كتب عبد الباري عطوان مقالا في صحيفته الإلكترونية "الرأي اليوم" تحت عنوان "التسريبات التركية حول 'فبركة' هجوم بالصواريخ من الاراضي السورية يؤكد 'نظرية المؤامرة' مجددا لتفتيت سوريا وتدمير جيشها واشعال الحرب الطائفية فيها"، تطرق فيه حول علاقة التسريب الصوتي الأخير المثير للجدل في تركيا و"نظرية المؤامرة" في سوريا وقال عطوان في مقاله أن التسريب الأخير الذي حول اجتماع انعقد في وزارة الخارجية التركية برئاسة السيد احمد داوود أوغلو وزير الخارجية ومشاركة اربعة مسؤولين كبار بينهم رئيس جهاز المخابرات حقان فيدان وبحث افتعال "ذريعة" لتوجيه ضربة عسكرية تركية لسوريا لا يقل خطورة عن ذريعة اسلحة الدمار الشامل العراقية التي جرى استخدامها لتبرير غزو العراق واحتلاله، و"تجعلنا نعيد النظر في معظم تطورات الازمة السورية منذ بدايتها من حيث التعمق في دراسة مواقف الدول المتورطة فيها من منظور مختلف تماما." وأضاف عطوان في مقاله أن "اربعة مسؤولين اتراك يجتمعون في غرفة داوود اوغلو يناقشون سيناريو "تنفيذ عملية سرية" لتبرير تدخل عسكري في سوريا، حيث يقول الجنرال حقان فيدان رئيس جهاز المخابرات وبصوت مسموع انه يمكن ارسال اربعة رجال الى سوريا لإطلاق اربعة صواريخ على ارض بور داخل الارضي التركية يتم استخدامها بعد ذلك كمبرر لشن هجوم على سوريا. وأوضح الكاتب أن وزارة الخارجية التركية لم تنف حدوث الاجتماع ولا مضمون ما دار فيه، ولكنها قلت "انه تم التلاعب في التسجيل" وشجبت التسريب باعتباره عملا "اجراميا خطيرا". ويستنتج الكاتب هنا أنه "عندما تحدث النظام السوري عن 'مؤامرة' تستهدف سوريا متورطة فيها دول عربية واجنبية لم يصدقه الكثيرون، لان سجله على صعيد حقوق الانسان وانتهاكه لها لم يكن ورديا على الاطلاق، ومصداقية اجهزته الاعلامية كانت متدنية وغير مهنية او موضوعية، ولكن كان واضحا ومنذ جرى اخراج الانتفاضة السورية عن سلميتها، وتدفق الاسلحة والمليارات والمقاتلين ان هذه الرواية السورية تنطوي على الكثير من الصحة". واستدرك عطوان أنه لا يبرئ النظام السوري من المسؤولية، فقد ارتكب اخطاء كارثية، وادارته للازمة كانت ادارة تعتمد بالدرجة الاولى على الحلول الامنية الدموية، والرئيس السوري بشار الاسد اعترف في مقابلات صحافية ان النظام يتحمل جزءا من المسؤولية عن ما حل في سوريا من اعمال قتل ودمار، ولكننا لا نبرئ المعارضة السورية والدول الداعمة لها، وخاصة المحور التركي القطري، ومن ثم المملكة العربية السعودية التي وضعت وتضع كل ثقلها خلف الاعمال القتالية ومنظماتها في سوريا. واستشهد عبد الباري بسلفيو برلسكوني رئيس الوزراء الايطالي الاسبق الذي اكد في حديث لوكالة الانباء الايطالية "اينا" ان "الثورة" في ليبيا مفتعلة، وان خطط تدخل حلف الناتو جرى وضعها قبل اشتعال فتيلها، واتهم نيكولا ساركوزي بفكرة مظاهرة بنغازي والمبالغة في تضخيم خطر القذافي ونواياه بارتكاب مجزرة فيها. ويستنتج عطوان أن "هذا التسريب التركي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول