زار تونس مؤخرا عدد من كبار المفوّضين والمسؤولين في مفوضية الاتحاد الأوروبي ببروكسيل، بينهم مبعوث الاتحاد المكلف بالانتقال الديمقرطي ليون برناردينو. وأعلنوا عن منح تونس دعما ماليا جديدا، وعن خطوات جديدة للشراكة الاقتصادية، وعن متابعة برامج التعاون السابقة في سياق دعم" الانتقال الديمقراطي السلمي في تونس". وتعهدوا بتكريس"اتفاقية الشريك المميز" التي أبرمتها المفوّضية الأوروبية مع وزارة الخارجية التونسية يوم 19 نوفمبر 2012.. وقد تعهّدت سفيرة الاتحاد الأوربي بتونس "لورا بايزا " في لقاء صحفي على هامش هذه المشاورات التونسية الأوربية عن" وجود إرادة سياسية أوربيّة لتطوير صيغة " الشريك المميّز بين تونس والمفوضية الأوروبية " إذا توفرت شرُوطها.. مندوبة المفوضية الأوروبية نوّهت يوم الجمعة الماضي بعد توقيعها مع السيد الأمين الدغري، وزير التعاون الدولي، اتفاقية منح تونس 95 مليون يُورو ( حوالي 220 مليون دينار تونس ) بتنوّع فرص الشراكة الجديدة بين تونسوبروكسيل.. لكن المسؤولة الأوربية أعلنتها بصوت مرتفع قائلة :" ساعدُونا على مساعدتكم .. نحن نريد أن نساعد تونس بحجم أكبر في إنجاح مسارها الانتقالي نحو الديمقراطية؛ لكن المطلوب من تونس حكومة ومؤسسات ومجتمعا توفير ظروف الارتقاء بمستوى الشراكة بيننا وبينكم عبر توفير مجموعة من الشروط من بينها الانتقال في أقرب وقت الى مرحلة الاستقرارالسياسي...والقطع مع الاضطرابات الأمنية والسياسية والاجتماعية .. لأن كل الدول والمؤسسات الأوربية التي تريد أن تعين تونس تحتاج الى شريك جدّي وإلى سلطات منتخبة لمدّة سنوات وليس الى" سلطة مؤقتة جديدة"... الاستثمارات الأوروبية السفيرة الأوروبية "لورا بايزا" أعلنت بالمناسبة عن تقدّ المفاوضات بين المفوضية الأوروبية والحكومة التونسية في مجالات عديدة من بينها توسيع مجالات " منطقة التبادل التجاري الحر" و تنويع استفادة تونس من التمويلات التي تمنحها بروكسيل ل" دول الجوار " المميزة مثل تونس وسويسرا والبلدان الأوروبية غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي .. وهي امتيازات تشمل" كل الحقوق ما عدا حقّ العضوية"... وسجلت السفيرة الأوربية في هذا السياق ان نحو90 بالمائة من مؤسسات الاستثمار الخارجي في تونس أوروبية أو بها شركاء أوروبيّون، وأن نحو ثلثي واردات تونس مصدرها الاتحاد الأوروبي وأن أكثر من 70 بالمائة من الصادرات التونسية توجّه الى السوق الأوروبية .. بما يجعل تونس تحتل المرتبة 32 بين شركاء الاتحاد الأوروبي الخارجيين رغم صغر حجم السوق التونسية.. ومن المؤمل ان تتحسن قيمة الشراكة وان تتنوع مجالاتها بعد إبرام الاتفاق الجديد "للشريك المميز"... خطة أوروبية رغم الأزمة وأوضحت المسؤولة الأوروبية أنه بالرغم من " الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة التي تمرّ بها العديد من الدول الأوروبية والتي تسبّبت في ارتفاع نسب البطالة بشكل غير مسبوق ( 25 بالمائة في إسبانيا مثلا ) فإن الإرادة قويّة في "بروكسيل" لدعم الشراكة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي وتونس .. وبصفة أخص في مجالات دعم التنمية الجهوية ومشاريع إحداث موارد رزق جديدة في الجهات الداخلية... الى جانب رصد تمويلات خاصة دعما لفرص تطويرالمجتمع المدني والإعلام ومسار الإصلاح السياسي والقانوني .. والعملية الانتخابية"... ورغم تأكيدها على احترام قرار غالبية الأحزاب التونسية تعيين وزير الصناعة السيد مهدي جمعة رئيسا جديدا للحكومة أكدت المسؤولة الأوروبية ان " المفوضية الأوروبية تقف على نفس المسافة من كل الأحزاب السياسية ومن كل المرشحين للعب دور سياسي في تونس الجديدة .. وهي تنفي بقوة ممارستها ضغوطات لفرض مرشح بعينه .. وتحترم سيادة القرار الوطني في تونس"... علاقة عمرها 45 عاما يُذكر ان أول اتفاقية للتعاون بين تونس والمجموعة الأوروبية ( في صيغتها القديمة ) تعود الى عام 1969 ثم أبرمت الحكومة اول اتفاقية للتعاون مع " السوق الأوروبية " المشتركة عام 1975 .. الأمر الذي مهّد لفتح أول بعثة أوروبية بتونس عام 1979 ولتطوير الشراكة تدريجيا بشكل ملحوظ الى مطلع التسعينات.. وكانت تونس عام 1995 من أبرز أكثر دول جنوب المتوسط تحمسا للانخراط في اتفاقية "برشلونة 1" للشراكة؛ الأمر الذي مكنها من أن تصبح الشريك الأول ل"بروكسيل" باحتساب عدد السكان، ضمن ما عُرف ببرامج " ميدا" ثم برامج الشراكة الأورومتوسطية المختلفة التي وقع تنويعها وتوسيعها بعد مشاركة تونس في القمة الأورومتوسطية الأولى في برشلونة في 2005 ثم في مسارات برشلونة 3 وفي مشروع الاتحاد من أجل المتوسط .. وفي مفاوضات التحرير الشامل للمبادلات التجارية والخدماتية ومفاوضات تحرير النقل والمجال الجوي والمبادلات الزراعية.. كل هذه المجالات وغيرها قابلة لأن تطورإذا توفرت مجموعة من الشروط من بينها خاصة تنظيم الانتخابات العامة التي تُخرج تونس من مسلسل الحكومات "المؤقتة "، والتي قد تؤجل أكثر استفادة توتس من فرص التمويلات التي سبق ان تعهّدت بها غالبية الدول الأوربية الغنية - مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا - منذ قمّة العمالقة الثمانية في فرنسا عام 2011 في حقبة الحكومة المؤقتة التي كان يرأسها السيد الباحي قائد السبسي. ◗كمال بن يونس جريدة الصباح بتاريخ 24 ديسمبر 2013