرّر إحالة المشروعإلى رئيس الجمهوريّة فإنّ ذلك لم يكن لفوات آجال البتّ أو بعدوقوع ذلك البتّ، وإنّما لتعذّر التوصّل إلى الأغلبيّة المطلقة للنّظر والبتّ في دستوريّة المشروع من عدمها وإصدار قرار في الغرض، بما يفيد بالضّرورة أنّ الهيئة لم تفرز على الأقلّ 4 أصوات من 6 أصوات، إذ أنّها تتكوّن حسب مقتضيات الفصل 4 من قانونها الأساسي من 3 قضاة معيّنين بصفتهم و3 من ذوي الإختصاص القانوني المعيّنين تباعا وبالتّساوي بينهم من كلّ من رئيس المجلس الوطني التّأسيسي أو مجلس نوّاب الشّعب ورئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة، وهذا يعني منطقيّا أنّ نتيجة التّصويت انتهت بتساوي الأصوات.
أردف القضاة بلاغ الهيئة الوقتيّة ببيانات طالبوا ضمنها رئيس الجمهوريّة بردّ مشروع القانون إلى مجلس نوّاب الشّعب للمداولة فيه طبقا لمقتضيات الفصل 23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين بما أنّ هذه الأخيرة لم تتّخذ قرارا في الدّستوريّة بما يحول دون ختم رئيس الجمهوريّة للقانون ونشره بالرّائد الرّسمي للجمهوريّة التّونسيّة.
إلاّ أنّ الإشكال القانوني والسّؤال المطروح هنايكمن في عدم تعرّض أحكام الفصل 21 من القانون الأساسي المذكور لحالة تساوي الأصوات وصمته بخصوص ذلك، إذ لا وجود بمقتضياته لتنصيص على أنّ صوت رئيس الهيئة أو حتّى رئيس الجمهوريّة يكون مرجّحا أو لما يفيد منع اللّجوء لهذه التّقنية، علاوة على أنّ الفصل 23 من نفس القانون لم ينظّم الإجراء الواجب اتّخاذه في حالة تساوي الأصوات، بما أنّه لم يقتض الإحالة إلى رئيس الجمهوريّة إلاّ في حالتين وهما صورة البتّ في دستوريّة مشروع القانون أو فوات آجال ذلك، إذ تنصّ أحكام الفصل 23 المذكور على أنّه "إذا قضت الهيئة بدستوريّة مشروع القانون يحال إلى رئيس الجمهوريّة لختمه أو ردّه حسب الحالة.إذا قضت الهيئة بعدم دستوريّة مشروع القانون يحال مصحوبا بقرار الهيئة إلى رئيس الجمهوريّة الذي يحيله إلى المجلس الوطني التّأسيسي أو مجلس نوّاب الشّعب للتّداول فيه ثانية طبقا لقرار الهيئة في أجل عشرة أيام من تاريخ الإحالة، وعلى رئيس الجمهوريّة قبل ختمه إرجاعه إلى الهيئة للنّظر في دستوريّته.وإذا قضت الهيئة بعدم دستوريّة حكم أو أكثر من أحكام مشروع القانون ورأت أنّه يمكن فصله من مجموعه تحيل مشروع القانون إلى رئيس الجمهوريّة طبق الفقرة الأولى باستثناء ما صرّح بعدم دستوريّته فإنّه يحال طبق أحكام الفقرة 2 من هذا الفصل.في صورة انقضاء الأجل المقرّر بالفصل 21 دون إصدار الهيئة قرارها تكون ملزمة بإحالة المشروع فورا إلى رئيس الجمهوريّة".
بين صمت القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين بخصوص مسألة تساوي الأصوات ومشروع القانون الأساسي عدد 16-2015 المتعلّق بإحداث المجلس الأعلى للقضاء الممرّر في صمت دون مداولات ونقاش من مجلس نوّاب الشّعب في جلسته العامّة بتاريخ 23 مارس 2016 تبقى عديد التّساؤلات العالقة التي لا يجوز بطبيعة الحال لأعضاء الهيئة الدستوريّة الإجابة عنها لإلتزامهم "بواجب الصّمت".
إلاّ أنّ صمت البعض قابله رئيس أكبر كتلة برلمانيّة بمجلس نوّاب الشّعب بتصريح إعلاميّ مؤرّخ في 1 أفريل 2016 اتّهم فيه أعضاء الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين بالرّغبة في استدامة المؤقّت بشكل مؤبّد كما اتّهمهم بتعطيل تركيز المجلس الأعلى للقضاء ... ومحاولة المساس بالدّولة وإرادة مجلس نوّاب الشّعب في بناء مؤسّسات دستوريّة دائمة.