دور تركيا ودول اخرى في اشعال فتيل الازمة في سوريا، وفبركة اسبابها، او صب الزيت على نارها، وعسكرة انتفاضة شرعية تطرح مطالب مشروعة بالتغيير الديمقراطي والعدالة الاجتماعية بهدف تدمير سوريا، وتفتيت وحدتها الترابية وقتل 150 ألف انسان بريئا من شعبها وتشريد أكثر من خمسة ملايين من ابنائه في مخيمات الاذلال داخل البلاد وخارجها". ويتساءل عبد الباري أنه إذا كانت المخابرات التركية تتحدث عن "فبركة" هجوم بالصواريخ يقوم به بعض عملائها على تركيا من داخل الاراضي السورية لتبرير هجوم عسكري فلماذا لا نفترض ان المخابرات هذه نفسها، ومعها مخابرات أمريكية وبريطانية وعربية "فبركت" الكثير من الذرائع لتفجير الحرب الاهلية والصراع الطائفي في سوريا لأسباب لا علاقة لها بمصالح الشعب السوري الذي دفع ويدفع ثمن هذه الفبركات من دمه؟ ويعود ليشير إلى أنه عارض النظام السوري منذ 15 عاما، وانتقده ومازلنا ننتقد الكثير من سياساته الداخلية والخارجية، ولكننا كنا وسنظل مع الشعب السوري ونقف في خندقه في مواجهة اي مخطط لتدمير بلاده التي هي بلادنا، وقتل ابنائه الذين هم ابناؤنا، عرفانا بالجميل لدماء كل شهيد سقط دفاعا عن القضايا العربية والاسلامية على مر العصور". واعتبر أن الشك يطوي كل ادعاءات المتورطين في المؤامرة على سوريا، والعرب منهم خاصة، ومن تعاون معهم، وكل أحاديثهم عن حقوق الانسان والديمقراطية، مثلما بتنا متأكدين من دور فضائيات الفتنة في تأجيج الانقسامات الطائفية والعرقية، ودور "شهود عيانها" في تزوير الحقائق. وأضاف أن السلطات التركية الحاكمة التي لعبت رأس الحربة في الازمة السورية وتأجيجها وايصالها الى ما وصلت اليه من تأزم ودمار لم تخدم مصالحها، كما لم تخدم مصالح الشعب السوري الذي تدافع عنه، وقد تكون خلقت حالة من عدم الاستقرار التي ستطالها حتما، وما الانقسامات الحالية واعمال العنف والارهاب التي تشهد بعضها تركيا حاليا الا احد الامثلة في هذا الخصوص. وأقر عطوان أن حجب "التويتر" و"اليوتيوب" الذي اقدمت عليه هذه السلطات لمنع وصول الحقائق الى الشعب التركي والعالم لن يحقق اغراضه، لان الزمن تغير، ووسائل التواصل الاجتماعي من الصعب السيطرة عليها، وفوق كل هذا وذاك هناك ديمقراطية في تركيا ترى في هذا الحجب مصادرة لأبسط قيمها وهي حرية وصول المعلومات للشعب. واعتبر ان ما نشاهده حاليا من تسريبات لحقائق كانت غائبة عنا هو مجرد قمة جبل الثلج المخفي تحت الماء، وقطعا سنرى ونسمع الكثير في المستقبل عن "الفبركات" والأدوار التآمرية على الشعب السوري، ونحن على ثقة ان هذا الشعب، ومعه كل الشعوب العربية والاسلامية لن يتوان عن محاسبة كل المتورطين والمتآمرين سوريين كانوا او غير سوريين، عربا كانوا او غير عرب، قادة او اجهزة اعلامية. وختم عبد الباري عطوان مقاله بتأكيده على أن الجريمة لم تكن مطلقا في التسريبات واعمالها وانما في المضمون والنوايا التي تضمنتها التسريبات، وهي قد تشكل ضربة قاصمة لتركيا وسلطاتها ومكانتها في معظم الدول العربية والإسلامية. (الرأي اليوم)