بعد أداء الياس الفخفاخ وفريقه الحكومي اليمين الدستورية صبيحة أمس وتسليم وتسلّم المهام، اليوم، بينه وبين سلفه يوسف الشاهد، يباشر رئيس الحكومة الجديد ووزراؤه رسميا العمل في مواجهة ملفات حارقة على مكاتبهم من الدقيقة الأولى، لكنهم أيضا سيواجهون "معارضة شرسة" وراءهم تحت قبة باردو . وبمنح الثقة للحكومة أول أمس بموافقة 129 نائبا مقابل 77 عارضوا خيارات الفخفاخ، اتّضح المشهد داخل مجلس نواب الشعب حيث ستقود كتلة قلب تونس المعارضة ب 38 نائبا تليها كتلة إئتلاف الكرامة ب 19 نائبا ثم كتلة الدستوري الحر ب 17 نائبا. وفي الواقع لم يكن السيناريو مفاجئا إذ اتضحت الرؤية مبكرا بل إن البعض تحدث عن ترتيبات في الكواليس لم تحسم فقط في شكل الحزام السياسي الداعم للحكومة، بل هندست كذلك شكل المعارضة ومن سيقودها في ظل الإشارة إلى مساع من حركة النهضة لقطع الطريق أمام عبير موسي حتى لا تتزعم هذه الأخيرة المعارضة وتترأس لجة المالية داخل البرلمان. وينتظر بناء على صيغة المشهد الراهن داخل البرلمان بعد جلسة التصويت أن يترأس احد نواب كتلة قلب تونس لجنة المالية والتخطيط والتنمية بما أن الدستور ينص في فصله 60 على أن "المعارضة مكوّن أساسي في مجلس نواب الشعب.. وتسند إليها وجوبًا رئاسة اللجنة المكلفة بالمالية"، وغالبا ستؤول للنائب عياض اللومي الذي سبق وأن ترأس اللجنة الخاصة الوقتية للمصادقة على مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2019 ومشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2020. معارضة قوية عمليا ستكون حكومة الفخفاخ في مواجهة معارضة قوية لا عدديا فقط بل نوعيا لعدة إعتبارات منها المرتبط بطبيعة الشخصية ونوعية الخطاب المعتمد لدى عديد الوجوه المنتمية رسميا اليوم إلى المعارضة سواء من نواب قلب تونس أو بأكثر حدة في إئتلاف الكرامة بالإضافة إلى عبير موسي وتبين المتابعون لجلسة منح الثقة أول أمس عينة مما ستكون عليه المعارضة في البرلمان في الفترة المقبلة. ورغم تأكيد قلب تونس أنه سيكون معارضة مختلفة عما كان عليه الأمر سابقا حيث أكّد الناطق الرسمي باسم الحزب الصادق جبنون، في تصريح مؤخرا أن "قلب تونس سيكون في المعارضة ''مُعارضة وطنيّة بنّاءة'' في إطار ما وعد به الحزب ناخبيه في تحقيق المكاسب الإجتماعيّة وخروج البلاد من الأزمة الإقتصاديّة". وقال أيضا النائب عن حزب قلب تونس، أسامة الخليفي، في تصريح إعلامي مباشرة اثر جلسة منح الثقة "أن قلب تونس سيكون معارضة بناءة تمارس دورها الرقابي كما سيكون أيضا بديلا للحكومة"، لكن طبيعة المسار منذ البداية بين قلب تونس والفخفاخ ومن ورائه رئيس الجمهورية بعد رفض مشاركة نبيل القروي في الحكم، قد تترك رواسبها في النفوس وتؤثر بشكل أو بآخر على مستقل العلاقة بين الطرفين وإن كانت التصريحات تحمل في ظاهرها كل النوايا الطيبة. خطاب حاد وصدامي سيواجه الفخفاخ أيضا خطاب نواب إئتلاف