تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    نيويورك: الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات المؤيدين لغزة    تونس: الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتّش عنه    علم تونس لن يرفع في الأولمبياد    جبل الجلود تلميذ يعتدي على أستاذته بواسطة كرسي.    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الفيلم السّوداني المتوّج عالميا 'وداعًا جوليا' في القاعات التّونسية    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    دعما لمجهودات تلاميذ البكالوريا.. وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية جهوية    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    عاجل: وفاة معتمد القصرين    انطلاق فعاليات الاحتفال بعيد الشغل وتدشين دار الاتحاد في حلتها الجديدة    بنزرت: وفاة امرأة في حادث اصطدام بين 3 سيارات    اليوم: طقس بحرارة ربيعية    تونس: 8 قتلى و472 مصاب في حوادث مختلفة    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للاواسط : المغرب يتوج باللقب    الهيئة العامة للشغل: جرد شركات المناولة متواصل    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    جولة استكشافية لتلاميذ الاقسام النهائية للمدارس الابتدائية لجبال العترة بتلابت    نتائج صادمة.. امنعوا أطفالكم عن الهواتف قبل 13 عاماً    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    اتفاق لتصدير 150 ألف طن من الاسمدة الى بنغلاديش سنة 2024    الليلة في أبطال أوروبا... هل يُسقط مبابي «الجدار الأصفر»؟    الكرة الطائرة : احتفالية بين المولودية وال»سي. آس. آس»    «سيكام» تستثمر 17,150 مليون دينار لحماية البيئة    أخبار المال والأعمال    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    لبنان: 8 ضحايا في انفجار مطعم بالعاصمة بيروت وقرار عاجل من السلطات    موظفون طردتهم "غوغل": الفصل كان بسبب الاحتجاج على عقد مع حكومة الكيان الصهيوني غير قانوني    غدا الأربعاء انطلاقة مهرجان سيكا الجاز    قرعة كأس تونس للموسم الرياضي 2023-2024    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    تعزيز أسطول النقل السياحي وإجراءات جديدة أبرز محاور جلسة عمل وزارية    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    ناجي جلّول: "أنوي الترشّح للانتخابات الرئاسية.. وهذه أولى قراراتي في حال الفوز"    الاستثمارات المصرح بها : زيادة ب 14,9 بالمائة    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    أمير لوصيف يُدير كلاسيكو الترجي والنادي الصفاقسي    إصطدام 3 سيارات على مستوى قنطرة المعاريف من معتمدية جندوبة    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    زيادة في أسعار هذه الادوية تصل إلى 2000 ملّيم..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرسي الوجه الخفي: نوادر وحكايات الرئيس المصري المخلوع في القصر...وفضح نهم الاخوان في الأكل
نشر في الصباح نيوز يوم 26 - 12 - 2013

ينطلق الكاتب الصحفي مصطفى بكري في نشر حكايات ونوادر محمد مرسي وجماعته داخل القصر الجمهوري على صحيفتي «الوطن» و«الأسبوع» المصريتين
وقالت الصحيفتان ان الدافع وراء نشر هذه الحلقات، التي سوف تُنشر يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، هو رصد وتوثيق وقائع ما كان يجري من خلف ستار ليس بقصد التشهير بأحد، ولكن لتبيان كيف كانت الأمور تدار داخل القصر الجمهوري لأكثر من عام حكم فيه محمد مرسى البلاد.
وتتناول الحلقة الأولى من نوادر مرسي وحكاياته داخل القصر تفاصيل النَّهَم للطعام وقيمة الأموال التي كانت تُصرف.. وأنواع الطعام التي كانت تقدم، وإلى أين كانت تذهب.
ويقارن الكاتب بين المبالغ السنوية التي كانت مرصودة للرئاسة في حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، والتي لم تتعدَّ 300 ألف جنيه في العام قيمة الطعام المقدم، بينما بلغت في عام واحد في حكم محمد مرسي نحو 14 مليون جنيه.
وإضافة إلى ذلك يتناول الكاتب العديد من الوقائع الأخرى التى تكشف كذب الشعارات والادعاءات التي كان يتبناها مرسي وجماعته قبيل الوصول إلى سدة الحكم.
