أثمرت الثورة التونسية 218 حزبا سياسيا، ارتبطت أغلبها بأسماء وشعارات متشابهة .ولئن اختارت الأحزاب المؤسسة قبل الثورة دلالات ترمز لانتمائها السياسي ومرجعيتها الإيديولوجية فإن بعض الأحزاب الجديدة تنافست على احتكار اسم تونس في تسميتها ورمزيتها لدرجة أصبحت محطة يومية لتهكم التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي.. فبين «نداء تونس»، «مشروع تونس»، «حركة شباب تونس»، «التحالف من أجل تونس»، «تونس إلى الأمام»، «البديل التونسي»، «تحيا تونس» ومؤخرا «قلب تونس» يتكرر اسم بلادنا مع شعارات ترمز للشموخ والاتحاد والوطنية والعدالة برسوم لشعار البلاد التونسية (حرية عدالة ومساواة) أو لمكونات العلم التونسي (الهلال والنجمة) أو الأيادي مع حضور رسوم لبعض الطيور والحيوانات. ورغم «كلاسيكية» أغلب شعارات الأحزاب التونسية وارتباطها الوثيق بخياراتها الإيديولوجية والفكرية والإرث التاريخي إلا أن ذلك لم يمنع من وجود بعض الشعارات «المتمردة» في هذا المشهد السياسي على غرار شعار حزب التيار الديمقراطي في الحملة الانتخابية السابقة والذي كان «دراجة هوائية» فيما تسبب «الأسد» خلال الاستعداد للاستحقاق الانتخابي القادم في خلاف بين حركة الديمقراطيين الاجتماعيين والحزب الجديد «قلب تونس» بعد اعتماد حزب نبيل القروي لنفس شعار «الديمقراطيين الاجتماعيين» رغم أن الأسد كان معتمدا في الانتخابات التشريعية سنة 2014 لحركة الديمقراطيين الاجتماعيين خلال مشاركتها في الانتخابات البلدية لسنة 2018. اختيار أسماء الأحزاب وشعاراتها هل يخضع في تونس لإستراتجية اتصالية مضبوطة وتصورات تعكس فلسفة الحزب وأهدافه ورسائله أم هو مجرد واجهة «صورية» لجذب الانتباه دون مضمون حقيقي ودلالي؟ شعارات تقنية تحولت لعاطفية في هذا السياق، كشف الجامعي وخبير الانتروبولوجيا وعلم الاتصال السياسي كريم بوزويتة ل»الصباح الأسبوعي» أن الأحزاب التونسية شهدت تطورا على مستوى التسميات إذ تعتبر أسماء أغلبها قبل الثورة «تقنية» ترمي لخلفيات فكرية وإيديولوجية وتعكس الانتماء لعائلة سياسية معينة لتصبح هذه التسميات إثر الثورة أكثر عاطفية في المخيلة الاجتماعية وبالتالي يهدف هذا التطور بفضل تغيير العقليات والانتظارات لخلق تموقع في المشهد السياسي وإلغاء الإيديولوجيات من الأسماء. من جهته، أوضح أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية عبد الستار السحباني ل»الصباح الأسبوعي» أن هناك فرق بين الأحزاب القديمة وأحزاب ما بعد الثورة فالأولى كانت تعكس من خلال تسمياتها مفهوم الحركة وبعد أن أصبح الحلم ممكنا ومنحت الثورة الفرصة للساسة للتواجد في السوق السياسي، جددت بعض الأحزاب أسماءها أو غيرتها على غرار «التجديد» (المسار حاليا) ، الحزب الديمقراطي التقدمي (الجمهوري فيما بعد) وحجز عدد من السياسيين مكانا لهم في البرلمان وأصبح آخرون مؤثرين في الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي فتنوعت بذلك الأساليب واستراتجيات إغراء التونسي وأصبحت السلطة ممكنة وآليتها «الديمقراطية». وأضاف الأستاذ عبد الستار السحباني أن المعطى المهم في هذا السياق هو اتخاذ الأحزاب الجديدة من «نداء تونس» للباجي قايد السبسي نموذجا في تسمياتها ذات الخلفية «الشعبوية» فهناك فرق بين تونس والتونسيين واعتماد هذه تسمية هو تعمد الإيحاء أن تونس في خطر داخلي وخارجي (الجهادية) لا التونسيين قائلا في هذا الإطار : «ديمغرافيا تونس كانت أولى الدول المصدرة للإرهاب بعد الثورة وفي المعنى السيمولوجي للكلمة