الكرامة الحاد والمباشر وهم لا يخفون منذ فترة رفضهم لخيارات الفخفاخ وكان خطاب النائب سيف الدين مخلوف واضحا خلال جلسة منح الثقة وتضمن اتهامات ضمنية لرئيس الحكومة الجديد بارتباطاته الأجنبية. قبل ذلك كان النائب عبد اللطيف العلوي قد وصف حكومة الفخفاخ لحظة الإعلان عنها ب ''حكومة مولوتوف والحسابات السياسية تحت الطاولة"، موضحا أنّ الإئتلاف كان حاضرا في المفاوضات وكان شاهدا على ''النوايا الفاسدة من طرف كلّ الأحزاب''، على حد تعبيره. كما لن يشذ خطاب رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي عن المعتاد وهي التي قدمت خلال جلسة منح الثقة "دفعة على الحساب" لحكومة الفخفاخ في انتظار مراقبة عملها وباقي الجلسات. وجددت أمس موسي تأكيدها خلال استضافتها في برنامج "ميدي شو"، أنها تعتبر الفخفاخ ''من مؤسسي الانهيار المالي والاقتصادي الذي تشهده البلاد حالياً، لانه من انطلق في سياسة الاقتراض الخارجي أثناء توليه لمنصب وزارة المالية بين سنتي 2012 و2014''. ودعت موسي بالمناسبة إلى التعامل مع الحزب الدستوري الحر على أساس أنه حزب معارض، مؤكدة أن حزبها أودع تصريحاً لرئيس مجلس نواب الشعب من أجل تصنيفه رسمياً في المعارضة، وسيتم إدراج ذلك في الرائد الرسمي. معارضة من الداخل يشير البعض أيضا إلى أن الفخفاخ قد يكون في مواجهة معارضة من الداخل نتيجة اختلاف التوجهات والرؤى منذ البداية بين مختلف مكونات الحزام السياسي لحكومته. وبالنظر أيضا إلى وجود حزب يوسف الشاهد في الحكومة والجميع يعلم طبيعة العلاقة المتوترة لهذا الأخير مع طيف واسع من الأحزاب حتى تلك المتواجدة في الحكومة بالإضافة إلى حربه الأخيرة مع اتحاد الشغل ولا أحد يعلم إذا ما طويت صفحة تلك الخلافات أو أن الفخفاخ قد يجد نفسه مستبقلا أمام التضحية بالشاهد حفاظا على تماسك حكومته. كما برزت الخلافات مبكرا صلب الحزام الحكومي وذلك ابان التوقيع على الوثيقة التعاقدية للحكم وبدا ذلك واضحا في تضارب تصريحات الشاهد وزهير المغزاوي بشأن التفويت في المؤسسات العمومية. بدورها أكدت سامية عبو أمس في تصريحات إعلامية أنها ستحافظ على نفس الحدة التي ظهرت بها سابقاً في البرلمان، وذلك رغم وجودها حالياً في الحزام الحكومي. وأشارت عبو إلى أنها ما زالت تتبنى نفس الموقف من حركة النهضة رغم الوثيقة التعاقدية التي أصبحت تجمعها بالتيار الديمقراطي. قطعا لن تكون مهمة حكومة الفخفاخ سهلة بل ستعمل وسط حقل من الألغام. ويبقى الضامن الوحيد لنجاحها واستمرارها قطع حبل الوريد بين الوزراء وأحزابهم ليتحول الولاء للدولة والالتزام والتضامن الحكومي لا للحزب وحسابات الربح والخسارة مع التأسيس لعلاقة متينة مع الاتحاد العام التونسي للشغل وبقية المنظمات والأهم من كل ذلك تحقيق انجازات واصلاحات على أرض الواقع تقيها شر النيران الصديقة وتصيد معارضة قد لا تغفر للفخفاخ اقصاءها من المشاركة في الحكم ذات يوم. منى اليحياوي