قال أمس السبت وزير التنمية والتعاون الدولي بمناسبة الاستشارة الجهوية لولايات الشمال حول "المجلة الجديدة للاستثمار" إنّ تونس تعيش اليوم مرحلة دقيقة في مسيرتها التنموية، وأضاف بأنّ هذه المرحلة مليئة بالتحديات ، برزت بوضوح منذ ثورة 14 جانفي وفي مقدمتها حدة البطالة، خاصة في صفوف حاملي الشهادات العليا والتفاوت على مستوى التنمية بين الجهات، وهو ما يتطلب تظافر الجهود لتسريع نسق النمو من خلال دعم الاستثمار بعنصريه الوطني والخارجي مع تكريس إقتصاد المعرفة مع تعزيز فرص إندماج إقتصادنا في محيطه الإقليمي والدولي، وفق ما جاء في بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة. وبيّن أنّه لتحقيق هذه الأهداف يجب اتخاذ جملة من الإجراءات الإصلاحية العميقة في جميع المجالات لاسيما ما يتعلق منها بتحسين مناخ الأعمال والتشجيع على المبادرة الخاصة وتوفير الآليات التمويلية والتشريعية الضرورية لذلك وتبسيط الإجراءات الإدارية وتطوير البنية التحتية، وملاءمة منظومتي التكوين والتشغيل مع الحاجيات الحقيقية للمؤسسات الاقتصادية، هذا مع المصادقة خلال الأيام القادمة من طرف المجلس الوطني التأسيسي على مشروع القانون الإطاري المنظّم لصيغ الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ لتنشيط الإستثمارات المشتركة وفق مبدأ تقاسم المخاطر والمنافع. وبيّن الدغري أنّ البرنامج الإصلاحي يشمل تطوير أداء القطاع البنكي والمالي وذلك عبر إدخال آليات تمويل جديدة بما يساعد على تنشيط حركة الاستثمار ودفع المبادرة الخاصة مع التركيز على تشجيع الاستثمارات في القطاعات الواعدة ذات القيمة المضافة العالية والمحتوى المعرفي والتكنولوجي المرتفع، التي من شأنها أن تعزز القدرة التنافسية لإقتصاد البلاد وتسهم في الارتقاء بنسق إحداثات الشغل و تخص البنية الأساسية باهتمام كبير خاصة في المناطق الداخلية اعتبارا أنّها هي شرايين التنمية والمحرّك الأساسي لدفع الاستثمار وإحداث المؤسسات، مضيفا : "بالإضافة على ما تم رصده من اعتمادات هامة خلال سنة 2012 و 2013 سيتواصل التركيز خلال الفترة القادمة على هذا الجانب من خلال إقرار عديد المشاريع الهامة، التي ينتظر إنجازها في المدى القريب والمتوسط، على غرار ربط عدد من ولايات الشمال والوسط الغربي والجنوب بالطرقات السيارة والسكك الحديدية و استكمال إيصال شبكات نقل الغاز الطبيعي لها وإنجاز المناطق الصناعية واللوجستية وغيرها من المشاريع". وقال : "مع تجاوب المستثمرين ورجال الأعمال مع المسار الإصلاحي الذي انتهجته بلادنا والذي تأكد من خلال إصرار المؤسّسات الوطنية والأجنبية على مواصلة العمل بنفس النسق بالرغم من الصعوبات، وإبداء عزمها على توسيع نشاطها خاصة في الجهات الداخلية، تفتح تونس الجديدة ستفتح أفاقا واسعة للاستثمار المجدي والشراكة المثمرة". مجلة تشجيع الاستثمارات أمّا عن مجلة تشجيع الاستثمارات لسنة 1993 قال إنّها لم تساهم بالقدر الكافي في توجيه الاستثمارات نحو المناطق الداخلية وفي خلق ديناميكية اقتصادية بهذه الجهات، بالإضافة إلى محدودية استقطابها للمؤسسات الكبرى الوطنية والأجنبية ممّا أضعف قدرة هذه الجهات على الاندماج في الدورة الاقتصادية الوطنية وخلف لدى متساكنيها شعورا بالتهميش واللامبالاة. وأكّد أنّه انطلاقا من هذه الإخلالات والنقائص التي تشكو منها المجلة الحالية لتشجيع الاستثمارات، استوجب إصدار مجلّة جديدة للاستثمار تحمل إجابات للإشكاليات التي تم التطرق إليها وفي مقدمتها تحقيق التنمية