كشف الخبير في الشأن الاقتصادي عز الدين سعيدان أمس في تصريح ل«الصباح»، عن إمكانية تعثر إجراءات صرف القسط السادس من صندوق النقد الدولي المقدر ب450 مليون دولار بعد ان كانت تونس قد تحصلت على خمسة أقساط منذ سنة 2016 بقيمة جملية بلغت 8ر1 مليار دولار. وقال سعيدان ان إمكانية عدم صرف القسط السادس، وارد جدا وسبق للصندوق أن اتخذ إجراءات مشابهة سنة 2013 بسبب عدم التزام تونس بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة منها،حيث قدم آنذاك فترة إمهال أولى وثانية لتسرع تونس من نسق الإصلاحات المطلوبة، ثم بادر في خطوة صادمة الى الغاء القسط الاخير من القرض . وتابع الخبير الاقتصادي بالقول، ان اقساط القرض المتفق عليه مع الصندوق النقد الدولي سنة 2016 والذي انطلق في صرفه ، شهد بدوره تأخيرا ب6 أشهر لقرابة 4 أقساط ، وذلك بعد مراجعة ما آلت اليه التزامات الدولة التونسية مع الصندوق، وكان للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الدور الكبير في استئناف صرف عدد من هذه الأقساط ، نظرا لعلاقته الطيبة والمتينة مع المديرة العامة السابقة للصندوق كريستين لاغارد، والتي تدخلت في أكثر من مناسبة لاستئناف صرف القروض لتونس ضمن خطة طويلة المدى تهدف إلى إنقاذ البلاد من شبح الإفلاس . وبين سعيدان ان المعضلة الأساسية التي من شأنها ان تعرقل جهود تونس في الحصول على القرض السادس، تكمن في المؤشرات التنموية الكارثية والتي تؤكد توقف نمو اقتصادنا ومن ذلك تسجيل نسبة نمو بلغت في الثلاثي الاول 0.1 بالمائة، و0.5 بالمائة في الثلاثي الثاني، ومن المنتظر ان تنتهي موفى العام الحالي في حدود 1 بالمائة وهي نسبة لا تستجيب لانتظارات صندوق النقد الدولي . وقال الخبير في الشأن الاقتصادي، ان المؤشر الثاني والذي يقلق خبراء صندوق النقد الدولي ، عدم تمكن بلادنا من التقليص من الدين العمومي الى حدود 70,9 بالمائة من الناتج الداخلي الخام والتي فاقت 77 بالمائة، اضافة الى تعهداتها بالتقليص في الدين الأجنبي والذي تفاقم بشكل خطير خلال سنتين ونصف ليتجاوز 100 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، مما يؤكد ان بلادنا باتت عاجزة عن تسديد ديونها في الفترة القادمة . أما المؤشر الثالث حسب سعيدان، فيكمن في المالية العمومية للبلاد ، وخاصة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2020 والتي ارتفعت الى 47 مليار دينار وهو مبلغ وصفه بالخطير ويمثل زيادة ب 15 بالمائة لنفقات الدولة خلال 2019 ، مشيرا الى انه وعلى ضوء المبلغ المرصود سيبلغ الدين العمومي في سنة 2020 أكثر من 12 مليار دينار بعد ان كان سنة 2019 في حدود 9.3 مليار دينار، وحاجيات بلادنا من القروض 12 مليار دينار، أي ان الدولة التونسية أصبحت تقترض لتسديد ديونها فقط ، في ظل غياب شبه كلي في نسق الاستثمارات . وتابع سعيدان بالقول، ان المؤشر الرابع والذي اثار جدلا كبيرا مع صندوق النقد الدولي هو ارتفاع المبلغ المرصود لكتلة الأجور حيث كان في السابق لم يتجاوز 14 مليار دينار ومع ذلك أثار انزعاج الصندوق، ليصل في سنة 2019 الى 19 مليار دينار وبلغ حسب ميزانية الدولة لسنة 2020 أكثر من 20 مليار دينار، وهو أمر يشكل عبء ثقيل على الدولة التونسية والاقتصاد الوطني، وبالنسب المائوية فإن هذه الميزانية تشكل 40 بالمائة من الناتج الداخلي الاجمالي ، وهي نسبة خطيرة ، علما وان المعدل الطبيعي والمطمئن لعديد الدول في كتلة الاجور لا يتجاوز 20 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي. ولم يستبعد الخبير في الشأن الاقتصادي عز الدين سعيدان ، على ضوء هذه المؤشرات ان يمتنع صندوق النقد الدولي عن صرف القسط السادس من القرض الممنوح الى تونس والمقدر ب 450 مليون دينار. وكان صندوق النقد الدولي قد وافق على منح تونس عام 2016 قرضا بقيمة 2.4 مليار يورو على دفعات تمتد ل4 سنوات، مقابل تعهدها بإجراء إصلاحات واسعة النطاق تشمل ترشيد الإدارة العامة والأجور في القطاع العام. كما خلص تقرير المسؤولين في صندوق النقد الدولي خلال تواجدهم بتونس في الفترة المتراوحة بين 11 و17 جويلية الماضي ، الى ضرورة ان تعمل تونس على اتخاذ سياسات اقتصادية صارمة على المدى القصير لتقليص عجز الميزانية وتخفيض نسب التضخم والتقليص من كتلة الأجور. يشار الى ان الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي قد كشف امس الاول أن "بعثة من صندوق النقد الدولي ستزور تونس من 8 إلى 12 أكتوبر 2019 لمواصلة الاطلاع على مدى تقدم تنفيذ البرنامج الإصلاح الاقتصادي". سفيان المهداوي