بقلم خالد نجاح يجب الإقرار بأمر لا يختلف فيه عاقلان وهو أن الإعلام الوطني ليس مدرّبا على التعاطي مع الأزمات والكوارث وخصوصا الأزمة المتعلقة بانتشار الأوبئة والأمراض. ولوحظ في تناول الإعلام للأزمة التي تعيشها البلاد حاليا العديد من الهنات والتجاوزات والتناول العشوائي، مما جعل المواطن يتيه بين هذه المعلومة وتلك وهذا التحليل وذاك .وتشوّشت أفكاره بين تصريحات متضاربة ومتناقضة ،هذا يمنع الكمامة والآخر يجيزها وهذا يقول إن الفيروس يموت بعد ساعات وذاك يبقيه حيا لثلاثة أيام وما إلى ذلك من المتناقضات. ضرورة تكوين فرق عمل للتعامل الإعلامي مع الأزمة ويشدّ الإعلام المرئي بدرجة أولى ،فالمسموع بدرجة ثانية ،ثم المكتوب والإلكتروني اهتمام عامة الناس في هذا الظرف الخطير والحساس. ويعيش التونسيون بمختلف شرائحهم حالة من الهلع والخوف من تفشي الوباء كالنار في الهشيم فيأتي على كلّ شيء. ويزداد خوف المواطن بما يسمعه عن الوباء في العالم وهو يقهر الدول العظمى والقوية والمتقدمة ،ويقتل الآلاف من سكانها وهي عاجزة ولا تقدر على وقف العدوى وعلاج جميع المرضى ،وتحصينهم من الفيروس القاتل بلقاح يحمي الجميع .كما حماهم من السل والحصبة منذ عقود. والمتأمّل في الموارد البشرية لوسائل الإعلام يلاحظ أن أغلب الصحفيين العاملين في الساحة الإعلامية هم من خريجي معهد الصحافة وعلوم الإخبار وبعضهم من كليات أخرى وقليل لايملك تخصصا جامعيا وإنّما يتعاطى الصحافة مستندا إلى خبرة في المجال. ولا يوجد في جميع هذه التصنيفات سوى عدد من الإعلاميين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، تخصّص في إعداد صفحات في الجرائد وبرامج في التلفزات والإذاعات تهتمّ بالصحة، بما تعنيه من طب وصيدلة وبيولوجيا ومخابر وبحوث. ولكن البرامج التي تبثها القنوات التلفزية على وجه الخصوص وهي التي تحظى اليوم بنسب المتابعة الأكبر من بين وسائل الإعلام الأخرى، تقتصر في أغلبها على طرح المسألة الطبية في إطار ضيق من خلال استضافة متخصصين للحديث عن مرض معين وتفصيله للناس وتقديم نصائح للوقاية والعلاج .و يتفاعل المشاهد أو المستمع مع تلك البرامج وكأنّها عيادات "مجانية" فيسأل الطبيب الحاضر في الحصّة عن العلاج الفعّال لحالته الصحية. وكثيرا ما يجد الأطباء حرجا على المباشر حيث هم ملزمون بتفادي تقديم وصفة الدواء على الهواء . ومهما يكن من قول في شأن تلك البرامج فإن الصحافيين الذين يعدّونها ويقدمونها اكتسبوا تجربة في مجال الإعلام الصحي وأصبحوا بالتأكيد مطلعين أكثر من زملائهم في العمل على العديد من القضايا والمواضيع المتصلة بالمجال الصحّي ونسجوا علاقات في اطار مهنتهم مع الأطباء والصيادلة والبيولوجيين والمسؤولين عن القطاع في العام والخاص لإطار شبه الطبي . ويكون جيّدا ومفيدا لو يرأس هؤلاء الصحفيون المتخصصون - ولو بالتجربة مهما كانت درجتها- فرق عمل في المؤسسات التي يشتغلون بها تتولّى المتابعة الإعلامية لانتشار وباء الكورونا في البلاد والجهود المتضافرة للتوقي منه. فهم الأقرب إلى المسألة من زملائهم الآخرين . توحيد الخطّ التحريري وتحديد مصادر الخبر. ولعل ما حصل من انفلات في التناول الإعلامي لموضوع وباء الكورونا في بعض المؤسسات يستدعي النظر إلى المسألة بالجدية اللازمة .