*مدير مدرسة المكي عزوز بنفطة: "حادثة الاعتداء آلمتني أكثر من ألم الجرح" *تسجيل 8428 اعتداء سنة 2019.. تصاعدت وتيرة الاعتداءات على المدرسين بمختلف المؤسسات التربوية بالجمهورية.. ولئن ظل الاعتقاد بأن هذه التجاوزات قد صدرت وقد تصدر من طرف الأولياء أو الغرباء عن المؤسسات التربوية إلا أن هذه الاعتداءات أصبحت ترتكب من طرف التلاميذ على الأساتذة وكذلك المديرين.. ليدق ناقوس الخطر بأن المؤسسة التربوية باتت غير محمية ومهددة ولعل آخرها ما حدث لمدير إعدادية بنفطة وما خلفته من أثر في نفوس كافة المربين. "الصباح الأسبوعي" تناولت الموضوع بالدرس واتصلت بمختلف الأطراف المتداخلة في المنظومة التربوية كما رصدت حالات اعتداءات على إطارات تربوية. مؤسسات تربوية.."حضانة" هي واقعة هزت كامل الأسرة التربوية والمجتمع التونسي لما للمربي من قيمة اعتبارية والمتمثلة في "تشليط" مدير مدرسة المكي عزوز من مدينة نفطة من ولاية توزر والذي يدعى عبد السلام الفرشيشي.. "الصباح الأسبوعي" اتصلت بالمتضرر لمعرفة حيثيات الواقعة ودوافعها فصرح بأن العملية جدت خلال فترة الراحة المسائية للتلاميذ في حدود الرابعة مساء وقد تبين وان التلميذ المعتدي كان بصدد ترصده حيث قدم في البداية لمكتبه ولما لاحظ تواجد أحد الأولياء معه أخبره انه سيعود لاحقا ثم استغل تحدثه مع أحد الأساتذة واقترب منه وطلب أن يتحدث إليه بمفردهما فدنا منه طالبا أن يفصح عن حاجته ولما انحنى (نظرا لقصر قامة التلميذ) استغل الفرصة وتولى الاعتداء عليه بواسطة "موس بوسعادة" على مستوى خده ما تطلب تدخلا جراحيا ب"27غرزة" وراحة مدتها 30 يوما؛ وقد شدد محدثنا على أن الطبيبة التي باشرت حالته أكدت أن نوعية الإصابة لا يمكن أن تصدر عن شخص مبتدأ وإنما عن محترف ومتمرس. وأشار الفرشيشي قائلا " لم أظن يوما أن يقدم تلميذ أعتبره بمثابة ابني على ارتكاب ذلك الصنيع وهو ما شكل صدمة بالنسبة لي ولكل العاملين بالمؤسسات التربوية بالجهة وبكافة الجمهورية". وعن إمكانية حصول إشكال أو خلاف معه سابقا، تمسك محدثنا بالنفي موضحا أنه كان مرنا معه بشهادة والديه رغم ما ارتكبه من أخطاء من بينها ما يستوجب الرفت النهائي؛ معتبرا في هذا السياق أن ألم الحادثة أكثر وأكبر من الجرح والإصابة التي لحقت به. وشدد على أن ما سجل شكل صفعة للجميع خاصة للأولياء للاستفاقة من سباتهم حيث نشهد غيابا تاما للعائلة التي باتت مستقيلة عن دورها الأساسي وبالتالي صارت المؤسسات التربوية عبارة عن حضانة. وعن الحلول التي يقترحها للتصدي لهذه الظاهرة أكد على ضرورة حماية المحيط الخارجي للمدرسة مقترحا تخصيص "امن مدرسي" لها، فضلا عن التصدي لثقافة "التهييج" التي باتت منتشرة من خلال ما يبث في القنوات وهو ما تتأثر به هذه الشريحة التي لا تزال في طور التنشئة منتهيا إلى إن العنف في المدارس ليس ظاهرة معزولة بل صار ظاهرة حقيقية فرضت نفسها. في نفس السياق أكد أحد الأساتذة بولاية القصرين توقف الدروس بإحدى الاعداديات بالجهة على