بمنطق الربح والخسارة وبعيدا عن المزايدات السياسوية...بماذا خرجت تونس من مواجهات نهاية الأسبوع المنقضي بين دولة تلملم جراحها إثر ثورة عصفت بأركانها وأفقدتها هيبتها وبين تيار سلفي الذي لا يعير اهتماما لقوانين البلاد ولا يؤمن بغير الشريعة. سؤال سعينا للإجابة عنه، فاستخلصنا ما يلي : لقد تأكّد العديد نهاية الأسبوع الماضي وبعد صدور قرار منع تنظيم مؤتمر أنصار الشريعة في غياب تقدم قياداته بطلب ترخيص لوزارة الداخلية أنّ فرض النظام وإعادة الاعتبار لهيبة الدولة والتي حدّدتها حكومة علي العريض في برنامجها السياسي، قد أخذ يتجسّد على أرض الواقع، وتبين للجميع أنّ علوية القانون تفرض على الجميع دون استثناء ولا تفريق ، وهو ما أكّده كذلك نور الدين البحيري الوزير لدى رئيس الحكومة في تصريح للشقيقة "الصباح الأسبوعي" إذ قال إنّ هذه الحكومة لا تعادي ولا تنحاز إلى أيّ طرف، قائلا : "نحن نسعى كدولة إلى توفير شروط التعايش بين التونسيين، وحفظ الحقوق لا تحفظ بتغوّل أيّ طرف حتى ولو كانت الدولة...ومن لم تعجبه قوانين البلاد فليتركها" وأضاف البحيري : "نحن لا نستهدف أحدا ولا ندعو أيّ طرف ولا نخضع لأيّ إملاء..فنحن نريد موقفا صريحا من أنصار الشريعة حول واقعة الشعانبي وموقفا صريحا ممن يمارس العنف ويرفع السلاح في وجه الشعب التونسي ظلما وعدوانا...وكل جمعية يجب أن تحترم الإجراءات عند عقد اجتماعاتها...ويخطئ من يعتقد أنه يمكنه أن يقوم مقام الدولة، فالدولة دولة واحدة.. والسلطة واحدة...والقانون فيصل بين الجميع". إنّ ما جدّ من أحداث كان مؤشرا واضحا أنّ كلّ من تخوّل له نفسه خرق القانون ستتصدّى له الدولة وفق ما يمليه القانون من ذلك الاعتصامات وقطع الطرقات والإضرابات العشوائية دون سابق إنذار. لقد أثبتت المؤسسة الأمنية جديتها في التعامل مع كلّ من تخول له نفسه خرق القانون وأكّدوا بأنهم مؤتمنون على تطبيق القانون وبأنهم لا يهتمون لمراكز القوى ولا لقوة تيار بل فقط عليهم أن يكونوا أمنا جمهوري في خدمة الوطن والمواطنين. هذا الموقف المحايد الذي اتخذته وزارة الداخلية بمنعها انعقاد مؤتمر أنصار الشريعة وما آل إليه من أحداث وإن برهن على تغير في الخارطة السياسية للبلاد نحو الأفضل مع حكومة علي العريض إلاّ أنه تسبب وبتعنّت من أنصار الشريعة الذين رفضوا تطبيق القانون والاعتراف بالدولة في إعادة الإحساس بالخوف لدى بعض العائلات التونسية وفي بعث رسالة غير مطمئنة خاصة وأنّنا على مشارف موسم الامتحانات وخشية من تعكّر الوضع أكثر وينعكس ذلك على أدائهم أو يعطل اجتياز امتحاناتهم. انّ ما حدث في تونس نهاية الأسبوع كان له كذلك وقع حتى على المستوى الخارجي، فقد نقلت وسائل الإعلام الأجنبية كلّ التفاصيل لحظة بلحظة وهو ما يمكن أن يؤثر سلبا على الموسم السياحي والاستثمار باعتبار أنّ رأس المال جبان. وفي هذا السياق، أعرب جمال قمرة وزير السياحة صباح اليوم الإثنين عن شديد تخوفه من تأثير هذه الأحداث التي جدت في كل من حي التضامن ومدينة القيروان على القطاع السياحي، وذلك في تصريح أدلى به لإذاعة شمس 'أ ف أم'. ومن جهة أخرى، فإنّ تيار أنصار الشريعة وعلى اختلاف توجهاتهم أصبحوا يرون بأنّ الحكومة ومن يقف وراءها من مختلف الحساسيات أعداءهم ويعتقدون بأنّ هؤلاء يحولون دونهم والدعوة إلى الله، بما يعني أنّ ردود أفعال محسوبة أو غير محسوبة يتوقّع حدوثها لاحقا. هكذا يتضح أن الدولة كسبت أشواطا في معركة استرداد هيبتها لكن ذلك لن يمر دون أثر واضح او انعكاس سلبي محتمل ومهما يكن من أمر فان طريق آلاف ميل ينطلق بخطوة ...والمؤكد أن الخطوة المقطوعة نهاية الأسبوع على هناتها تحمل الكثير من الايجابية.