محمد المنصف المرزوقي، المترشح الوحيد من بين 26 مترشحا في سباق الانتخابات الرئاسية 2019، الذي تقلد منصب رئيس جمهورية من قبل، وهو الذي يرى نفسه اليوم المترشح الأنسب لإتمام برامجه ومشاريعه التي شرع في الإعداد لها فترة حكمه، إلى جانب أسباب أخرى وراء عودته إلى الترشح لهذا المنصب وبرامج جديدة، كشفها، تباعا في هذا الحوار الذي أدلى به لجريدة «الصباح». وفي ما يلي نص الحوار: ● ما الذي يدعو الرئيس الأسبق للجمهورية المنصف المرزوقي لتجديد ترشّحه مرّة ثانية؟ في فترة حكمي كرئيس جمهورية تعرضت إلى حملة شرسة تم خلالها إزالة كل مفعول ايجابي وتضخيم كل الأخطاء، واعترف أن كل إنسان معرض للأخطاء، لكن التاريخ سيحفظ أنني ساهمت في بلورة دستور الجمهورية وقمت بإصلاح الجيش وفتحت قصر قرطاج وغيّرت الصورة النمطية لرئيس الجمهورية؛ من الرئيس القائد إلى الرئيس القدوة، كما حافظت على كل الحقوق والحريات ولم أضع صحافيا في السجن، كذلك ساهمت في إرجاع جزء من الأموال المنهوبة من الشعب التونسي. واليوم أريد الرجوع إلى السلطة لاستكمال عدد من الملفات الحارقة التي كنت قد شرعت فيها وأهمها محاربة الفقر، وبرنامج وطني كنا قد انطلقنا في إعداده يخص محاربة آفات المناخ، كذلك برنامج لفتح الأسواق الإفريقية وآخر لاسترجاع الأموال المنهوبة بعد التحصل على جزء منها. وكل هذه البرامج التي لم يتم تفعيلها من قبل في حال رجوعي إلى السلطة سأنطلق مباشرة في بعثها وتطبيقها على ارض الواقع. ● وماذا عن برنامجك الانتخابي، هل ستكتفي بهذه المشاريع، أم أن هناك الجديد لإقناع أكثر ما يمكن من الناخبين؟ بالنسبة إلى برنامجي الانتخابي يتلخص بالأساس في 3 محاور كبرى، تتمثل في استكمال بناء المؤسسات الدستورية خاصة المحكمة الدستورية والرجوع إلى قضية حقوق الإنسان بعد ما لمسناه من عودة للدولة القديمة والأساليب المعتمدة زمن حكم بن علي مثل ظاهرة «التصنّت» على المكالمات الهاتفية التي تجرى بين التونسيين، كذلك مواصلة تأمين الإسلاميين المهددين دوما ليتمتعوا بالحياة الكريمة كبقية التونسيين، كما أود أن افعّل مشروع الأقاليم بمعنى توزيع البلاد على 6 أقاليم لأن هذا المشروع سيكون أداة فاعلة للتنمية البشرية وهذا هو الجزء السياسي من برنامجي. أما الجزء المالي والاقتصادي، فيخص إعادة التفاوض كليا بشان اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي «الاليكا» من اجل حماية الصناعات الصغرى وخاصة الفلاحة التي من المتوقع أن تُدمر بهذه الاتفاقية، فضلا عن قضية إعادة جدولة وإلغاء الديون وسأعمل على توفير كل الإمكانيات للدولة للتصدي لأموال الفساد المتأتية من التهرب الضريبي والتهريب التي لا تدخل في الدورة الاقتصادية. وفي ما يخص الجزء الثالث وهو مشروع حماية الأجيال القادمة في ما يتعلق بقضايا الماء والبذور والتصحر، وهذا المشروع يتطلب قرارات جريئة، وما يطمئنني في كل هذه البرامج أنني انطلقت فيها بما يسمح لي بان ادخل مباشرة في تطبيقها في حال فوزي بسباق الانتخابات. ● ما رأيك في الشعارات التي رفعها عدد من المترشحين، التي تنادي بتغيير الدستور؟ للأسف المنادون اليوم بتغيير الدستور هم من الذين فشلوا وعجزوا عن تطبيق ما جاء فيه، وعداوة المنظومة الحالية للدستور تدل على انه أفضل دستور للبلاد، لأنه يبقى متكاملا في ما يخص الحقوق والحريات والتمييز الايجابي وسيطرة الشعب على ثرواته الطبيعية ومسالة اللامركزية، وشخصيا، أنا ضد تغيير الدستور، ولو فكرت في التغيير فيمكن أن يكون فقط في نقطة وحيدة، وهي «أن تونس عاصمة تونس» فأنا احلم بان تصبح تونس عاصمة الاتحاد المغاربي مثل بريكسال عاصمة الاتحاد الأوروبي، أما تونس القطر فيمكن أن نقيم لها عاصمة في الداخل مثل القيروان الجديد لدفع التنمية الداخلية وتخفيض الضغط على العاصمة الحالية.. ● المرحلة تفرض أولويات، في صورة فوزك في الانتخابات، ما هي أبرز هذه الأولويات؟ من بين الملفات التي تكتسي أولوية مطلقة في المرحلة القادمة هي الحرب ضد الفساد والفاسدين خاصة أن الأمر أصبح خطيرا باعتبار أن الفاسدين اليوم هم أنفسهم من يتحدثون عن محاربة الفساد، وللتذكير فأنا حاربت كثيرا الظاهرة وقمت بمصادرة أكثر من 300 مؤسسة من المال الفاسد واسترجعنا جزءا من الأموال المهربة بما قيمته 27 مليون دولار من حسابات زوجة الرئيس السابق زين العابدين بن علي. كما بعثت قانون «من أين لك هذا؟» ومشروع هيئة الحقيقة والكرامة.. ● في ما يتعلق بمجالات الخارجية والأمن والدفاع، ماذا أعددت لها في برنامجك الانتخابي؟ سأعمل على إطفاء الحريق الليبي وإعادة مشروع الاتحاد المغاربي وخاصة مع الإخوة الجزائريين خاصة أنني أرى أن الحكومة الجزائرية القادمة ستكون مختلفة تماما في توجهها، وسأطرح مشروع «مراكش 2» ، كما سأتوجه إلى الفضاء الإفريقي، مع الانفتاح على آسيا والحفاظ على شراكتنا مع أوروبا... في ما يخص الأمن، سأعمل على توفير الأمن الداخلي خاصة أن شعوبنا اليوم لم تعد تشعر بالأمان على خلفية ارتفاع منسوب الجريمة وذلك عن طريق تنظيم دوريات مشتركة بين القوات الأمنية من جيش وشرطة وحرس في كل الأحياء لإعادة سيطرة الدولة على هذه المناطق، وبالتوازي سأسرّع بالمشاريع التي تدفع التنمية الجهوية باعتبارها السبب الأول في انتشار الجريمة.. وفي مجال الدفاع، أؤكد أن لدينا جيشا صلبا وقائما بواجبه، لكن سأعمل على توفير كل الإمكانيات ليكون قادرا على التصدي للضربات الإرهابية، وكنت قد انطلقت في مشروع تكفل به الجنرال «محمد النفطي» آنذاك من اجل إعادة عقيدة الجيش ليدخل في مفهوم دفاع أوسع حتى يكون جيشنا جاهزا للدفاع ضد كل المخاطر وليس فقط الدفاع العسكري المباشر على غرار الأزمات والتقلبات المناخية. ● هل تنوي توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية في الفترة المقبلة في اتجاه تغيير النظام مثلا؟ نحن في نظام رئاسي برلماني، ينتخب فيه الرئيس من طرف الشعب وله صلاحيات كبرى وأرى نفسي أنا المسؤول عن هذا الدستور، وبالتالي فليس هناك أي دواعي حتى أغير النظام. أما في ما يتعلق بتوسيع صلاحيات الرئيس، فان هاجسي الأكبر هو عدم عودة الدكتاتورية، وفي صورة منح رئيس الجمهورية كل الصلاحيات سيكون دكتاتوريا خاصة في بلداننا العربية. وركزت على خلق نظام يمنع قيام الدكتاتورية ويحمي الشعب من الاستبداد. وأؤكد أنني ضد إعطاء رئيس الجمهورية كل الصلاحيات لأنه من المؤكد ان شعوبنا لها جينات الاستبداد وبالتالي لابد من حماية الشعب من هذه التهديدات سواء من رئيس الحكومة أو من رئيس الجمهورية ... ● تسليم البغدادي المحمودي وغلق سفارة سوريا، من النقاط السوداء التي لاحقت حكمك، هل ستغير موقفك بشأنها؟ بعد أن باءت محاولاتي بالفشل في إقناع الشعب باني بريء من التهمة التي لفقت لي وهي السماح بتسليم البغدادي المحمودي، أظن أنني اليوم تخلصت نهائيا من هذه التهمة بعد التصريحات الأخيرة التي أدلى بها كبار ساسة البلاد مؤكدين أن عملية التسليم تمت بأمر من الباجي قائد السبسي ونفذها آنذاك حمادي الجبالي وأنا شخصيا كنت ضدها.. وفي ما يخص ملف سوريا، كذلك طالتني العديد من الأكاذيب بأنني مسؤول على تسفير الشباب إلى سوريا والحال أني منعتهم وحذرت من تسليح المعارضة في سوريا ومن التدخل الأجنبي ورفضت المشاركة في لعبة على أساس أن تدخل تونس في مغامرة مع القوى العظمى في الحرب ضد سوريا. ومع ذلك لا أنكر أنني أخذت موقفا أخلاقيا، إذ انه من غير المعقول أن أتحمل ضرب المدنيين بالبراميل المتفجرة النساء والأطفال، وعندما تهدأ سوريا سأكون سعيدا باستقبال السفير السوري. ● كيف تفسر وأنت الحقوقي لناخبيك تصريحك بشأن قانون المساواة في الميراث ورميه في سلة المهملات؟ بالنسبة لي رئيس الجمهورية من أولوياته توحيد التونسيين وعدم بث الفتنة بينهم والابتعاد عن كل ما يقسمهم، وهذا القانون أرى انه مناورة سياسية لمنظومة فاشلة تريد أن تأخذ البلاد إلى الصراعات بين شعبها، وليس له أي علاقة بحقوق المرأة. واليوم جدير برئيس الجمهورية أن يركز على أولويات مهمة مثل معالجة الفقر والهجرة والخطر البيئي مع الحفاظ على الشعب وعلى مقدسات البلاد.