تطرح مسألة الأطراف المعنية بالمشاركة في الحكومة القادمة تساؤلات عدة حول الائتلافات الممكنة وطبيعة الحكومة هذا بالإضافة إلى مشاركة حركة النهضة من عدمها. في هذا السياق، اتصلت "الصباح نيوز" بالخبير علية العلاني فقال انه "لا شك أن كل تونسي وتونسية ينتظر بفارغ الصبر تجسيم الوعود الانتخابية وفي مقدمتها بناء الجمهورية الثانية وتكوين الحكومة المكلّفة بإحداث نقلة نوعية في حياة التونسيين، وفي قفة المواطن وهموم الفلاح، ومشاغل رجال المال والأعمال، وهواجس الأمني والعسكري الذي لا يزال يدفع ضريبة الخلل الأمني الذي تركته حكومة الترويكا، وتطلعات النخبة من رجال التعليم والإعلام والكوادر العليا للدولة. إن مختلف هذه الانشغالات ستدفع حركة نداء تونس للإسراع بتشكيل الحكومة". كما أشار إلى أن تسمية شخصية مستقلة على رأس الحكومة بادرة جيدة، مضيفا : "والمأمول أن لا تكون حكومة محاصصة حزبية بل يتم وضع الكفاءة المناسبة في المكان المناسب سواء كانت متحزبة أو مستقلة". وبخصوص تشريك "الإسلاميين" النهضة في الحكومة القادمة، والتي تكاد تحتل أكثر النقاشات في الفترة الأخيرة، فبيّن أن "هناك سيناريوان ممكنان لتشريكهم ويتمثل السيناريو الأول في عدم مشاركتهم في الحكومة بوزراء، وفي مقابل ذلك تتم استشارتهم في برنامج الحكومة وتركيبتها، وحبذا لو يتم إسناد بعض الوظائف الدبلوماسية لهم (مثلا سفيران وقنصلان من ذوي الكفاءة في سفارات غير حساسة) مع منصبين لمستشارين برئاسة الجمهورية. ويمكن تبرير هذا التّمشّي لسببين أساسيين الأول هو أن تجد حركة النهضة متسعا من الوقت لإعادة النظر في أطروحاتها وتعلن في نصوص واضحة وقطعية عن تخليها عن فكر الإخوان المسلمين وتنظيمهم، وتؤكد أنها حزب مدني يرفض خلط الدين بالسياسة، وحينها يصبح هناك مبرر لتشريكها لاحقا في التركيبة الحكومية، والسبب الثاني هو فسح المجال لعودة الاستثمار الخليجي إلى تونس"، وأوضح علية العلاني : "أتصور أنه من الصعب على الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت تقديم مساعدات أو استثمارات هامة لتونس في ظل حكومة يتواجد بها إسلاميو حركة النهضة. وبقدر ما تُسرع النهضة في إعلان تخليها الكامل عن عقيدة تيار الإسلام السياسي وتنظيماته بقدر ما تكون أقرب إلى التصالح مع الفاعلين السياسيين في الداخل والخارج، لأني لا أتصور أنه ما زال لتيار الإسلام السياسي الإخواني دور يلعبه حاضرا ومستقبلا في المنطقة العربية. فدولة قطر لن تكون قادرة على دعم تيار الاسلام السياسي مستقبلا بعد مؤتمر المصالحة الأخير في الدوحة، كما أن حسم الصراع في ليبيا لن يزيد عن بضعة أشهر وكل الدلائل تشير إلى سقوط مدوي لأسهم الإخوان في أي انتخابات مقبلة لتورطهم في مساندة فجر ليبيا المتحالفة مع أنصار الشريعة والقاعدة. وبالتالي ليس أمام حركة النهضة سوى التأقلم مع هذه المستجدات لتبقى في المشهد السياسي بأسلوب جديد ومنهجية جديدة" كما أضاف : "إن لي ثقة كبيرة في الأستاذ راشد الغنوشي كي يقوم بإنجاز مهمة تاريخية وهي تحويل "تيار الإسلام السياسي" إلى "تيار الإسلام الإصلاحي" الذي شهدته تونس ومصر وبعض بلدان العالم العربي في القرن 19 وهو تيار يقوم على ركيزتين، أُولاهما، الانفتاح على علوم الغرب ونُظُمه السياسية، وثانيهما، عدم توظيف الدين في السياسة. وأعتقد أن الغنوشي مُدرك ومُتفهّم لعوائق عودة الاستثمار الخليجي إلى تونس ولا أراه يمانع في تذليل الصعوبات أمام عودته خاصة وأن تونس مقبلة على تحديات اقتصادية في غاية التعقيد. ويعرف الغنوشي مليا أن الأغلبية التي حصل عليها النداء وحلفاؤه سواء في التشريعية أو الرئاسية عنوانها الأبرز منْعُ حركة النهضة من العودة إلى الحكومة. ويعلم أيضا أن في فشل عمل الحكومة القادمة فشل للتجربة الديمقراطية الناشئة يمكن أن تكون نتيجتُها العودة إلى الفوضى وربما العودة إلى مربع الاستبداد، وفي هذه الحالة لن يكون للإسلاميين موقع في الحياة السياسية. ..إن أمام النهضة فرصة تاريخية لكي تتتونس وتتصالح مع إسلامها المحلي وتُلقي عرض الحائط عقيدة الإخوان المسلمين التي خلفت ولا تزال أكبر دمار في بنية المجتمعات العربية والإسلامية". أما بالنسبة للسيناريو الثاني الذي يمكن أن تنتهجه الحكومة الجديدة، فبيّن أنه يتمثل في أن "تُسند لحركة النهضة مناصب رمزية في الحكومة لا تشمل وزارات الداخلية والخارجية والدفاع والعدل والتعليم والشؤون الدينية"، قائلا : "لكني مازلت أعتبر السيناريو الأول هو الأفضل لتونس ولحركة النهضة وللجميع". وأضاف : "أتصور أن التزام النهضة بالسيناريو الأول سيؤثر بلا شك إيجابيا في سائر التيارات الإخوانية بالعالم العربي لكي تعيد وتراجع مقارباتها. وسيبعث رسالة قوية للعالم بأن الإسلاميين تصالحوا مع الديمقراطية والحداثة والدولة المدنية. ولا ننسى أن الرأي العام الوطني مازال تحت صدمة الإرهاب وآخرها العملية الغادرة التي راح ضحيتها منذ يومين عون الأمن الشهيد محمد علي الشرعبي والتي يمكن اعتبارها من مخلفات السياسة الأمنية الخاطئة لحكومة الترويكا. فلنترك الزمن للزمن لكي تلتئم الجراح ولنفتح صفحة جديدة ولتساند النهضة الحكومة دون الدخول فيها مقابل الترضيات التي ذكرناها.. ومقابل البحث عن صيغة مثالية ترضي الجميع في مسألة العدالة الانتقالية".