الرابع والعشرون من جوان 2012
كانت الساعة قد قاربت الرابعة، العالم يحبس أنفاسه، المصريون تسمّروا أمام شاشات التلفاز، ينتظرون الخبر الذي سيقلب الأوضاع رأساً على عقب، بعد قليل يعلن المستشار فاروق سلطان بيانه، لقد أصبح محمد مرسي رئيساً للجمهورية. سادت حالة من الصدمة والذهول، لا أحد يصدق، ولا حتى مرسي نفسه.. دخل إليه عدد من ضباط الحرس الجمهوري، كان يجلس في شقته مرتدياً الجلباب وحوله مجموعة من أصدقائه المقربين في جماعة الإخوان، شاهد الضباط بقايا من أكلة «الفتّة» في صينية كبيرة على الأرض، وقف محمد مرسي يستقبل ضيوفه الجدد، وراح يحتضنهم الواحد تلو الآخر ويقول لهم: «أهلاً يا وش الخير.. اتفضلوا نجيب غدا».
قال له ضابط كبير: مبروك يا سيادة الرئيس.
رد مرسي غير مصدق: معاكم القرار؟
قال الضابط: قرار إيه يافندم؟
قال مرسي: حاجة تثبت يعني.
رد الضابط: لقد أُبلغنا رسمياً.. وجئنا لتأمينك.
قال مرسي: طيب اتفضلوا.. اشربوا الشاي، وأنا حالبس هدومي.
ارتدى مرسي ملابسه على عجل، هاتفه لا يتوقف عن الرنين، كان متلعثماً في الردود، جاءه اتصال من مرشد الجماعة، هبّ محمد مرسي واقفاً، قال بصوت عال أمام الحاضرين: «البركة فيك يا فضيلة المرشد، صبرنا كثيرا، وربنا كرمنا أكبر كرم، يُعزُّ من يشاء ويُذل من يشاء»، ثم ظل يردد كلمة حاضر أمام رجال الحرس وأصدقائه لعدة مرات:
نظر مرسي إلى ضباط الحرس، وقال: «كلمولي التليفزيون يا جماعة، عاوز أروح أقول كلمة، أشكر فيها الناس، من لا يشكر الناس لا يشكر الله».. بعد قليل كان محمد مرسي يطل من شاشة التليفزيون، لقد بدا متلعثماً، إنه لا يصدق، راح يوجه الشكر، ويعلن عن بداية عهد جديد.
توجه إلى المجلس العسكري، التقى المشير، ثم عدداً من أعضاء المجلس العسكري، ألقى خطبة عصماء، كان الهدف هو كسب ودّهم، قال لهم: «كلكم في عيوني.. حتبقوا معززين مكرمين، أنا لن أنسى لكم دوركم، ربنا يقدرني وأرد الجميل، أنتم ولاد أصول، رجّالة، تعهدتم وأوفيتم»، نظر إلى المشير طنطاوي وقال: «أما أنت يا سيادة المشير، فأنا مُش حانساك، حتبقى معانا على رأس الجيش، ادعوا ربنا يوفقنا».
عندما توجه مرسي إلى القصر الجمهوري، كان ضباط الحرس في حالة حيرة، الرجل لم يقسم اليمين بعد، لقد طلب من المشير طنطاوي الإذن بأن يذهب إلى مقر القصر الجمهوري في الاتحادية، حتى يشاهد مكتب الرئيس عن قرب ويطمئن عليه، مضت السيارات بمحمد مرسي إلى بوابة الاتحادية رقم «4»، عيناه زائغتان، ويبدو في حالة توهان شديدة، الحرس الجمهوري يؤدي له التحية، راح يشير بكلتا يديه من السيارة.
قام أحد ضباط الحرس بفتح باب السيارة التي كان يركبها الرئيس، ظل مرسي متردداً في النزول من السيارة، أحد الضباط قال له بصوت عال: «اتفضل يافندم»، مرسي يحاول لملمة أطرافه، نزل من السيارة وتوجه إلى الباب الرئيسى للقصر، بدأ في صعود السلم، كاد يقع، لولا أنه تدارك ذلك في اللحظة الأخيرة.