تونس الواردة في تسميات الأحزاب هناك الدعوة للتضحية لأجل بلادنا ولعلنا في المرحلة القادمة مطالبين بالتخلي عن الحريات لأجل القضية الأمنية وشروط الحماية والسلامة أو ربما نطالب بتطبيق إجراءات حتى يتم توفير «قفة المواطن» وهنا يكمن الخطر الحقيقي فالسوق السياسية تلعب على الشعارات أساسا فهي لا تملك آليات فعلية لتطبيقها والدليل أننا بعد الثورة كانت تتردد شعارات لم تحقق على غرار ‹ثورة الشباب والكرامة»، «المنوال التنموي»، «التشغيل»، «الحوكمة» و»الحد من الرشوة» واليوم تغيرت الرسائل والأهداف تحت شعار التصدي لأعداء تونس وهذه رسالة قادرة على إسقاطنا في الشوفينية مما ينتج مظاهر سلبية وعنصرية تجاه الآخر وتصنع تطرف سياسي (الأحزاب اليمينية). * تونس ومزرعة الحيوانات لا تحمل شعارات الأحزاب التونسية الكثير من الرمزية لعالم الحيوان رغم وجود عدد من الطيور وأكثر من أسد في سوقنا السياسي غير أن هذا لا يمنع من وجود تناقض بين أهداف أكثر من حزب ومبادئه وشعاره وبين ممارساته على أرض الواقع ومع ذلك تعتبر رسوم الحيوانات من أكثر الرموز شيوعا واستخداما في الحملات الانتخابية بمختلف دول العالم ولعّل أشهرها شعار «الحمار» المميز للديمقراطيين الأمريكيين و»الفيل» الخاص بمنافسيهم الجمهوريين..وتبقى رمزية الحيوان ذات دلالة سياسية وفكرية عميقة فقد أحال ابن المقفع في «كليلة ودمنة» خبايا السياسة لعالم الحيوان واختار الكاتب الانقليزي جورج أورويل التهكم على تناقض شعارات الأحزاب مع ممارساتها على لسان أبطاله من الحيوانات في كتابه «مزرعة الحيوان». * الراديكالية والليبرالية أو الحمامة والنخلة بدوره أكد الفنان التشكيلي وكاتب عام نقابة مهن الفنون التشكيلية حسين مصدق ل»الصباح الأسبوعي» أنه من المعروف تاريخيا أن تسميات الأحزاب السياسية هي نتاج تجارب نضالية لمجموعات ملتفة حول مشروع سياسي أو إيديولوجي أو ترميز لشخصية وطنية ذات قيمة .. والتسمية هنا تشير لخط نضالي وسياسي له جذوره وبالتالي تكتسب تلك التسميات شرعية فعلية ومضمونا وطنيا ذا دلالات مستدركا قوله أنه في الآونة الأخيرة وبحكم اللخبطة الحاصلة في السياسة التونسية وصعود الخاوين نضاليا وتكالب الفاسدين وتجمعهم حول مصالح لا وطنية ولا نضالية في الغالب لا ترتقي لمشاريع سياسية حزبية بل هي مجموعات انتهازية أو عائلية أو مالية في شكل دكاكين حزبية تقدم نفسها للانتخابات وتخوض حملاتها بتسميات غير واعية وهجينة تدل في الغالب على فشل تلك المشاريع وأصحابها من البداية .. وبين الفنان التشكيلي حسين مصدق في سياق حديثه عن المقاربة الفنية للشعار الحزبي أن العلامة، أو ما يعرف ب»logo» طبعا أداة اتصال مهمة بالنسبة للأحزاب السياسية والمتعارف عليه أن مختصين يقومون بابتكاره وتنفيذه ، وحتى يفي الشعار بأغراضه الاتصالية يجب أن يختزن رؤى ومبادئ وتطلعات الحزب من ناحية ومن ناحية ثانية سرعة انطباعه البصري في أذهان الجمهور من ناحية الشكل واللون. قائلا: «طبعا الكثير من الأحزاب تهمل تحميل شعارها تلك المبادئ، التي تناضل من أجلها وتكتفي في ابتكاره بناحية الانطباع الفوري وهذا برأيي مصيبة السياسة في تونس حيث يتحول «logo» الحزب إلى غاية انتخابية حينية بدل تكريس البعد النضالي الاستراتيجي للحزب فنرى حزبا عمقه راديكالي ديني بشعار حمامة دلالة على السلام مثلا .. وحزب آخر ليبرالي موغل في الليبرالية المتوحشة يحمل شعاره نخلة تشير في الأصل للإصلاح الزراعي وهو ما يتنافى مع ما يكرسه النداء من تخلي على الفلاحة والإصلاح الزراعي. نجلاء قموع