إضافة إلى التّجاوزات المسجّلة على مستوى الخطاب وكذلك على مستوى الاستجابة لمقتضيات النّصوص القانونيّة والقرارات القضائيّة، فإنّ تجاوزات أهمّ سجّلت على مستوى احترام النصّ الدّستوري وتعلّقت بإلتزام مجلس نواّب الشّعب بالآجال الدستوريّة في تركيز المجلس الأعلى للقضاء، ذلك أنّ الفصل 148 من دستور الجمهوريّة التّونسيّة المؤرّخ في 27 جانفي 2014 يقتضي أن يتمّ في أجل أقصاه ستّة أشهر من تاريخ الانتخابات التّشريعيّة إرساء المجلس الأعلى للقضاء، وفي أجل أقصاه سنة من هذه الانتخابات إرساء المحكمة الدّستوريّة، ويتولّى المجلس الأعلى للقضاء حسب الفصل 118 من الدّستور تعيين أربعة أعضاء بالمحكمة الدستوريّة، التي تمّت المصادقة على قانونها الأساسي عدد 50 لسنة 2015 بتاريخ 3 ديسمبر 2015، كما تنتهي مهام الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين حسب الفصل 148 من الدّستور بإرساء المحكمة الدّستوريّة، وتواصل الهيئة الوقتيّة للإشراف على القضاء العدلي القيام بمهامها إلى حين استكمال تركيبة مجلس القضاء العدلي.
ولعلّ رغبة المشرّع في احترام الآجال القانونيّة الدّستوريّة وعدم خرقها تفسّر إلى حدّ بعيد حالة التسرّع في المصادقة على مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء والإرتباك الذي اتّسم به تطبيق القوانين الأساسيّة والنّظام الدّاخلي والقرارات القضائيّة الدستوريّة، ربّما لفهم خاطئ منه لمقولة شارل مونتسكيو التي يدعو فيها إلى عدم الإقتراب والدّنو من القوانين إلاّ بأيدي مرتعشة بمعنى ملتزمة ومسؤولة، ذلك أنّ الأيدي "المرتعشة" بمعنى المرتبكة لا تصنع تاريخ المؤسّسات الدستوريّة وخاصّة منها السّلطة القضائيّة.

الطّبيعة القانونيّة للبلاغ الصّامت وآثاره
أوّلا: تفسير وتأويل موقف الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين من خلال البلاغ المؤرّخ في 22 أفريل 2016
1. إنّ الفصل 21 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين لم ينظّم مسألة عدم توفّر الأغلبيّة المطلقة أي حالة تساوي الأصوات أثناء عمليّة التّصويت، كما لم يجعل من صوت رئيس الهيئة مرجّحا ولم يمنع ويحجّر ذلك، كما أنّه لم يجعل من صوت رئيس الجمهوريّة مرجّحا (خاصّة أنّ ذلك يعدّ محالفا لمبدأ الفصل بين السّلطات)..
2. إنّ بلاغ الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين المؤرّخ في 22 أفريل 2016 لا يعدّ قرارا ذلك أنّه لم يتمّ التوصّل إلى اتّخاذ قرار معلّل وبالأغلبيّة المطلقة لأعضائها وقابل للنّشر بالرّائد الرّسمي بصفته تلكعلى معنى الفصل 21 من قانونها الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014.
3. إنّ بلاغ الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين المؤرّخ في 22 أفريل 2016 لا يعدّ قرارا قضائيّا على معنى الفصل 23 من قانونها الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 ذلك أنّ الهيئة لم تقض بدستوريّة مشروع القانون أو بعض أحكامه من عدمها كما لم تُحل مشروع القانون على رئيس الجمهوريّة بسبب انقضاء آجال البتّ المقرّرة بالفصل 21 من نفس القانون الأساسي.