بمجرد صعوده سأل: «فين مكتبي؟ طلعوني على المكتب فوراً»، أسرع مرسي الخطى في الطرقة، صعد إلى الدور الثاني، أدخلوه إلى مكتب الرئيس، تحسس المكتب بيديه، نظر إلى المصور التليفزيوني، وقال له: «صوّر كويس يا ابني»، جلس على المكتب غير مصدق، ثم وقف مرة أخرى وتحسس المكتب بكلتا يديه، ثم استدار رافعاً يديه يؤدي التحية للجمهور، مع أنه لم يكن أمامه سوى حائط صد، يبدو أنه تخيل المشهد، وراح يبعث بالتحية والابتسامة البلهاء عبر شاشة التلفاز.
قال محمد مرسي لقائد الحرس: «عاوزكم تلففوني في القصر شوية، عاوز اتفرّج يا أخي»، لم يكن مرسي يعرف الفارق بين قائد الحرس ورئيس الديوان، توقف أمام سجادة ثمينة (8 مترX 8 متر)، السجادة موروثة من أيام الملك.
قال الرئيس بصوت عال: «إيه السجاد ده؟ ازاي تحطوا سجادة قديمة بالشكل ده للرئيس، ده قرف، إيه، إنتو ابتديتوا تشتغلولي؟ كل السجاد القديم ده تشيلوه، أنا عاوز سجاد من النساجون الشرقيون».
سادت حالة من الصمت والذهول وسط الحاضرين، قال أحدهم: بس دي سجادة قديمة وتمنها حوالي 3 مليون دولار يا سيادة الرئيس، دي سجادة «جيلان».
قال مرسى: «إيه يا خويا سجادة إيه، بتقول ب3 مليون دولار.. ازاي؟!».
فوجئ المسؤول الرئاسي بالسؤال، ارتبك، وقال له: «دي موروثة من أيام الملك».
قال مرسى: «ده نظام قديم بقى، لا يا خويا، شيلوا القرف ده وهاتوا إلى سجاد من النساجون الشرقيون.. عاوز بكرة آجى مالاقيش ولا سجادة قديمة»، نظر إلى الحاضرين.. وقال: «وكمان عاوزكم تغيّروا المكتب اللي كان بيقعد عليه اللي ما يتسماش، أنا أقعد على مكتب واحد قاتل وحرامي ومحبوس»!!
لم يكن مرسي قد أدى القسم حتى هذا الوقت، إلا أنه وقبل أن يغادر القصر في هذا المساء، قال لمن حوله من كبار رجال الحرس والديوان: «خلوا بالكم أنا كلمتي واحدة، اللي قلته يتنفّذ فوراً، واللي مُش عاجبه الكلام مايورّنيش وشه، أنا باقول الكلمة مرّة واحدة، أما الدلع بتاع النظام السابق انسوه»!!
مضى الرئيس في وقت متأخر من هذا المساء، قرر أن يتوجه إلى شقته في التجمع الخامس، إنه يريد أن يحتفل مع زوجته والأولاد، مضى الموكب الرئاسي، وفى الطريق توقف مرسي أمام محل سوبر ماركت يعرفه جيداً، طلب أن يأتوا إليه بكيس من «البقسماط» لأنه بيحب يسقّي في الشاي صباحاً.
أصيب رجل الحرس بذهول، الموكب ارتبك، لم يصدقوا وهم يرون الرئيس ينزل من الموكب لشراء كيس من البقسماط، كان الأمر مبالغاً فيه، كأنه أراد أن يقول للجميع: «أنا ابن بلد، وباشتري أكلى بنفسي»، تحرك الموكب بعد حالة الارتباك، وصل إلى المنزل، تم إغلاق شوارع مؤدية إلى العمارة التي كان يقطن فيها، وقف مرسى أمام المنزل لبعض الوقت، نظر إلى بلكونات العمارات المجاورة، وكأنه أراد أن يقول للجميع: «إيه رأيكم بقى!!».
صعد إلى شقته، أبلغه قائد فريق الحرس المصاحب له أنه سيتم إخلاء بعض شقق العمارة ويخصص له دورين، بينما الدور الثالث سيخصص لرجال الحرس، أومأ مرسى برأسه راضياً.
أمام الباب نظر إلى من اصطحبوه، وقال على فكرة: «أنا باصلي الفجر حاضر، إوعى يكون حد فيكم مابيصليش.. أقطع رقبته»!!
في فجر هذا اليوم، ارتدى محمد مرسى جلبابه الأبيض، وطاقية صُنعت من نفس القماش، ارتدى البُلغة، وأمسك بالسبحة، وقبيل أذان الفجر بقليل خرج بموكبه ليؤدي صلاة الفجر، ثم يعود لينام، لقد كان على موعد جديد مع القصر الرئاسي!!
