لم يغب منطق ال "محاصصة" عن أي حكومة تشكلت في تونس بعد الثورة. وهاهو منطق "المحاصصة" يعود من جديد ليلقي بظلاله على مشاورات الحكومة القادمة، خاصة مع تشتت المقاعد في البرلمان وحصول الحزب الأول وهو حركة النهضة على 52 مقعدا فقط. وإن كانت هذه المرتبة تجعل منها الحزب المعني بتشكيل الحكومة إلا أن هذا العدد من المقاعد لا يسمح لها بأن تضمن حصول هذه الحكومة على ثقة البرلمان. كما أن أحزاب أخرى بدأت تقدم مطالبها لحركة النهضة من حركة الشعب واشتراطها تولي الصافي سعيد رئاسة الحكومة إلى التيار الديمقراطي ومطالبته بوزارتي العدل والداخلية. الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري من جهته أكد ل"الصباح الأسبوعي" أن حركة النهضة لن تعتمد منطق المحاصصة في تشكيل الحكومة القادمة. فما عدا قرارها القاضي بعدم التحالف مع ما تسميه بالحزب الفاشي وهو الحزب الدستوري الحر بزعامة عبير موسي أو حزب الفساد كما تقول وحزب قلب تونس، فإن الحركة منفتحة على الحوار مع كل مكونات المجلس النيابي على قاعدة "برنامج يستجيب لقيم الثورة ولمطالب التونسيين وتحسين أوضاعهم الاجتماعية وتكريس العدالة وتكافؤ الفرص وتعزيز أركان الديمقراطية ومحاربة الفساد والفاسدين والفقر والإرهاب والجريمة المنظمة" على حد تعبيره. البرنامج هو الذي سنتحرك على أساسه "البرنامج هو الذي نتحرك على أساسه ونريد أن نتفق حوله مع كل القوى السياسية الموجودة في المجلس وذلك مع مكاشفة الشعب بكل الصعوبات الموجودة وتحديد الخيارات الكبرى للبرنامج في إطار الصراحة والشفافية مع المواطنين،" هكذا يبرر الخميري ويتابع "أي اتفاق سيجمعنا مع هذه الأحزاب سيكون قائما على برنامج وإجراءات عاجلة. وبالنسبة إلى رئاسة الحكومة، فإن الحزب الأغلبي في البرلمان هو المعني بها ونحن احتراما للدستور سيقدم رئيس حكومة من الحركة. فقد انتهت التوافقات تحت مسميات استبدال الشرعية الشعبية بالشرعية التوافقية إذ أن ذلك يتنافى مع احترام إجراءات التكليف برئاسة الحكومة للحزب الذي يحصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان. " ويبرز محدثنا أن الحزب الذي فاز يحتاج إلى شركاء ويقول "نحن نقول لهم أننا منفتحون للتحاور معهم." أما بخصوص سؤالنا إن كان يمكن أن تتنازل النهضة عن وزارات السيادة فإن محدثنا لم يؤكد ذلك أو ينفيه رغم إلحاحنا للحصول على إجابة واضحة وأجاب "لم نناقش هذا الموضوع بعد، الأولوية الآن هي الاتفاق حول برنامج عندها يمكن أن نتحدث عن هيكلة الحكومة" النظام السياسي "يفرض" المحاصصة من وجهة نظر المؤرخ والمختص في التاريخ السياسي المعاصر خالد عبيد، فإن المحاصصة لا يمكن أن ينظر لها إلا عندما نضعها في إطار أشمل وأعم وهو أن النظام السياسي المعتمد يفرض على من اعتمده الحكم بواسطة المحاصصة السياسية. ويفيد عبيد في تصريحه ل"الصباح الأسبوعي" أن النظام السياسي والقانون الانتخابي يدفعان بهذا الاتجاه وهو أمر رأيناه في مختلف الحكومات وسيتكرر هذه المرة مع استيعاب من يشكل الحكومة هذه المرة وهي حركة النهضة هذه المسألة ومحاولة تفادي المحاصصة أي منح كل حزب بعض الوزارات. بل يرى محدثنا أن النهضة ستحاول تشكيل حكومة نهضاوية بمؤازرة بعض الأحزاب بالموافقة على برنامج وليس على أساس المحاصصة وستجد نفسها مضطرة إذا فشلت إلى تقديم تنازلات والقيام بالمحاصصة والإعلان عن عجزها عن تشكيل الحكومة وهذا أمر غير مستبعد. ويبرز محدثنا أن للنهضة خططا بديلة كثيرة لكن الخطة الرئيسية التي ستحاول تحقيقها هي حكومة نهضاوية بمساندة برلمانية عبر الاتفاق على برنامج. أروى الكعلي