خلفية الاعتداء على المؤسسة باستعمال الزجاجات الحارقة والحجارة من قبل عدد من التلاميذ وذلك على اثر إصابة احد التلاميذ وتعرضه إلى صعقة كهربائية داخل محول كهربائي. وأوضح محدثنا أن هذه الاعتداءات تكررت في الفترة الأخيرة ما جعلتهم يحتجون ويطلقون الدعوات المطالبة بتامين المؤسسات التربوية من هذا الخطر المحدق بهم. دعوة لاستعادة قيمة المربي أما الأستاذ حسني (من برج العامري) والذي تعرض بدوره لعملية اعتداء داخل قاعة الدرس يوم الاثنين الفارط والتي لم تكن المرة الأولى تمثلت في دفعه من قبل أحد تلاميذه في السنة أولى ثانوي بعد أن طالبه بالقيام بإحدى الواجبات ورغم التنبيه عليه سابقا إلا أن هذا الأخير لم يستجب لطلبه وتعمد عدم القيام بواجبه المدرسي ليقوم بالاعتداء عليه. وأرجع محدثنا هذه الظواهر إلى الحالة العامة التي تعيشها البلاد فضلا عن غياب عقوبات صارمة مقابل تشجيع البعض من الأولياء لأبنائهم. ودعا في ذات السياق إلى إرجاع قيمة الأستاذ وثانيا التزام المسؤولين بتصريحات تكون مسؤولة لا أن يسعوا لتهييج الرأي العام على المربين وإخراجهم في صورة سيئة، فضلا عن تلافي النقص الحاصل على مستوى الإطار المشرف على التلاميذ. هيبة المربي وعن رأي الأساتذة في هذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تهدد المجتمع بأكمله، كشف الأستاذ بأحد المعاهد الثانوية من ولاية منوبة طارق العليبي أنه أمام بروز هذه الظاهرة وجب القيام بحملات تحسيسية وومضات اشهارية في وسائل الإعلام للتنديد بها، مع ضرورة العمل على إرجاع هيبة المربي فضلا عن ضرورة تجريم الاعتداء على كافة مكونات الأسرة التربوية من خلال سن قانون يجرم أي اعتداء. وعن الأسباب أوضح أنها عديدة أهمها أسباب اجتماعية حيث أن ردة فعل أي شخص مع الأخر دائما ما تكون عنيفة مما انعكس على الأطفال مقابل تسجيل نقص في تأطير التلاميذ..كذلك هيبة المربي وصورته التي "ضربت" في مجتمعنا والذي ساهم بشكل كبير في ضرب القيمة الاعتبارية والتربوية للمربي فضلا عن وجود مسؤولية لوسائل الإعلام من خلال بعض القنوات التي باتت تهدف لضرب المربين رمزيا وكذلك ردة فعل بعض المربين في حالات الغضب. أما الأستاذ خالد الدريدي (مدرس بصفاقس) فقد صرح أن تجرأ تلاميذ على ارتكاب مثل هذه الأفعال في ظل إقدام بعض الأولياء على ارتكاب نفس الأفعال وهو ما يشير إلى أن الوضعية باتت خطيرة مقابل غياب الجانب الأمني بمحيط المؤسسات التربوية ما يشكل دافعا لعدم الانضباط فضلا عن تصريحات وزير التربية التي تعد من بين الدوافع أيضا خاصة حينما دعا إلى إعادة رسكلة الأساتذة وهو ما أثر بشكل كبير على الأولياء فضلا عن مساهمة الإعلام في توتير الأجواء. ضرورة تحرك "التربية" صرحت عضو الجامعة العامة للتعليم الثانوي جودة دحمان أن الأمر بات كالعدوى وبأشكال لم نعهدها على غرار ما حصل بولاية القصرين، معرجة على أن العنف ضرب جل المؤسسات التربوية وهو أمر غير عادي ولابد لوزارة التربية أن تتحرك. وأوضحت أن هناك عدة عوامل