في الحادية عشرة صباحاً وصل محمد مرسى مجدداً إلى قصر الاتحادية، طلب من ابن شقيقته أسعد الشيخة أن يجمع له كبار الموظفين بالقصر، ليعقد معهم اجتماعاً، وبالفعل في الموعد المحدد حضروا جميعاً.. دخل عليهم محمد مرسي في الصالة الملحقة بمكتب الرئيس، رحب بالحاضرين، نظر إليهم الواحد تلو الآخر، كأنه يريد أن يكتشف نواياهم، بدأ حديثه بالقول: «أهلاً بيكم، أنا عاوزكم تطّمنوا تماماً، أنا مش حامشيكم.. لكن يا أحباب، أنا شغلي من 8 صباحاً إلى 12 مساء، اللي عاجبه أهلاً وسهلاً واللي مش عاجبه يمشي، أنا راجل جد وأحب الرجالة اللي تشتغل، عهد التكية انتهى، أنا ماعنديش هزار، شغل يعنى شغل»، ثم نظر إلى الحاضرين وقال بلهجة حاسمة: «حد فيكم مش عاجبه الكلام؟».. صمت الحاضرون وبدوا وكأنهم موافقون على كلام مرسي
كان إلى جواره في هذا الوقت د. أحمد عبد العاطي، الذي عيّنه مديراً لمكتبه، وأسعد الشيخة، ابن أخته الذي عينه نائباً لرئيس ديوان رئيس الجمهورية، وأيضاً د. خالد القزاز، وهو رجل أعمال يبلغ وزنه نحو 160 كيلوجراماً.
كانت مهمة خالد القزاز في البداية هي تنظيم وجبات الأكل وأنواعه، هكذا عهد إليه مرسي، لقد دعا المسئولين عن المطبخ إلى اجتماع معه، وقال: «أنا حاعمل جدول الأكل وانتم عليكم التنفيذ، واللي مش موجود عندكم هاتوه من مطاعم خارج القصر، بس تكون مضمونة»!!
حدد خالد القزاز جدول الأكل على الوجه الآتى:
يومان سمك وإستاكوزا وجمبري.
يوم حمام.
يوم بط.
والباقى فراخ ولحمة.
وعندما سُئل القزاز عن الكميات، قال: «هاتوا براحتكم، أنا عايز وجبات لحوالي 200 فرد أو أكتر».
اندهش رجال المطبخ، وراحوا يقارنون هذا السفه بأيام مبارك، الذي كان يقتصر فقط على وجبات محدودة لأهل منزله، لم يكن أمامهم من خيار، قال لهم خالد القزاز: «أنا لي أكلى الخاص فطار وغدا وعشاء، إنما المهم دلوقتي الرئيس عاوز جمبري من النوع الكبير، وعاوز كمان إستاكوزا، تكون مقشرة»!!.
كان خالد القزاز يأتى مبكراً كل صباح. وضعوا له مائدة في غرفته. منذ الصباح المبكر تُملأ المائدة بكميات من الفطير المشلتت وعسل وباتيه وكرواسون، ولا تُرفع المائدة إلا وقت أن يحل موعد الغداء، وكان لخالد القزاز سفرجى مستمر إلى جواره، مهمته كلما أكل القزاز شيئاً يأتى له بالبديل، وهكذا تظل المائدة عامرة بالأكل حتى موعد الغداء.
كان القزاز شرهاً في الأكل، ولا يتوقف عن المضغ، وكذلك كان رئيسه محمد مرسي.
كان البرنامج اليومي للرئيس: الحضور إلى القصر الرئاسي في الصباح المبكر، ثم يتناول الإفطار في أغلب الأحيان، ثم يلتقي الضيوف والمسئولين، ثم يؤمّ المصلين في صلاة الظهر داخل المسجد الرئاسي، ثم يواصل لقاأته، ثم يتناول وجبة الغداء، ويؤدي صلاة العصر، ويأخذ «الأنسولين»، ويخلد إلى النوم، ويصحو فى المساء، وبعد أن يصحو يتابع الأوضاع مع مساعديه، ثم يؤدي صلاتي المغرب والعشاء، ويتناول وجبة العشاء، ثم يغادر إلى منزله فى العاشرة أو الحادية عشرة مساء.
