بدأ الفرقاء السياسيون السوريون الحديث بلغة مشتركة في محادثات جنيف للسلام لإنهاء الحرب الأهلية الدائرة في بلادهم لكن كلا من الجانبين له تفسير مختلف تماما للكلمات التي تقال على مائدة التفاوض. والآن وقد انتهت الجولة الاولى من المحادثات نعرض فيما يلي دليلا لفك "شفرة جنيف" او التعبيرات التي استخدمها ممثلو حكومة الرئيس بشار الاسد والمعارضة والتفسير المتباين الذي يقدمه كل من الفريقين لكلماته. جنيف 1 هو بيان صدر بعد اجتماع القوى العالمية في جوان عام 2012 في نفس المدينة التي استضافت المحادثات الأخيرة. دعا البيان الى "وقف دائم للعنف المسلح" وانتقال سياسي تقوده "هيئة حكم انتقالية" يتم تشكيلها بالتوافق. يقول الوسيط الدولي الاخضر الابراهيمي إن البيان يمثل حجر الأساس لجهوده لإنهاء الحرب الأهلية التي تحتل فكرة الانتقال السياسي موقع القلب منها. لكن قراءة كل من الجانبين لبيان "جنيف 1" مختلفة تماما. تقول المعارضة ان الدعوة الى الانتقال السياسي تعني أن المحادثات يجب أن تؤدي الى رحيل الاسد وهو ما ترفضه الحكومة. وتوجه الحكومة الاتهام للمعارضة بأنها تنتقي ما يعجبها من "جنيف 1" ولا تركز الا على مسألة الانتقال وتتجاهل شرط وقف اطلاق النار. وتقول الحكومة ايضا إنه تم الاتفاق على "جنيف 1" حين كانت للصراع آليات مختلفة مشيرة الى أنه "ليس نصا مقدسا" وملمحة الى أنه لم يعد الخطة المناسبة للتسوية. مكافحة الإرهاب لا تظهر كلمة ارهاب في بيان "جنيف 1" لكن وفد الحكومة يقول إنها القضية الاساسية والملحة في هذه المحادثات المعروفة باسم "جنيف 2". اذن من يكافح الارهاب في سوريا؟ في حين تفرض مقاتلون مرتبطون بتنظيم القاعدة سيطرتهم على اجزاء من مناطق خاضعة لسيطرة مسلحي المعارضة في شمال وشرق سوريا فإن المسؤولين وصفوا جميع مقاتلي المعارضة المسلحة فيما سبق بالإرهابيين. وبالتالي فإن مكافحة الإرهاب بالنسبة للحكومة هو مرادف لمعنى محاربة وهزيمة مقاتلي المعارضة. وتقول المعارضة إن مكافحة الارهاب هي ما يقوم به مقاتلو المعارضة في اشتباكاتهم مع تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام المرتبط بالقاعدة. ويتهمون القوات الجوية والمدفعية الحكومية بتفادي قواعد الدولة الاسلامية في العراق والشام خلال القصف. هيئة حكم انتقالية ربما تكون هذه الهيئة محور الخلاف الرئيسي في جنيف. فقد دعا بيان "جنيف1" الى إنشائها للاشراف على الانتقال السياسي وقال إنها يجب أن تضم عددا من أعضاء الحكومة الحالية والمعارضة وجماعات أخرى. وأضاف أن هذه الهيئة يجب أن "تمارس صلاحيات تنفيذية كاملة." وتقول المعارضة إن هذا يعني ألا يكون هناك دور للأسد في حكم سوريا مستقبلا. لكن الحكومة ترفض فكرة هيئة الحكم الانتقالية جملة وتفصيلا. كان مسؤولون قد تحدثوا عن حكومة وحدة وطنية محتملة لكن الاسد استبعد لعب المعارضة في الخارج دورا مشيرا الى أنها ستشبه الحكومة السورية الحالية كثيرا. المعارضة لا يتفق الجانبان حتى على من تكون المعارضة. يتكون وفد المعارضة الذي شكله الائتلاف الوطني السوري من قاعدة محدودة نسبيا من معارضي الرئيس. وليست له سيطرة على القاعدة الكبيرة والقوية من مقاتلي المعارضة الاسلاميين في سوريا ولا يضم ايا من المنتمين للمعارضة في دمشق التي يعتبر الائتلاف أنها متسامحة مع وجود الأسد أكثر من اللازم. وفي حين أن تكتل القوى المناهضة للأسد المعروف باسم مجموعة "اصدقاء سوريا" أعلن الائتلاف في ديسمبر 2012 الممثل الشرعي للشعب السوري فإن ممثلي الحكومة يرفضون منحه أي اعتراف. ويشير وفد الحكومة الى "الطرف الآخر" في جنيف قائلا في افضل الاحوال إنه لا يمثل سوى جزء صغير من المعارضة السورية. وتساءلت بثينة شعبان مستشارة الاسد "من هم؟ من يمثلون؟" وقف اطلاق النار والمعتقلون كان الابراهيمي يأمل استغلال الايام الاولى من المحادثات لإحراز تقدم على صعيد إجراءات بناء الثقة مثل توصيل المساعدات الانسانية ووقف إطلاق النار في مناطق معينة وتبادل السجناء. مرة أخرى يرى كل من الجانبين الأمور من زاوية مختلفة. تقول الحكومة إن فكرة وقف اطلاق النار في حد ذاتها غير ملائمة لأنها تنطبق على الصراعات بين الدول. لكنها طرحت فكرة وقف إطلاق النار في مدينة حلب بشمال سوريا منذ اسبوعين ويقول دبلوماسيون غربيون إن الشروط التي قدمتها هي شروط لاستسلام المعارضة أكثر من كونها هدنة. من جانبها فإن تأثير المعارضة المحدود على المقاتلين داخل سوريا يعني أنها لا تملك من القوة ما يكفي لضمان التزام مسلحي المعارضة بوقف اطلاق النار. وحين أثار الابراهيمي قضية المعتقلين قالت المعارضة إن لديها قائمة بأكثر من 47 ألف مفقود تريد الإفراج عنهم. لكن الحكومة قالت إنها اطلعت على قائمة أصغر كثيرا وإن الأغلبية العظمى ممن تم تحديد هوياتهم اما أفرج عنهم او لم يعتقلوا قط.(رويترز)