لا يمكننا نحن جمهور المتلقين (الجمهور) من غير المختصين فنيا ومسرحيا أن نقيّم ما أتاه لطفي العبدلّي في كلّ الحالات ومهما بلغ من التدنّي والاسفاف إلا بمعايير ذائقتنا الفنّية، أما تحميل أعماله على سرير بريكوست واخضاعه لمعايير الممنوعات السياسيّة لأنها مسّت من بعض الذوات الفاعلة السياسيّة أو الباسه لبوس المحرمات الدينيّة والأخلاقيّة لأنه غاص في تراكن حميميّة وعبث "بقلاصن السياسيات والسياسيين" فذلك لا يمكن وضعه الا في خانة الوصاية والرقابة على الفنّ باعتماد سلطة من خارجة. رأيي الشخصي الذي يبقى نسبيّا وأنا حرّ في ابدائه رضي العبدلي أو لم يرض أن أغلب أعماله المسرحيّة لم تتجاوز مستوى التهريج المبتذل والاضحاك الرخيص والنكات السمجة السوقيّة والتي ينتهي تأثيرها في جمهوره بمجرد قضائه وطره الفرجوي، على خلاف أعماله الدرامية التي أظهر فيها قدرات تمثيليّة محترمة جعلته متميّز الأداء وقد بلغ في بعضها درجة الابداع والابهار. أرى أن مشكلة لطفي العبدلي والكثير من مسرحيينا وخاصة منهم من ركبوا حمار "الوان مانشو" القصير ودلدلوا ارجلهم واستسهلوه شكلا مسرحيا مكسبا ومدرا للأموال والشهرة السريعة ليس عدم توفّرهم على الموهبة فهي ملقاة على قارعة الطريق في تونس بل افتقارهم الى الحدّ الأدنى من الثقافة المبدعة والجامعة والى التكوين العلمي الضروري، الأمر الذي أورثهم استشراء الجهل المركّب وعدم الاطلاع على تجارب الآخرين وطنيا وعربيا وعالميا.. هذا الجهل المركّب والغرور الكاذب هو الذي يدفعهم في كثير من الأحيان إلى التجرؤ على خوض تجربة كتابة نصوصهم المسرحيّة واخراجها في أشكال بائسة ومتهافتة وضعيفة أقرب إلى الارتجال والامعان في عقد تواطؤات ضمنية مع جمهورهم المتقبل الذي لا يقلّ عنهم ضحالة وثقافة مسرحيّة بالخروج عن النصّ والانسياق في ارضائهم متوسلين شتّى الأساليب وهو الأمر الذي يُخرج أسوأ ما في بواطنهم الخاوية من عقد نفسيّة وأحكام مسبقة اجتماعيّة و"كليشيهات" نمطيّة عن المرأة وعن ابناء الدواخل وعن الدين والسياسة والجنس تنسف كلّ ما يدعونه من تقدميّة وحداثة كاذبة. مشكلة العبدلّي ومستنسخاته برأيي ليست قلّة الأدب ونقص في التديّن بل قلّة الثقافة والخواء الفنّي والكساح الابداعي رغم توفرهم على مواهب محترمة، وهي نفس العلات المزمنة التي يحملها رياضيونا وسياسيونا..