تحيي تونس اليوم الذكرى الواحدة والستين لاغتيال الزعيم الوطني والنقابي فرحات حشّاد تخليدا لذكراه وإكراما لما قدّمه من عطاء سخيّ فداءً للوطن وانتصارا لحقوق الشغالين في تونس وفي منطقة المغرب العربي وفي العالم بأسره. وقد ألقى حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل كلمة بالمناسبة ذكّر فيها بغلق السنة الثالثة من ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي المجيدة، التي قامت ضدّ الفقر والتهميش والحيف الجهوي والفئوي والاستبداد والفساد، ومن أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وفق ما أورده الموقع الرسمي للاتحاد. وأضاف : "بالرغم من قتامة الصورة التي أصبحنا عليها اليوم بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والانزلاق الخطير في التجاذبات السياسية غير المثمرة، بالرغم من ذلك، فقد وجدنا لأنفسنا نحن النقابيين شيئا من العزاء، هذا العام، في الاعتذار الذي تقدّمت به الحكومة الفرنسية إلى أسرة الشهيد فرحات حشّاد وفي اعترافها لأوّل مرّة بمسؤولية حكومة الاستعمار في عملية اغتياله ولكن أيضا في اللفتة الشجاعة لبلدية باريس من خلال مبادرتها بتخصيص ساحة لفقيد التحرّر الوطني والانعتاق الاجتماعي في قلب العاصمة الفرنسية تكريما لنضالاته ولتضحياته.إلاّ أنّه وعلى أهمية هذه المبادرات، التي تقيم الدليل على أنّنا كنّا على حقّ لمّا طالبنا بكشف الحقيقة كاملة حول ملابسات الاغتيال وعن الذين خطّطوا له ونفّذوه، وأنّنا كنّا على حقّ عندما نطالب باسترجاع ما سلب من أرشيفنا الوطني لاستكمال ذاكرتنا الوطنية والنقابية، فإننا نعتبرها مبادرات غير كافية تحتاج إلى خطوات أكثر عدالة وإنصافا وجرأة وإننا ماضون في مساعينا الرامية إلى إماطة اللثام عن هذه الجريمة السياسية النكراء التي هزّت العالم لذا نقول: لا خاب حقّ وراءه طالب". وبين أن الاتحاد أراد من خلال إحيائه لهذه الذكرى أن تكون حدثا ثقافيا بامتياز من خلال تدشي لمتحف حشّاد للحركة النقابية بالقصبة يوم أمس، معبرا عن أمله في أن يكون هذا المتحف الحاضن الرئيسي لتاريخ الحركة النقابية التونسية ولذاكرتها الزاخرة بالإنجازات والبطولات، وأن يكون فضاءً للأجيال الحاضرة والقادمة من النقابيين والشغالين، ولكن أيضا للباحثين والدارسين، من أجل التواصل والتعارف، تحت إشراف هيئة علمية رباعية تؤمن العمق الأكاديمي والبحثي. ودعا النقابيين إلى أن يفخروا اليوم باتحادهم وبالدور الذي ما انفكّ يقوم به قبل وبعد اندلاع ثورة الحرية والكرامة ولا يزال يقوم به، قائلا : "ها هو اليوم الاتحاد في موعد مع التاريخ، يساهم من مواقع متقدّمة في عملية الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي مستفيدا من تجاربه السابقة كقوّة اقتراح وتوازن وضغط.لكم أن تفخروا، يا حماة الوطن ويا فرسان الحرية، باتحادكم العتيد. فكما انتصر الاتحاد لشعبنا الثائر منذ يوم 17 ديسمبر 2010 وساهم في تحويل شعاراته الاجتماعية إلى مطالب سياسية ومدنيّة غايتها استئصال الدكتاتورية ومنظومة الفساد والاستبداد، فقد عمل على امتداد السنوات الثلاث الماضية، مع بقية الفصائل السياسية ومكوّنات المجتمع المدني على إرساء مقوّمات الديمقراطية التشاركية ومجتمع المواطنة والمساواة سواء من خلال مبادرته بإعداد مشروع دستور أو بإبرامه لعقد اجتماعي مع شركائه الاجتماعيين، يؤسّس لعلاقات شغلية واجتماعية قائمة على الحوار والتوافق وعلى مفهوم المسؤولية المجتمعية والمواطنة، أو بما هو بصدد القيام به في إطار الرباعي الراعي للحوار الوطني منذ أكثر من سنة في سبيل الحدّ من التجاذبات بين الفرقاء