مساهمة نقص في المؤطرين داخل المعهد لذلك وجب توفير علماء اجتماع وأخصائيين نفسانيين ضمن خلايا استماع يقع تركيزها في كل مؤسسات التربوية للإنصات لمشاكل التلاميذ. وكشفت محدثتنا أن ظاهرة العنف لا تعالج بالطرد و رمي التلاميذ بالشارع بل بضرورة إعداد مقاربات ودراسات علمية للمؤسسات تسعى للتقليص من منسوب العنف من خلال تشخيص أسباب العنف وإيجاد الحلول له. محدثتنا طالبت بمزيد الإحاطة بالتلميذ في ظل مقاربات شاملة ومعمقة تأخذ بعين الاعتبار الجانب الاجتماعي والنفسي وتتحمل وزارة التربية مسؤوليتها في التصدي للظاهرة. إحصائيات.. وحلول رئيس المرصد الوطني العنف المدرسي أيمن سوسية صرح أن جملة الإحصائيات المتوفرة لديهم والتي أجراها المرصد من خلال الإشعار بحالات العنف التي ترد عليهم مباشرة عبر تطبيقة تم وضعها على ذمة الجميع. إذ أن الاعتداءات التي صدرت عن التلاميذ تجاه الإطار التربوي بلغت خلال السنة 2019 بلغ 4568 حالة اعتداء تم رصدها من قبل المرصد منها 2266 اعتداء لفظي و2302 اعتداء مادي. أما عن الاعتداءات المرتكبة من غير التلاميذ أي من خارج المؤسسة بلغ 3860 حالة اعتداء منها 2721 مادي (منها 567 حالة اعتداء باستعمال سلاح أبيض) و1139 لفظي مع التهديد. كما تم تسجيل350 حالة اعتداء في إطار"براكاجات" أمام المؤسسة التربوية تضرر منها مختلف مكونات الأسرة التربوية. كما كشف سوسية أن 37% اعتداءات صادرة عن التلاميذ تجاه الإطارات التربوية أما البقية أي 63 % فهي اعتداءات صادرة عن أطراف خارجة عن المؤسسة التربية. كما كشف سوسية أن نسبة الاعتداءات بالوسط حضري بلغت 81 % مقابل 19 % بالوسط الريفي، وعن تطور نسبة الاعتداءات الموجهة ضد الإطار التربوي فقد بلغت 83% خلال سنة 2018 لتشهد زيادة ب3% خلال الثلاثية الأخيرة من سنة 2019 وتبلغ 86%. وقد أبرز أن القيمين والقيمين العامين أكثر المتضررين من الاعتداءات من الأسرة التربوية إذ بلغت نسبتهم 47% بالمائة مقابل 23% على الأساتذة، و11% على المعلمين بالمدارس الابتدائية والبقية وهم (19%) على المديرين والنظار وأعضاء الأسرة التربوية. وعن الأسباب المؤدية لحصول هذه الظاهرة أكد أن الأمر مرتبط بالمنظومة التشريعية الجزائية التي اعتبرها متساهلة في محاسبة ومعاقبة الأحداث الجانحين مقابل غياب الأسرة. كما أرجع السبب في النظام التأديبي المدرسي الذي يعود إلى منشور سنة 1991 وهو منشور قديم ولم تعد له أية قيمة زجرية.. فهو غير متلائم مع طبيعة المرحلة الحالية فضلا عن تغير عقلية التلميذ اليوم الذي صار متأثرا بالعولمة ووسائل الإعلام. كما كشف سوسية عن عامل آخر وهو عدم قيام المؤسسة التربوية بدورها التربوي كما يجب خاصة في ما يتعلق بوظيفتها وأهمها المرافقة والإحاطة والإرشاد. وعن الحلول المقترحة أكد محدثنا على ضرورة إرجاع القيمة الاعتبارية والرمزية للمربي وذلك من خلال سن قانون يجرم الاعتداءات على المربين داعيا لتحصين التلاميذ من هذه الآفة من خلال ضبط استراتيجية واضحة. سعيدة الميساوي