:حتى لا تكون الإدارة "مقاطعات" حزبية بقطع النظر عماّ ستعد الحكومة المقبلة بإنجازه وتلتزم به وكذلك بقطع النظر عن الوقت المهدور و "تفنّن" الترويكا في إضاعته في رحلة بحثها عن تشكيلة حكومة عسر مخاضها و"نغّصت الحلم الثوري" باللهفة المبالغ فيها على "اقتناص" الحقائب. ويرى متتبعون أن ذلك أعطى انطباعا سيئا على الحكومة لدى الرأي العام ولدى الفئات الشعبية المختلفة التي أبدت تململا وهي ترى البلاد تغرق أكثر فأكثر في مشاكلها الاجتماعية.."الأسبوعي" اتصلت بالدكتور سالم لبيض المختصّ في علم الاجتماع السياسي وطرحت عليه جملة من الأسئلة التي تصبّ في خانة ما ذكر آنفا.. في مستهل حديثه معنا ذكر لنا د. سالم لبيض: «أن الاحتفالات بذكرى انطلاق الثورة بسيدي بوزيد في 17 ديسمبر أعطتنا بعض الأبعاد وكشفت لنا عن بعض الخفايا..» رسالة الرأي العام وصلت للحكومة.. و إجابة عن سؤالنا المتعلّق بالخفايا التي كشفتها هذه الاحتفالات يقول :"هذه الاحتفالات كانت جماهيرية وتنقّلت العديد من الشخصيات المثقفة والسياسية لحضورها ولكن التداول على المصدح الخطابي قد وضع بعض رموز المعارضة على محك الممارسة ومدى المقبولية خاصة لما رفع شعار "ديقاج" ضد البعض منهم وكذلك غياب رئيس الوزراء على المصدح الخطابي الشعبي إلى جانب كل من المرزوقي رئيس الجمهورية وبن جعفررئيس المجلس التأسيسي له أكثر من دلالة ومن ثمة يمكن أن نقيس مدى القبول لدى الناس بالحكومة المرتقبة وبتوجهاتها العامة لا سيما مع التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة الذي قد يكون مبرّرا لدى النخبة السياسية بوصفها تفهم مشقّات العملية الديمقراطية الناشئة كأوّل تجربة ولكن هذه التأخير يعطي الانطباع المسيء لدى عامة الناس؛ ولعلّ من هذه الزاوية يمكن أن نفهم غياب رئيس الحكومة في المهرجان الخطابي في سيدي بوزيد والحسّ الشعبي لا يمكن وضعه في الخانة ووصفه بالخطإ لأنه حسّ تلقائي وكأني به يوجّه رسالة إلى القوى المشكلة للحكومة بأن المرحلة ليست مرحلة توزيع المزايا وهذا يبرز من خلال الصراعات داخل بعض الأحزاب السياسية على تولي الحقائب وإنما مرحلة مصداقية وشفافية وقبول الرأي العام لمن سيتولون العملية القيادية برمتها بما في ذلك الحقائب الوزارية في وضع لا يتّصف فقط بصعوبة ولادة الدولة الديمقراطية وإنما يتصف بالتعقيدات التي تشهدها القضايا الاجتماعية المرتبطة بحياة الناس المباشرة بمعنى آخر نحن جميعا أمام أزمة تشتد يوما بعد يوم وجوهرها الحقيقي هو التوزيع المختل للثروة والسلطة في البلاد.." مقاطعات حزبية موالية.. وحول المأزق الذي تتردّى فيه البلاد يقول محدّثنا: «هي تبرز في شكل اعتصامات واحتجاجات معيقة للعملية الاقتصادية برمتها وللنموالاقتصادي وتذهب ضحيتها منشات عمومية وخاصّة بسبب سياسة الأرض المحروقة في الجهات معدومة الإمكانيات و تتحصّن وراءها قوى كثيرة من بينها من حلم بالأغلبية في الانتخابات ولم ينل ثقة الشعب ومن بينها قوى وشخصيات روّجت أسماؤها ضمن من ستنالهم المحاسبة ومن بينها أطراف مستفيدة ومورّطة إلى جانب نظام بن علي وتفقد مصالحها ومكانتها شيئا فشيئا وكل هذا الوضع يستدعي سرعة تشكيل الحكومة لتتحمّل مسؤوليتها تجاه ما يجري ولطمأنة الناس أن الوزراء على اختلاف ألوانهم ومشاربهم سينفذون سياسات عامة ولهم الشرعية التامة في انتداب مستشاريهم لكن الإدارة لها أو عليها أن تبقى محايدة بوصفها جهاز تنفيذ تتعامل مع أي لون أو مع أي سياسة وهذا ضروري لكي لا تتحوّل الإدارة إلى محل صراع بين الأفراد وتصبح مجموعة من المقاطعات التابعة لهذا الحزب أو ذاك ممّا يعطّلها عن القيام بدورها الحيوي.."