الجهوية والمندمجة والارتقاء بالقيمة المضافة للاقتصاد الوطني. كما قال إنّه ونظرا للدور المحوري للمجلة الجديدة للاستثمار في الخطة الإصلاحية ، فإن العديد من الخبراء في الشأن الاقتصادي يعتبرونها بمثابة الدستور الاقتصادي لتونس مل بعد الثورة. وفي هذا السياق، أبرز شروع وزارة التنمية والتعاون الدولي منذ شهر أوت الماضي في إنجاز هذا المشروع، معتمدة في ذلك على جملة من المبادئ من أهمها التركيز على الطابع التشاركي، حيث تمّ تكوين لجنة تنفيذية تتكوّن من خبراء مستقلين ومختصين في مجال الاستثمار لقيادة هذا المشروع بطريقة علمية، وتعمل بمساندة لجنتين موسّعتين "لجنة متابعة" و"لجنة استشارية" تضمّان ممثلين عن الإدارات والهياكل التي تعنى بالاستثمار والمنظمات الوطنية والمهنية على غرار UGTT و UTICA وغيرها مؤسسات التمويل وممثلين عن المجتمع المدني، لتقديم التصورات والمقترحات. وقال : "لقد تم إيلاء جانب الخبرة والاستئناس بالتجارب الناجحة عالميا حيزا مهما وذلك عبر وضع برنامج لتعاون مالي وفني مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك العالمي، بما يساعد على تقديم المشورة الفنية الضرورية حتى تكون المجلة الجديدة مستجيبة في نفس الوقت لمتطلبات بلادنا التنموية من ناحية ولمقتضيات المنافسة العالمية. محتوى مشروع المجلة الجديدة للاستثمار ومن جهة أخرى، بيّن الأمين الدغري بأن محتوى مشروع المجلة الجديدة للاستثمار يرتكز على جملة من الأولويات التي تم استنتاجها من خلال مختلف الدراسات والتقييمات والاستشارات المنجزة، والمتمثلة بالخصوص في دعم أولوياتنا الوطنية وفي مقدمتها التنمية الجهوية والمندمجة، التشغيل والرفع من كفاءة الموارد البشرية، التجديد والرفع من القيمة المضافة، والنهوض بالصادرات وتشجيع المؤسسات على الانتصاب بالخارج. وقال إنّ مشروع المجلة الجديدة ينبني على عدد من المحاور من بينها النفاذ إلى السوق، وتوفير الضمانات الضرورية للمستثمرين، وتحديد الامتيازات الجبائية والمالية، ووضع الإجراءات الكفيلة بالتبسيط الإداري مع بعث الهياكل الضرورية لتطبيق سياسة الاستثمار ومتابعتها ومنها بالخصوص الهيئة الوطنية للاستثمار. كما أضاف بأنّه تم الحرص في هذا المشروع على أن تكون المجلة الجديدة مبسطة وفعالة، تستجيب للمعايير الدولية، وقادرة على حفز أصحاب المال والأعمال على الاستثمار وبعث المشاريع في إطار الشفافية والحرية. كما تم التركيز على أن تساهم المجلة في تنشيط الحياة الاقتصادية ببلادنا وخاصة في الجهات الداخلية التي عانت على امتداد عقود من التهميش بسبب عديد النقائص ومن بينها عدم توفر إطار تحفيزي حقيقي لهذه الجهات. وأبرز الدغري الهدف المشترك في أن تكون المجلة الجديدة بما ستتضمنه من مبادئ وحوافز، الآلية الناجعة لدفع المبادرة الخاصّة وبالتالي خلق الثروة ودفع النمو الذي سيساعد دون شك على خلق فرص أكبر للتشغيل وتحسين ظروف العيش للجميع. وأكّد الدغري أنّ المجلة الجديدة للاستثمار تمثل لَبِنة أساسية في المشروع الإصلاحي المتكامل المزمع تنفيذه على المدى المتوسّط والبعيد لبناء تونس الجديدة. وقال : المشروع الأوّلي للمجلة، لا يزال مشروعا أوّليا منفتحا على كل المقترحات والملاحظات، وقابلا للتعديل في جميع جوانبه. وسيتم إثر استكمال الاستشارات إعداد مشروع المجلة الجديدة مع الأخذ بعين الاعتبار المقترت والملاحظات وذلك حتى تكون محل توافق وطني، قبل أن يتم عرضها على الحكومة ثم مناقشتها فصلا فصلا على مستوى المجلس الوطني التأسيسي".