أثارت التحركات العسكرية الأمريكية التي رُصدت خلال اليومين الماضيين في البحر الأبيض المتوسط غير بعيد عن الحدود البحرية الليبية، قلقا متزايدا لدى الأوساط السياسية الليبية التي لم تتردد في وصفها ب"المُريبة والمُثيرة للتكهنات". فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، "البنتاغون"، مساء الأربعاء، أنها نقلت حوالي 200 جندي من مشاة البحرية "المارينز" من قاعدتهم بإسبانيا إلى جزيرة صقلية الإيطالية، بسبب "بواعث قلق بشأن الاضطرابات في شمال أفريقيا". وهؤلاء الجنود هم جزء من قوة "الاستجابة للأزمات" التي شكلت حديثا عقب الهجوم الدامي على البعثة الدبلوماسية الأمريكية في مدينة بنغازي في 2012. وقال العقيد ستيف وارن الناطق الرسمي باسم البنتاغون، إن هذا التحرك يندرج في إطار "خطة طارئة، لأننا نعتقد أن الوضع الأمني في شمال أفريقيا يتدهور إلى نقطة حيث يمكن أن تكون هناك تهديدات". ورفض وارن تحديد طبيعة التهديدات المُتوقعة والكشف عن مكانها، حيث اكتفى بالقول إن هذا التحرك من شأنه "تعزيز قدرة الولاياتالمتحدة على الردّ على أية أزمة"، الأمر الذي فتح باب التكهنات واسعا وسط غموض مُحبك ساهم في بروز تساؤلات مُتعددة حول الأهداف الحقيقية الكامنة وراء هذا التحرك العسكري. وترافقت تلك التساؤلات مع بروز تخوفات جدية من قرب تنفيذ ضربة عسكرية لليبيا ضمن إطار عملية "أزهار الربيع" التي كانت "العرب اللندنية" قد كشفت عن جزء من تفاصيلها، خاصة أن مسؤولا أمريكيا، أكد في تصريحات سابقة أن "بواعث القلق الأمريكية تتركز على ليبيا". ودفعت هذه التأكيدات في اتجاه تزايد حدة انشغال الأوساط السياسية الليبية والمراقبين على حد السواء، لاسيما وأن قرار البنتاغون المتعلق بنشر مثل هذه القوات الخاصة المعروفة بتدخلها في الأزمات يأتي فيما شرع الكونغرس الأمريكي في مناقشة تشريع جديد يُفوض البنتاغون بتنفيذ عمليات مُحددة داخل الأراضي الليبية، وذلك في إطار مراجعة الإجراءات الأميركية ذات الصلة بمقتل السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة من معاونيه داخل القنصلية الأميركية بمدينة بنغازي الليبية في عام 2012. وجاء التحرك الأمريكي الجديد في ظل حالة من الانفلات الأمني بليبيا، فضلا عن سيطرة ميليشيات مسلحة على مواقع حساسة بالبلاد، ولجوئها إلى اختطاف الدبلوماسيين لمقايضتهم بمعتقلين متشددين لدى دول مثل الأردن وتونس، وهناك تخوفات في واشنطن من إمكانية استهداف السفارة الأميركية مجددا. ولا تُخفي الأوساط الليبية خشيتها من تبعات هذه التطورات الميدانية، حيث تسود حاليا ليبيا حالة من الترقب والانتظار للضربة الأميركية المحتملة التي لم يعد أي كان يناقش حتمية حدوثها، وإنما أضحى البحث يتمحور حول التكهن بمداها وارتداداتها. وبحسب المحلل السياسي الليبي سامي عاشور، فإن مثل هذه الضربة أضحت شبه مؤكدة رغم ضبابية الوضع الميداني في ليبيا، ولفت إلى أن ليبيا اليوم "تبدو فاقدة لسيادتها ومستباحة بكل المقاييس والمعايير السياسية والأمنية". ورغم أن كل المؤشرات تدل على أن أمرا ما يُحضر لليبيا، فإن أحمد الأمين الناطق الرسمي باسم الحكومة الليبية برئاسة أحمد معيتيق، اعتذر عن التعليق بشأن التحركات العسكرية الأمريكية في المتوسط. وقال "ليست هناك معلومات رسمية حول هذه التحركات العسكرية الأمريكية، وبالتالي لا تعليق لدينا"، علما وأن معيتيق سبق له أن أعلن رفضه التدخل الأجنبي في ليبيا، واصفا الأمر ب"غير المقبول". واستبعد معيتيق في تصريحات سابقة أن تكون هناك نوايا للمجتمع الدولي للتدخل في بلاده، واصفا التقارير بخصوص هذا الموضوع بأنها "إعلامية أكثر منها واقعية". وبين هذا الرأي وذاك، تكاد مختلف الأوساط السياسية والأمنية تُجمع على أن أمريكا ودولا غربية أخرى قد تكون حسمت أمرها في اتجاه توجيه ضربة عسكرية محدودة لليبيا بهدف إنهاك الميليشيات تمهيدا لقلب موازين القوى على الأرض. ويرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية بحوزتها قاعدة بيانات لأهداف يتعين ضربها وذلك في إطار "مواجهة الفوضى"، لتتزايد بذلك مخاوف الليبيين، وترتفع حدة القلق لأن الضربة الأمريكية لم تحصل بعد، ولكنها أصبحت بالنسبة لهم بحُكم الواقع المؤكد. (العرب اللندنية)