رابح الخرايفي :مرحلة انتقالية لا تقبل الخطأ أو التجريب.. انقسم المجلس التأسيسي بعد انتخابه إلى جبهتين: "الترويكا" بائتلافها الثلاثي وبأغلبية مقاعدها تسعى إلى تمرير ما يلائم تصوّراتها خاصّة تلك المتعلّقة بالتنظيم المؤقت للسّلط بالإضافة إلى سعيها لتشكيل حكومة الائتلاف بعد مخاض عسير؛ وجبهة المعارضة التي أبدت رفضها لمشاريع القوانين المطروحة للتصويت في المجلس بالإضافة إلى أنها رفضت المشاركة في الحكومة.. اتصلنا بالأستاذ رابح الخرايفي عضو المجلس التأسيسي عن الحزب الديمقراطي التقدّمي لمعرفة رأيه حول طريقة المحاصصة التي شكّلت بها الحكومة التي أثارت لغطا حول «تضخّمها» و أن توفّر الشرعية النضالية أو السياسية مع غياب الدربة على التسيير الفعلي قد ينتج أخطاء في فترة لا تقبل الخطأ أو التجريب ..وفي سياق ما تقدّم يقول الأستاذ الخرايفي :"ما أشجبه فعلا وأعتقد أنه خطير وغير معتاد هو أنّنا كأعضاء بالمجلس التأسيسي وصلتنا أخبار الحكومة وكل ما يتعلّق بها من معطيات في إطار ما سميّ بمسار التشكيل الحكومي وما رافقها من مماطلات وتأجيل من خارج المجلس؛ فلم تعقد أي جلسة لتدارس مراحل تشكيلها الطويلة والتي عرفت شدّا وجذبا بين التسريبات الإعلامية و رفض الرأي العام للتضخّم الوزاري غير المبرّر وهذه المحاصصة الحزبية التي تردّى فيها المشهد السياسي في سباقه المحموم لاقتلاع الحقائب السيادية والفنية ذكّرتنا بالساحة اللبنانية التي تعيش على وقع يوميات اللااستقرار الحكومي والسياسي؛ وهنا يبرز الخطر حتى على مستوى العمل الحكومي بتشكيلته هذه في المرحلة المستقبلية. فالمحاصصة الحزبية لا تخدم بالمرة المصلحة العليا للبلاد بقدر ما هي تكريس لمآرب حزبية ضيقة.. التضخم الوزاري.. وبالنسبة إلى العدد الضخم للوزراء فأنا أعتقد أنه خلال هذه الفترة الانتقالية يبدو من المبالغ فيه هذا العدد؛ فالحكومة تبدو هنا بنفس سياسي أكثر منه نفس عملي؛ فجلّ الوزراء ليس لديهم أي دربة بالعمل الوزاري، وإذا اعتمدنا ما سرّبه الإعلام حول الحصول على المناصب بمقتضى العلاقات الشخصية والعائلية و الترضيات و الولاءات واعتمادها كمعيار أساسي للاختيار فإن ذلك يعتبر بمثابة رسالة سيئة للمجتمع التونسي الذي لم يتخلّص بعد من مرارة المحسوبية ومحاباة ذوي القربي من الحاشية وهو ليس مستعدا بالتالي لأن يعيش تجربة مماثلة وهو ما يمثّل بداية مخيبة للآمال وغير مطمئنة... مرحلة غير مسموح فيها بالخطإ.. تتسم المرحلة الراهنة بخطورتها ودقتها وحساسيتها المفرطة باعتبار أنها تطرح تحديات ورهانات