انعقد أول أمس بمقر الاتحاد العام التونسي للشغل لقاء تشاوري ضم نور الدين الطبوبي عن الاتحاد العام التونسي للشغل وسمير ماجول عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وابراهيم بودربالة عن الهيئة الوطنية للمحامين وجمال مسلم عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تم خلاله تدارس الوضع الصعب الذي تمر به البلاد، والنظر في سبل إنجاح المسار الانتخابي وتخليصه من كل الشوائب، ويأتي هذا الاجتماع في سياق انتخابي مضطرب ومنعرج سياسي خطير نتيجة التطاحن والتسابق المحموم نحو قرطاج وباردو والقصبة. اجتماع اتحاد الشغل والأعراف والمحامين والرابطة مرة أخرى وفي هذا التوقيت بالذات، أعاد إلى الأذهان ذكرى الرباعي الراعي للحوار الوطني 2014 والذي ساهم بقسط كبير في خروج البلاد من نفق المجهول بعد اغتيال النائب محمد البراهمي والأزمة السياسية التي أدت إلى المطالبة بحل المجلس الوطني التأسيسي واعتصام الرحيل بقيادة عدد من المكونات السياسية، انتهى بتشكيل حكومة وحدة وطنية قادت البلاد إلى انتخابات، وكان آخر اجتماع للرباعي بعد الانتخابات التشريعية 2014 مما اثار جدلا حول مصير الحوار الوطني آنذاك، خاصة بعد ارساء المؤسسات الشرعية، وقد أكد حينها الأمين العام لاتحاد الشغل حسين العباسي على أن مؤسسة الحوار الوطني ستظل قارة لتذليل الصعوبات متى اقتضت الحاجة، لكن واقع الأمر بدا عكس ذلك ورويدا رويدا اضمحل الرباعي ولم يعد له تأثير نتيجة عدة أسباب داخلية وخارجية، ورغم الأزمات التي مرّت بها البلاد في السنوات الأخيرة، لم نر ردة فعل جماعية للرباعي، وجاءت مواقف المنظمات الاربع أحادية الجانب، خاصة بعد التغييرات التي شهدتها قيادات المنظمات الاربع، حسين العباسي خلفه نور الدين الطبوبي، وداد بوشماوي خلفها سمير ماجول، محمد فاضل محفوظ خلفه عامر المحرزي ثم ابراهيم بودربالة، وعبد الستار بن موسى خلفه جمال مسلم، هذه التغييرات أثرت بشكل واضح على مؤسسة الحوار الوطني بالنظر إلى القيمة الاعتبارية والوزن الاجتماعي والحقوقي لقادة الحوار الوطني... فهل ذهب الحوار الوطني إلى غير رجعة؟ وهل انتهى دوره في تأمين مسار الانتقال الديمقراطي؟ وهل نحن في حاجة فعلا لعودة الحوار؟ أسئلة تطرح في ظل الهزات التي طالت المسار الانتخابي وبين تصريحات المسؤولين والسياسيين وبين لقاءات علنية وأخرى سرية وبين صعوبات وعقبات، أطل الحوار الوطني فجأة برأسه من جديد في محاولة لاستعادة دوره في مساندة المسار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. الحوار الوطني صمام الأمان التصريحات السابقة لمؤسسي الحوار الوطني أكدت دائما على أن تواجد هذا الفضاء مرتبط بالازمات الكبرى في البلاد لكنه لا يعوض الشرعية أو المؤسسات المنتخبة، وما جمع المنظمات الأربع في 2013 و 2014 هو مصلحة تونس، واليوم مازالت هذه المنظمات مطالبة بلعب دورها الوطني ويجب أن يبقى الحوار الوطني فضاء مفتوحا وجسما يجتمع حول المصلحة العامة، ويجب أن يظل كائنا حيا أتم في مرحلة ما مهمة معينة، خاصة وأن رعاته ولم يطالبوا بدسترته مما جعله يدخل التاريخ من أوسع أبوابه من خلال تتويجه بجائزة نوبل للسلام 2015، اضافة إلى أنه استمد شرعيته من الضرورة الوطنية بما أكسبه ثقة كبرى لدى التونسيين ربما هم في حاجة إليها في الوقت الراهن في ظل التطاحن السياسي الذي يرافق المسار الانتخابي. هل بامكان الرباعي استعادة مكانته في المشهد السياسي؟ سؤال مطروح بقوة بعد الاجتماع الذي عقده قادة المنظمات الاربع أول أمس، والذي يبدو أنه محاولة للمّ الشمل وترميم ما أمكن ترميمه، بعد جفاء سنوات نتيجة اعتبارات وحسابات اجتماعية وسياسية لقيادات الرباعي، لكن الاطلالة الأخيرة تدل على أن أمرا جللا قد يحدث بسب المعارك بين مكونات الطيف السياسي في سبيل الوصول إلى سدة الحكم، وظهور الرباعي بعد غياب طويل لا يمكن قراءته إلا في سياق أزمة خانقة تمر بها البلاد قد تظهر نتائجها في الأيام القليلة القادمة، كما أن هذه الاطلالة المفاجأة هي دون شكّ ناقوس خطر دقته المنظمات الأربع في ظل التوتر السياسي والفضائح التي أفرزها المسار الانتخابي والتي باتت تهدد مصير البلاد برمته، منظمة الأعراف دعت أمس في بيان رسمي والناخبين إلى الإقبال المكثف على صناديق الاقتراع، مؤكدا على أهمية أن تجري الانتخابات التشريعية في أحسن الظروف بعيدا عن أي مظهر من مظاهر العنف اللفظي أو المادي، معربا عن أمله أن تفرز مشهدا سياسيا مستقرا وبرلمانا يكون في مستوى التحديات التي تواجهها بلادنا، لإقرار الإصلاحات التي تحتاجها وخاصة منها الاقتصادية والاجتماعية، مشددا على ضرورة توفير مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين الاثنين للدور الثاني للانتخابات الرئاسية، ويعتبر ذلك ضمانة لنجاح الاستحقاق الانتخابي ولتجذير التجربة الديمقراطية، من جهته قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي في تصريحات إعلامية أن الرباعي الراعي للحوار الوطني سيتدخل مرة أخرى ان لزم الأمر، محذرا من خطر محدق بالمسار الانتخابي، داعيا التونسيين إلى انقاذ البلاد من خلال تعديل البوصلة، مؤكدا أن تونس لن تكون لما أسماه بروابط حماية الثورة والدواعش والارهاب. اذا بعد أربع سنوات تقريبا عاد الرباعي إلى الظهور في توقيت حرج من مسار البلاد، فهل تكون فعلا عودة حقيقية؟ وهل يستطيع الرباعي بالقيادات الحالية الاظطلاع بدوره الوطني؟ أما أن هذا الظهور هو مجرد محاولة نفخ في رماد نار كانت وقّادة في 2013 و 2014؟ وجيه الوافي