كان القصر الرئاسي مهتماً بوجبات الغداء للرئيس وأعوانه أكثر من اهتمامه بأي شىء آخر.
وكانت «الفتّة» حاضرة في المشهد، كان الرئيس يدعو بين الحين والآخر السلفيين وقيادات الجماعة الإسلامية ومساعديه من قيادات الإخوان ومن مكتب الإرشاد إلى وجبة فتّة أسبوعية، كانوا يفترشون في صالونات الرئاسة، ويأتون بالصواني المحشوة بالفتة والخرفان، يجلسون على الأرض بمن فيهم الرئيس، ويبدؤون في تناول وجبة الأكل، التي تستمر لفترة طويلة، حيث يبدعون فى «فصفصة» الخرفان والإوز والجديان، ويلقون باللبن
الرايب عليها، وإلى جوار الفتّة كان الحمام الذي كان يجرى التهامه بطريقة غريبة، وبسرعة رهيبة وبكميات هائلة. قُدمت الفواتير إلى نائب رئيس الديوان أسعد الشيخة بقيمة مليون و250 ألف جنيه قيمة المأكولات المقدمة، لم يكترث الشيخة لهذا المبلغ، وعندما سأل أحد المسئولين عن المطبخ: «هوّ مبارك كان بيصرف كام على الأكل؟»، قيل له إن الوجبات كنت محدودة وقيمتها لم تتعدَّ 300 ألف جنيه في العام.
قال بدهشة: «في العام ولّا في الشهر؟».
قيل له: «بل طيلة العام.. لأنه لا يقدم وجبات إلا للضيوف الذين يكون من المقرر أن يعزمهم على الغداء أو العشاء، وهي فى كل الأحوال حالات نادرة، وغير ذلك كان يتناول هو وأسرته وجبات داخل منزله محدودة العدد، محدودة التكاليف».
قال أسعد الشيخة: «طبعاً، يسرقوا البلد ويعملوا نفسهم شرفاء»!!، ثم نظر إلى المسؤول عن المطبخ وقال له: «خليك زي ما انت فى الأكل، اصرف براحتك».
كانت الوجبات تأتى لنحو 160 شخصاً من الإخوان وحلفائهم الذين قام الرئيس بتعيينهم في القصر الرئاسي، وكانت بقية الوجبات تذهب إلى الأهل في الشرقية بسيارات خاصة، وبعضها يذهب إلى مبنى مكتب الإرشاد بالمقطم ومقر حزب الحرية والعدالة في لاظوغلى بشكل يكاد يكون يومياً.
كان الرئيس يحرص في كل صباح على أن يسأل عن وجبة الغداء قبل أي شىء آخر. ثم إنه كان قد أصدر تعليماته للمسؤول عن المطبخ بأن يعد صندوقاً يومياً من المأكولات للدكتورة باكينام الشرقاوي، مساعدة الرئيس، لتصطحبه معها إلى منزلها بعد أن اشتكت إليه من أن عملها إلى جواره يحرمها من القدرة على «طبخ» الأكل لزوجها، وظلت باكينام تصطحب معها هذا الصندوق يومياً حتى آخر يوم لها في القصر الجمهوري. أما نائبه المستشار محمود مكي فقد طلب الرئيس أن يخصص له جناح في فندق «تريومف» المجاور للقصر الرئاسي، له ولأسرته، كلّف الدولة خلال إقامته هو وأسرته فيه لمدة لا تزيد على أربعة أشهر ما قيمته 2 مليون جنيه، وعندما طلب أحد المسؤولين برئاسة الديوان من الرئيس أن يخصص للنائب فيلا من فيلات الرئاسة لأن ذلك سيكون أقل كلفة قال له الرئيس: «وهو أنت حتدفع من جيبك؟ يا أخي اسكت وخليك في حالك»!!
لقد كان من ضمن الضيوف الدائمين على وجبة الفتّة الأسبوعية، والتي تحولت بعد ذلك إلى يومية فى أغلب الأحيان؛ طارق الزمر وعاصم عبد الماجد والشيخ محمد عبد المقصود والشيخ الحوينى وصفوت حجازي وصفوت عبد الغنى، وغيرهم من المشايخ الذين كانوا يترددون على القصر الرئاسي.