ثانيا: الموقف القانوني والدّستوري لرئيس الجمهوريّة
1- إنّ الفصل 23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين نظّم إجراء إحالة الهيئة الدستوريّة لمشروع القانون على رئيس الجمهوريّة وحصرها في أربعة صيغ إجرائيّة، ويتنزّل مشروع القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء ضمن إجراءات الفقرة 2 من الفصل 23 المذكور، وتتعلّق صورة الفقرة الأولى بحالة "إذا قضت الهيئة بدستوريّة مشروع القانون، يحال إلى رئيس الجمهوريّة لختمه أو ردّه حسب الحالة"، وتتعلّق صورة الفقرة الثّانية، والتي يتنزّل في إطارها مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء، بحالة "إذا قضت الهيئة بعدم دستوريّة مشروع القانون يحال مصحوبا بقرار الهيئة إلى رئيس الجمهوريّة الذي يحيله إلى المجلس الوطني التّأسيسي أو مجلس نوّاب الشّعب للتّداول فيه ثانية طبقا لقرار الهيئة في أجل عشرة أيّام من تاريخ الإحالة، وعلى رئيس الجمهوريّة قبل ختمه إرجاعه إلى الهيئة للنّظر في دستوريّته"، وتتعلّق صورة الفقرة الثّالثة بحالة، "وإذا قضت الهيئة بعدم دستوريّة حكم أو أكثر من أحكام مشروع القانون ورأت أنّه يمكن فصله من مجموعه تحيل مشروع القانون إلى رئيس الجمهوريّة طبق الفقرة الأولى باستثناء ما صرّح بعدم دستوريّته فإنّه يحال طبق أحكام الفقرة 2 من هذا الفصل"، وتتعلّق صورة الفقرة الرّابعة بحالة "في صورة انقضاء الأجل المقرّر بالفصل 21 دون إصدار الهيئة قرارها تكون ملزمة بإحالة المشروع فورا إلى رئيس الجمهوريّة".
2- "يترتّب عن الطّعن بعدم الدستوريّة قطع أجل الختم والنّشر إلى حين توصّل رئيس الجمهوريّة بقرار الهيئة القاضي بدستوريّة مشروع القانون" طبقا لأحكام الفصل 24 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين.
يستخلص ممّا سبق بيانه أنّ الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين تعهّدت بمشروع القانون الأساسي عدد 16-2015 المتعلّق بإحداث المجلس الأعلى للقضاء "للنّظر في دستوريّته" طبقا لما هو منصوص عليه بالفقرة 2 من الفصل 23 من قانونها الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014، ولا يمكن بالتّالي لرئيس الجمهوريّة ختم ونشر القانون طالما لم يتوصّل من الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين "بقرارها القاضي بدستوريّة مشروع القانون" طبقا لمقتضيات الفصل 24 من قانونها الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014، وعليه يجوز لرئيس الجمهوريّة ردّ مشروع القانون الأساسي عدد 16-2015 المتعلّق بإحداث المجلس الأعلى للقضاء إلى مجلس نوّاب الشّعب للتّداول فيه ثانية طبقا لقراري الهيئة عدد 2-2015 بتاريخ 8 جوان 2015 وعدد 3-2015 بتاريخ 22 ديسمبر 2015 حتّى يكون محترما ومتوافقا مع مقتضيات الفقرة 2 من الفصل 23 من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 المتعلّق بالهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين، كما يجوز لرئيس الجمهوريّة التقدّم بمبادرة تشريعيّة جديدة على معنى الفصل 62 من دستور الجمهوريّة التونسيّة المؤرّخ في 27 جانفي 2014.
في سعي منه للخروج من هذا المأزق الدّستوري، استمع رئيس الجمهوريّة بتاريخ 25 أفريل 2016 لرئيس الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين، كما استشار بتاريخ 27 أفريل 2016 ثلّة من الخبراء والمختصّين والأساتذة في القانون.
في ذات السّياق من المفيد التّذكير بملحوظات العميد محمّد العربي فاضل موسى بخصوص خيارات الهيئة في حالة تساوي الأصوات بمناسبة ملتقى نظّمته الجمعيّة التونسيّة للقانون الدّستوري بتاريخ 27 ماي 2014 تعلّق بقراءة لأولى قرارت الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين الصّادرة بتاريخ 23 ماي 2014، وخاصّة تعليقه على "إحالة الهيئة إلى رئيس الجمهوريّة لملف الطّعن الموجّه من قبل عدد من أعضاء المجلس الوطني التّأسيسي ضدّ الفصل 6 من مشروع القانون المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء(منشور بالرّائد الرّسمي للجمهوريّة التونسيّة عدد 41 بتاريخ 23 ماي 2014 بالصّفحة1351).
وحسب العميد فاضل موسى، الذي كان من بين ثلّة الخبراء الذين استشارهم رئيس الجمهوريّة، فإنّه لا يجوز الحديث عن فراغ قانوني أو صمت بخصوص الصّوت المرجّح في حالة تساوي الأصوات، ذلك أنّ التّركيبة الزّوجيّة للهيئة، وكذلك لعديد المحاكم الدستوريّة، لا تحول دون اتّخاذ قرار بما أنّ الهيئة بصفتها سلطة قضائيّة مطالبة بذلك تجنّبا لنكران العدالة. وترتيبا على ذلك، كان عليها في هذه الحالة اتّخاذ قرار يقضي بالرّفض، وذلك بعدتفويت الآجال المذكورة بالفصل 21 من قانونها الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المؤرّخ في 18 أفريل 2014 الذي يقتضي أن "تتّخذ الهيئة قراراتها بالأغلبيّة المطلقة لأعضائها في أجل عشرة أيّام قابلة للتّمديد بقرار معلّل مرّة واحدة لمدّة أسبوع. تكون قرارات الهيئة معلّلة وتصدر باسم الشّعب وتنشر بالرّائد الرّسمي للجمهوريّة التونسيّة في أجل أسبوع من إصدار القرار.قرارات الهيئة ملزمة لجميع السّلطات".
