باح الصندوق بآخر أسراره فكان مرشحان اثنان فقط من بين 26 سيكملان التنافس على درب الطريق نحو كرسي قصر قرطاج وهو ما اختاره اغلب التونسيين يوم الاقتراع في مفاجأة أثارت ولا تزال نقاشا كبيرا لدى المتابعين للحياة السياسية في بلادنا وحتى المحللين الأجانب في ظاهرة اعتبروها فريدة في دولة تتحسس طريقها نحو بناء أسس الجمهورية الثانية. فكانت التساؤلات عديدة لعل أبرزها ما ذهب إليه كثيرون بالبحث في مصير سياسيين مخضرمين بعينهم أو أحزاب ومدارس فكرية دون غيرها، فهل كانت نتائج الصندوق المسمار الأخير في نعش هؤلاء أم هي مجرد كبوة في حياة سياسية متقلبة نتيجة لموقف شعبي رافض للموجود ولمن شكلوا الحياة السياسية طيلة سنوات ما بعد الثورة وحتى قبلها بالنسبة للبعض؟. موقف من السياسيين وأحزابهم ولكن.. كانت النتائج النهائية لعدد من المترشحين واغلبهم من اليسار وبعض السياسيين "الطارئين "مثلما وصفهم الأستاذ والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي ممن كان ينتظر ان يكونوا في الدور الثاني استنادا لتاريخهم النضالي لمواقفهم قبل وبعد الثورة مخيبة للامال وبعيد كل البعد عن كل التوقعات دفعت باحدهم الى وهو النقابي وأمين عام حركة تونس إلى الأمام والمترشّح للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها عبيد البريكي الى تقديم استقالته إلى الأمانة العامة للحزب وذلك على خلفية ما سجله من نتيجة حيث حل في المركز الثاني والعشرين بعد حصوله على 0.2% من الأصوات. وفي تعليقه على هذه الفكرة قال الأستاذ الحناشي في تصريح ل"الصباح الأسبوعي":" هذه الظاهرة تندرج في إطار التجربة التونسية التي انتقلت من غياب التعديدية الحزبية في فترة ما بعد الاستقلال الى فترة سياسية بامتياز خلال سنوات ما بعد الثورة، لكن نراجع نبض عديد الأسماء بشكل كبير لدى الناس الذي انتابهم الإحباط من السياسيين وكل ما هو حزبي وهذا ما نشهده لدى النهضة التي تراجع لديها منسوب الانضباط داخلها إلا انه لا يمكن القول بان الأحزاب في بلادنا قد فقدت جميعها مصداقيتها". ولعل ما يدور في تونس من بداية عزلة لبعض المدارس السياسية كاليسار والأحزاب الإيديولوجية وفق مراقبون مرتبط بكل ما داخلي من تهميش وفقر وتدني كبير للمقدرة الشرائية وإحباط وغياب الرؤية المستقبلية الواضحة وكذلك كل ما هو خارجي حيث تعيش جل البلدان الديمقراطية الأجنبية خاصة الأوروبية تراجعا في تعاطي الناخب مع المنتمين لأحزاب ليحل محله ظاهرة الشخص الرمز على غرار رئيس فرنسا "مانوال ماكرون" او في تونس قيس سعيد (وantusysteme) او نبيل القروي الذي ركز في نشاطه خلال سنوات ثلاث خلت عبر جمعية "خليل تونس"على محاربة العمل الاجتماعي المدني. نواميس ما بعد الثورة.. نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها جمع خلالها ثمانية مترشحين 6 % من الأصوات وهم : منجي الرحوي 0.8 % / حمادي الجبالي 0.2 % / حمة الهمامي 0.7 % / عبيد البريكي 0.2 % / سعيد العايدي 0.3 % / الهاشمي الحامدي 0.7 % / منصف المرزوقي 3 % / محسن مرزوق 0.2 % ، في نتيجة اعتبرها كثيرون ضعيفة جدا مقارنة يحجم بعضهم وتاريخهم السياسي ورصيدهم النضالي واغلبهم من اليسار. يقول المحلل عبد اللطيف الحناشي في هذا الصدد :"على هذه الأسماء مراجعة نفسها وخطابها وسلوكها السياسي، خاصة اليسار المطالب اليوم اكثر من ذي قبل بمراجعة أطروحاته وبرامجه، نفس التمشي بالنسبة للسياسيين الطارئين المطالبين بدورهم بمراجعة انفسهم". وعند سؤاله عن الحل للحياة السياسية ولهؤلاء وغيرهم اكد محدثنا ضرورة ان تنشأ الحياة السياسية ببلادنا على 4 اقطاب واضحة متكونة من اسلاميين وليبراليين ويسار والاشتراكيين الاجتماعيين ليعم التوازن. جمال الفرشيشي