لقد كانت التعليمات تصدر من مدير مكتب الرئيس أحمد عبد العاطى إلى المسؤولين بالقصر بأن يُسمح لسيارات بعينها بالدخول إلى القصر دون تفتيش ودون معرفة من فيها، مجرد أرقام للسيارات فقط كانت تُعطى لبوابات القصر، فيُفتح لها الباب واسعاً، بل إن بعض ركاب هذه السيارات كانوا يدخلون إلى القصر ويخرجون منه ملثمين ولا أحد يعرف أسماءهم أو هويتهم.. كانوا يلتقون بالرئيس ومعه أحمد عبد العاطى وأسعد الشيخة وعصام الحداد ورفاعة الطهطاوي، يغلقون على أنفسهم الأبواب، ثم يتناولون «الفتّة» ويخرجون دون أن يتعرف أحد على بعضهم.
لقد رصد الجهاز المركزي للمحاسبات ما قيمته تسعة آلاف جنيه يومياً للمأكولات بالقصر الرئاسي، إلا أن الحسابات الحقيقية التي تم التوصل إليها في أعقاب سقوط محمد مرسى تقول: «إن مجمل ما تم صرفه على المأكولات، في العام الذي حكم فيه الإخوان مصر بلغت داخل القصر الرئاسي ما قيمته 14 مليون جنيه بمعدل مليون و250 ألف جنيه شهرياً».
لقد احتار رجال القصر فى وصف حالة النَّهم التي يمتاز بها مرسى ورجاله وحلفاؤه للأكل بأنواعه المختلفة، ووقفوا مندهشين أمام الكميات الضخمة التي كانوا يلتهمونها، حتى ظن البعض أن ذلك يشكل قاسماً مشتركاً بين كل هؤلاء.
كانت الأحاديث داخل القصر تدور همساً، كان الموظفون والطباخون يتندّرون على كميات الأكل التي راحت تتدفق، لتصل إلى بطون رجالات الإخوان وأعوانهم داخل القصر الرئاسي دون غيرهم، لقد كانوا يعاملون موظفي القصر على أنهم جواسيس للنظام السابق، لا يجوز معاشرتهم أو إشراكهم فى وجبات الغداء التي كانت روائحها تنتشر في شتى أنحاء المكان.
وكانت أشد المشاهد إثارة للتقزز هي تلك التي تحدث أثناء تناول الطعام، حيث كانوا يرفضون استخدام الشوك والسكاكين، ويهجمون على الأكل بطريقة تثير الغثيان، وكان بعض من بقايا الفتّة يظل عالقاً بالذقون إلى ما بعد انتهاء وجبات الأكل.
تحولت صالات القصر الرئاسي، خاصة الصالة الملحقة بمكتب الرئيس، إلى صالات كريهة من رائحة الطعام، وأصبح العاملون بالقصر يعانون أشد المعاناة يومياً في إزالة آثار تلك الروائح ومخلفات الطعام على سجاد صالات القصر.
أصبحت مطاعم الرئاسة تعمل على مدار الساعة، وظل الطباخون يعملون بجد واجتهاد، وتحول العنوان الرئيسي لقصر الاتحادية يومياً إلى: «ماذا سنأكل اليوم؟!».
وعندما وقعت أحداث الاتحادية فى أيام 4، و5، و6 ديسمبر نُصح الرئيس بالتوجه إلى قصر القبة، حيث المكان أكثر أماناً، كما أن عمق القصر سيحول دون سماعه لأصوات وهتافات المتظاهرين على عكس قصر الاتحادية.
اصطحب محمد مرسي معه زوجته وأولاده وأحفاده وغادر إلى قصر القبة بمنطقة حدائق القبة، استقل هو وزوجته بالجناح الملكي في القصر، أما أولاده وأحفاده فقد خُصص لهم الدور الثاني كاملاً.
وفى يوم الجمعة، 7 ديسمبر، طلب محمد مرسي «لبشتين قصب»، أبدى مسؤولو القصر دهشتهم.
قال له أحدهم: «سيادتك عاوز عصير قصب؟».
رد عليه مرسى بعنف: «أنت مابتفهمش يا جدع أنت؟ باقولك لبشتين قصب، علشان نمصها أنا والأولاد».