على أنّنا من جهتنا نؤكّد بخصوص مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء على أنّه وإن فرضنا جدلا أنّ الهيئة ملزمة باتّخاذ قرار بالرّفض فإنّ ذلك إنّما يتعلّق برفض الإحالة الصّادرة عن رئيس الجمهوريّة وليس برفض عريضة الطّعن المقدّمة ضدّ مشروع القانون الأساسي عدد 16/2015 المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء وذلك لسبق البتّ فيها بموجب قرارها عدد 2-2015 بتاريخ 8 جوان 2015 من جهة أولى، ومن جهة ثانية فإنّ مسألة انقضاء آجال البتّ موضوع الحالة الرّابعة الواردة بالفصل 23 من القانون الأساسي للهيئة تتعلّق بداهة بصورة عدم اصدار قرار، ذلك أن الفصل 23 المذكور يقتضي أنّه "في صورة انقضاء الأجل المقرّر بالفصل 21 دون إصدار الهيئة قرارها تكون ملزمة بإحالة المشروع فورا إلى رئيس الجمهوريّة"، وبالتّالي فإنّ القرار الذي تصدره الهيئة في هذه الصّورة لا يتعلّق بدستوريّة مشروع القانون وإنّما بقبول عريضة الطّعن أو الإحالة من رئيس الجمهوريّة، غير أنّ ذلك في نهاية المطاف وفي جميع الحالات يعدّ من قبيل نكران العدالة، ولعلّنا نشاطر رأي أستاذ القانون عبد المجيد العبدلّي الذي أكّد على أعمدة صحيفة "لابراس" بتاريخ 25 أفريل 2016 أنّ رئيس الجمهوريّة لا يمكنه بحال أن يختم وينشر مشروع القانون طالما لم يتوصّل بقرار في دستوريّته، وأنّه ملزم بردّه إلى مجلس نوّاب الشّعب.
رئيس هيئة رقابة الدستوريّة يخرج عن صمته بعد ختم ونشر القانون
هذا وقد قرّر رئيس الجمهوريّة بتاريخ 28 أفريل 2016، أي بعد تمام سنة من إنتهاء الآجال الدستوريّة لتركيز المجلس الأعلى للقضاء، ختم القانون ونشره لحسم وختم الجدل الذي حام حوله، وهو نفس التمشّي الذي توخّاه إثر الإحالة الصّادرة عن نفس الهيئة بتاريخ 23 ماي 2014 لملفّ الطّعن الموجّه من قبل عدد من أعضاء المجلس الوطني التّأسيسي ضدّ الفصل 6 من مشروع القانون المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء، كما أذن بنشره بالرّائد الرّسمي للجمهوريّة التّونسيّة عدد 35 بتاريخ 29 أفريل 2016 (قانون أساسي عدد 34 لسنة 2016 بتاريخ 28 أفريل 2016 يتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء)، لتبقى العديد من التّساؤلات العالقة بخصوص الملائمة الدستوريّة لهذا القانون الجديد سيما وأنّ قرار الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين عدد 2-2015 بتاريخ 8 جوان 2015 يكتسي قيمة وعلويّة دستوريّة بخصوص مضمونة ككلّ سواء فيما تعلّق منه بالمطاعن المقبولة وحتّى بخصوص تعليل الهيئة في رفضها للمطاعن المردودة.
وقد صرّح رئيس الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين على أعمدة صحيفة "الصّباح الأسبوعي" بتاريخ 2 ماي 2016 بأنّ واضعي القانون الأساسي للهيئة كانوا وراء مأزق عدم الحسم في دستوريّة مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء بما أنّ جلّ الهيئات القضائيّة تتركّب من عدد فردي للأعضاء وأنّه في صورة وجود عدد زوجي فإنّ صوت الرّئيس يكون مرجّحا في حال تساوي الأصوات بين أعضائها وعدم الخروج بأغلبيّة مطلقة، غير أنّه أمام صمت القانون الأساسي للهيئة فإنّه لا يجوز مجاراة بعض الأساتذة والخبراء في دعوتهم لإستنباط حلّ قضائي بما أنّ ذلك بدوره يتطلّب حصول أغلبيّة بشأنه.
وأختم بقول الشّاعر بشّار بن برد "متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامه، إذا كنت تبنيه وغيرُك يهدم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.