السياسيين والتخفيف من الاحتقان الذي بات يسيطر على التونسيات والتونسيين جرّاء ارتفاع منسوب العنف والارهاب، واستفحال ظاهرة التهريب ومسالك التوزيع الموازية، واهتزاز سلطان الدولة بسبب الفشل المسجّل في إدارة الشأن العام، منسوب بات يهدّد استقرار البلاد وأمنها وأوصل الاقتصاد إلى الحالة الكارثية التي هو عليه الآن وارتهن القدرة الشرائية للفئات الضعيفة والمتوسّطة على حدّ السواء، هذه القدرة الشرائية التي أضحت في أدنى السلم محليا وإقليميا زادتها الإجراءات اللاشعبية المتخذة في ميزانية 2014 تدهورا لأنها تثقل كاهل الأجراء بالإتاوات والضرائب فتدفع بشرائح واسعة منهم إلى التفقير، وإننا نعلن أن انشغالنا بالشأن الوطني لن يجعلنا نحيد عن التجند للدّفاع عن قضايا العمال الاجتماعية وأولها مراجعة جذرية للميزانية المعدة دون تشاور مع الأطراف الاجتماعية. " ومن جهة أخرى، أكّد العباسي أنّ حملات التشويه والتحرشات الاستفزازية والعنف المنظّم من طرف عصابات مأجورة وجماعات مشبوهة مناوئة للعمل النقابي لن ترهب الاتحاد ولن تثني محاولاتهم "المسعورة الفاشلة" التي تسعى إلى إقصاء الاتحاد عن المساهمة في الشأن الوطني وارتهان القرار النقابي، وإرباكه وإلهائه عن نصرة قضايا الشعب في التشغيل والحرية والكرامة الوطنية والمساواة بين الجهات والفئات. مؤكدا : "بل أنّنا عازمون ومصرّون على تتبّع كلّ المسؤولين عن أعمال العنف والترويع التي استهدفت مقراتنا ومناضلينا يوم 4 ديسمبر الماضي، والكشف عن ملابساتها ومدبّريها ومرتكبيها لتقديمهم إلى العدالة من أجل مقاضاتهم. أيّتها المناضلات، أيّها المناضلون،إنّ ما ينتظرنا من مهام ومن أعمال هو في غاية الأهمية إنّنا لا ننسى أنّ ثورتنا قامت من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي همّشتها وغيّبتها السياسات المعتمدة من قبل النظام السابق والموغلة في الليبرالية وإرادة التفرّد بالقرار ومصادرة كلّ رأي مخالف وكلّ آليات الحوار والمشاركة الفعلية....كما لا ننسى أنّ إعدادنا لمشروع الدستور الذي تقدّمنا به إلى المجلس التأسيسي يرمي بالأساس إلى إحياء المسألة الاجتماعية من خلال دسترة هذه الحقوق حتّى لا يتمّ التلاعب بها أو تقييدها أو إبطال مقاصدها الجوهرية". وأشار حسين العباسي إلى أنّ الغاية من إبرام العقد الاجتماعي مع شركائنا الاجتماعيين هي تحديدا من اجل البحث عن الآليات والإجراءات العملية الكفيلة بوضع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حيّز التنفيذ لذلك فإنّ العمل النقابي لابدّ أن يجعل من إنفاذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عنوان المرحلة القادمة ومسألتها الأساسية في النقاش والجدل بعيدا عن كل مواضيع التهميش والانحراف عن متطلبات الثورة، وهو ما يستوجب المزيد من فهم المتغيّرات الجارية وتطوير القدرة على استشراف المستقبل حتّى نصوّب عملنا النقابي في الحاضر إلى ما يهيّئ لكسب رهانات المستقبل. وقال : "هذا يتطلب منّا أيضا قدرة فائقة على تملّك أدوات التحليل والتخطيط والبرمجة على كلّ المستويات، وقدرة على استثمار ما تركه لنا روّادنا من دروس وعبر....إنّ من خصائص المرحلة القادمة لا مركزية القرار وتنامي دور المجتمع المدني في صياغة المنوال التنموي المناسب، لذلك فإنّنا مطالبون يأن نجعل من عنوان المرحلة القادمة أيضا النهوض بالحوار الاجتماعي والتمشّي التشاركي والديمقراطية المحلية، وهو ما يفترض مدّ جسور التواصل مع مكوّنات المجتمع المدني وتوخّي مقاربة القرب في نشاطنا وعملنا حتّى ننمّي قدرتنا على التفاعل الايجابي مع ما يطرأ من مستجدّات على هذا المستوى أو ذاك".