وفي هذا الإطار يتعيّن على كل وسيلة إعلام أن تضع خطة عمل منهجية ومتكاملة للتعاطي مع الأزمة الصحية التي تمر بها البلاد. وهي أزمة خطيرة للغاية ولا تحتمل أي شكل من الإنفلات والعبث والسطحية. وترتكز الخطة في رأيي على تكليف فريق صحفي قار للتعامل الإعلامي مع الوضع الذي يتطور كل يوم بل كل ساعة ،وتوحيد الخط التحريري من حيث الغاية المضمون والغاية الأهداف والإلتزام وحتى الإنضباط، فالبلاد في حالة حرب وليست المسألة بالهينة. حيث يلاحظ في الوسيلة الإعلامية الواحدة وخاصة في القنوات التلفزية تضاربا في طريقة المعالجة الإعلامية "للمسألة الكورونية" فكل برنامج يشتغل بمعزل عن الآخر فإمّا يكرّر المضامين أو يقدّم نقيضها بما يجعل المشاهدين في حيرة واضطراب خصوصا في ظل تعدد القنوات وتهافتها على المعلومة الحصرية بكل الطرق وحتى ما يتعارض منها مع أخلاقيات العمل الصحفي. والرأي عندي أن تلتزم وسائل الإعلام في هذا الظرف الإستثنائي الذي يمكن أن يحدّد مصير البلاد ، بالإمتناع عن الإثارة ، ومن المفروض أن تمتنع عنها في كل الظروف، وأن تحدّد مصادر الخبر حتى لا تقع في الخطأ . والمصادر في هذا الظرف تنحصر في اعتقادي في الجهات الرسمية والمعنية اي وزارة الصحة والمندوبين الجهويين للصحة وخلايا الأزمة المستحدثة في الوزارات والملحقين الصحفيين والمتحدثين الرسميين في مختلف الهياكل الصحية والامنية والعسكرية والقضائية . ويقتضي الأمر أن تساعد الحكومة والمؤسسات الصحية لعامة والخاصة على تسهيل العمل الصحفي بتعيين متحدث باسم كل مستشفى ومصحة .فتكون المعلومة من مصدرها وليس من خارجه بما يجنّب الإشاعة و الفوضى والريبة.وعلى جميع مصادر الخبر أن تلتزم من جهتها بتقديم المعلومة الحينية للصحافة في شكل بيانات أو بلاغات أو ندوات أونقاط إعلامية. الإنضباط والإلتزام والجدّية في سبيل مصلحة البلاد. إنّ الإعلام مدعو في هذه الأزمة إلى التقيّد التام بأخلاقيات المهنة وضوابطها ،فلا يزوّد الجمهور بغير الحقائق ،ولا يتجه نحو المعالجة المثيرة للموضوع تجنبا للتهويل والتخويف وإرباك المواطن . وكل هذا لا يتم الا بالعمل المنهجي وفق آليات محدّدة ،على وسائل الإعلام أن تسارع بها . ومن ضمنها إحداث أقسام تحرير استثنائية تختص في الموضوع دون غيره في إطار معالجة متكاملة للأزمة. وعلى وسائل الإعلام أيضا أن تلتزم بجملة من القواعد ومن أهمّها التحقق من مصادر الخبر واختيار المتحدثين الرسميين تفاديا لتضارب التصريحات ونشر الوعي في صفوف المواطنين بالأزمة وخطورتها على البلاد والعباد وتوعيتهم بأساليب الوقاية كما تصدرها أو تأطّرها الجهة المتخصصة وليس في اطار إشهار لشركات خاصة مثلما يحصل في بعض الحالات. وعلى وسائل الإعلام أن تعمل على مقاومة السلوكيات السلبية في التوقي من الفيروس وانتشار العدوى ، وتوجيه الرأي العام وتوحيده في سبيل تحقيق مصالح الدولة والبلاد في المقام الأول. فالأمر لا يحتمل غير ذلك. والظرف يقتضي أن تعقد الهياكل المهتمة بالإعلام في تونس من نقابات وجمعيات وهيئة تعديلية ، إجتماعا عاجلا بالإستئناس برأي الخبراء والأساتذة لوضع مقاربة إعلامية مشتركة للتناول الإعلامي للأزمة الصحية التي تعيشها تونس. وفي حال استحالة ذلك لأي سبب ، فإنّ كل مؤسسة إعلامية مدعوة إلى أن تستعين في هذا الظرف بالخبراء وأساتذة الصحافة لتأطير الفرق العاملة من صحفيين ومصورين وجميع صناع المضامين.ولا خاب من استشار. ونأمل كلّنا في تخطّي الأزمة وبعدها سيكون حديث عن ضرورة تكوين الصحفيين في التعاطي مع الأزمات مهما تنوعت حروبا أو كوارث طبيعية أو أوبئة. والدعوة موجّهة لمعهد الصحافة وعلوم الإخبار حتى يركّز التدريس أكثر على العمل التطبيقي عموما. فالمطلوب تكوين صحفيين سيعملون على الميدان في غرف التحرير وخارجها وليس تكوين صحفيين أكاديميين. وبما يتطلبه ذلك من مراجعة لمنظومة الماجيستير في المعهد والتي لم تقدم المأمول وإنّما كانت فائدتها شخصية حيث هي ضمنت ترقيات إدارية للحاصلين على هذه الشهادة لا غير.