كبرى وهي تستوجب مواصفات وزارية معينة. وحول ما تقدّم يقول رابح الخرايفي: «في الحقيقة هذه الفترة تستوجب الحنكة في التسيير أكثر منها في التكوين الأكاديمي أو النضال السياسي .. لذا يجب أن تكون هناك تمرّس في الحكم في مرحلة غير مسموح فيها بالخطإ..» و يضيف الأستاذ رابح الخرايفي في الختام: «أنا أبقى متفائل بمستقبلنا السياسي على شرط أن تقدّم المصلحة العليا للبلاد على المصلحة الذاتية والحزبية ..كما أنّنّا نحتاج مستقبلا إلى ديبلوماسية قوية ومنتجة وذات مصداقية ..كما نحتاج إلى استقرار داخلي لتحقيق النهوض الاقتصادي والاجتماعي..»
نموذج الائتلاف السويسري.. الوصفة السحرية هي وزارة في حكومة برلمانية تشترك فيها عدة أحزاب والسبب الشائع لهذا الإجراء هو أن أي من الأحزاب لم يحصل على أغلبية الأصوات في البرلمان؛ كما أنها تشكل في أوقات الأزمات كحالات الحرب أوالأزمات السياسية أو الاقتصادية الكبرى قد تقوم الأحزاب بتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة تحالف كبير. والوزارة القائمة على أساس الائتلاف الذي يضم أغلبية برلمانية أكثراستقراراً وأطول عمراً من وزارة الأقلية البرلمانية. ففي الوقت الذي تكون فيه الأولى معرضة للصراعات الداخلية فإن لديها أسباباً أقل من الأخيرة للقلق من مواجهة التصويت بحجب الثقة ولكن حكومة أغلبية الحزب الواحد تعد أكثر استقراراً طالما أن بإمكانها المحافظة على أغلبيتها. والحكومات الائتلافية أكثر شيوعاً في البلدان التي يقوم فيها البرلمان على التمثيل النسبي لعدد من الأحزاب، ولا وجود لهذا النوع من الحكومات في البلدان التي يتم فيها اختيار الحكومة من قبل الرئيس عوضاً عن البرلمان كما هو الحال عليه في الولاياتالمتحدةالأمريكية. أما في الأنظمة شبه الرئاسية كما في فرنسا التي يقوم رئيس الجمهورية رسمياً بتعيين رئيس الوزراء ولكن يتعين على الحكومة برغم ذلك الحصول على ثقة البرلمان فتظهر الحكومات الائتلافية بشكل منتظم. ومن الدول التي لديها حكومات ائتلافية نجد الدول الإسكندنافية وفي بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وألمانيا وإيطاليا وتركيا وإسرائيل، وقد حكمت سويسرا حكومة ائتلافية فضفاضة مؤلفة من أقوى أربعة أحزاب في البرلمان منذ عام 1959 وتسمى حكومتها بحكومة «الوصفة السحرية». ويتم في بعض الأحيان تشكيل الحكومات الائتلافية في أوقات المصاعب أو الأزمات التي تعصف بالبلد كما في أوقات الحرب وذلك لمنح الحكومة درجة أكبرمن القبول والشرعية وكذلك لتخفيف حدة النزاع السياسي الداخلي.