كان شيئاً غريباً وغير طبيعي، صدرت التعليمات بتكليف بعض المسئولين بالقصر بأن يسرعوا فى إحضار «لبشتى القصب»، وبالفعل جىء باللبشة ودخلت إلى بلكونة الجناح الملكي، وجاء مرسى بالزوجة والأحفاد ليبدؤوا في التهام «لبشة القصب» ويلقوا بالفضلات فى سلة مهملات وُضعت لهم خصيصاً بالبلكونة، وكان ذلك مثار استياء موظفي القصر، الذين قارنوا كيف كان يحافظ الرؤساء السابقون على هذا الجناح الملكي الذي كان يحوى كنوزاً أثرية، وكيف كان مرسى يهين المكان بالعبث في محتوياته وتحويله إلى قاعة طعام ومصّ القصب.
وفى أثناء عيد الأضحى المبارك «الأخير» كان محمد مرسى وزوجته وأبناؤه «أسامة وشيماء وعمرو وعبد الله» يقيمون في دار الحرس الجمهوري المجاور لقصر الاتحادية، طلب محمد مرسى أن يأتوا إليه ب6 أفخاذ من الخراف، ظن مسؤولو المطبخ أن هناك ضيوفاً سيزورون الرئيس، ولكن كانت دهشتهم كبيرة وهم يرون أن الأفخاذ الستة هي فقط للرئيس وأولاده الأربعة، وكان ذلك شيئاً مذهلاً، فقد أكلوا حتى الثمالة.
كان أبناؤه يأتون بأصحابهم وأصدقائهم معهم إلى دار الحرس الجمهوري، يأكلون ويشربون بشراهة، ثم يركبون الخيول والسيارات الرئاسية ويعبثون بها بطريقة مثيرة للاستياء.
وكان أبناؤه يتجولون في القصور الرئاسية في رأس التين ورأس الحكمة في مرسي مطروح والقناطر الخيرية وغيرها.
وكانت زوجته تعزم صاحباتها في قصر «الحرملك» بالمنتزه في الإسكندرية، على أشهى المأكولات والأسماك التي كانت تأتيهن بكميات هائلة.
وفى إحدى المرات، وبحضور عدد من نساء الإخوان، راحت أم أحمد تسخر من أثاث القصر وتقول إنه قديم ولا بد من تجديده، وتسخر من اللوحات الأثرية وتقول: «همه الجماعة دول كانوا بيعبدوا الشيطان ولا إيه؟»، وهي تشير إلى لوحات مضت عليها عقود طويلة من الزمن.
وكانت أم أحمد تسخر من حنفيات القصر ذات المقابض الذهبية والأثرية وتقول أمام صديقتها: «هذا تخلف، أنا حاشيله كله».
وكان عمر، نجل الرئيس، مغرماً باستراحة الرئاسة في القناطر الخيرية، وكان يذهب لاصطياد السمك في هذه المنطقة، ويظل حتى وقت متأخر من الليل دون أن يصطاد شيئاً يُعتد به، مع أن هذه المنطقة مكتظة بالأسماك بسبب منع الصيد فيها، وبعد ثلاثة أيام قضاها عمر في هذه الاستراحة لم يتمكن من صيد كميات معقولة من الأسماك، فطلب من بعض موظفي الاستراحة أن يشتروا كمية من الأسماك ويملأوا له «الآيس بوكس» بالسمك حتى يذهب إلى خطيبته ويقدم لها هذه الأسماك التي سيقول لها إنه اصطادها بمهارة من نهر النيل.
وبالفعل جاءوا إليه بكميات السمك المطلوبة وقدمها إلى خطيبته الطالبة في كلية الطب.
كان عمر قد أهدى خطيبته سيارة من سيارات رئاسة الجمهورية «فولفو 2011» أتوماتيك، غير أن خطيبته اصطدمت بالسيارة فتحطمت، فقام عمر بتسليمها محطمة إلى مؤسسة الرئاسة واستبدلها بسيارة أخرى أهداها إلى خطيبته.
وكان الرئيس قد أمر منذ اليوم الأول بتسليم أبنائه وزوجته سيارتي «مرسيدس» أو «بى. إم. دبليو» لكل منهم، وهذه السيارات كانت مخصصة بالأساس لضيوف الرئاسة، بل إن الأمر امتد إلى المستشارين وكبار الموظفين الإخوان بل وبعض قيادات مكتب الإرشاد، الذين تحولت إمكانات القصر الرئاسي لصالحهم ولصالح مطالبهم الخاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.