نام الطير وسكت الحمام عن الهديل وما نمت وصاح الديك معلنا عن مقدم الفجر وما أخذتني سنة،وانبلج الصبح وما دغدغني الكرى وبقيت مسهدا ليالي متتالية وطويلة ،ارافق عقارب ساعات الليل البهيم واترنح تحت دقات الثواني والدقائق والساعات ، ولا انام وتراني كالحارس الليلي ، اجوب شوارع المدينة وحيدا واجوب ازقة الذاكرة اليتيمة وحيدا ،وتارة اجلس على قارعة الايام الماضية وطورا احلق في سماء الايام القادمة ، وانسج من الاحلام الوردية صروحا ومن واقعي الاليم جروحا ، واركض كالحصان العربي الاصيل في فلاة افكاري واقوض منتجعات اسراري وافترشها على بساط واقعي الجريح ، وادمر امسي بيومي واغتال غدي بسكين جمودي العاطفي الغريب، واروض نفسي الملتاعة لكي تتعود على السهاد وتعود الصحة لجسمي المنهك، وانقذ حياتي من الدمار القادم ، حتى بلغ مرضي مسامع اقاربي واحبابي ،فنصحني أحدهم بزيارة عيادة طبيبة نفسانية ، فآمتثلت للامر،وحبر ما دخلت الى عيادتها ، أحسست بعطرها الهادئ ، الجذاب ، المنعش يهز كياني ، ولاول مرة منذ بدء معاناتي اليومية ، شعرت بانني مسافر الى ربيع كنت احلم برياحينه منذ الصبا ، وجلست على الاريكة المريحة صامتا ، سابحا في سماء الاحلام في هدوء غريب ، متأمّلا في رحاب القاعة الفسيحة والمريحة ، حتى جاءني صوتها هاتفا بآسمي ، صوتها الملائكي ، منغما ، هادئا معبرا ، ساحرا عذبا ،فأنقذتني من غفوتي ، ومددت لها يدي في آنسجام عجيب ، فأخذتني من سبابتي وادخلتني الى قاعة الكشوفات والفحوصات ، كانت حقا ملاك رحمة ،كانت ممشوقة القوام ، ترفل في ملاءتها البيضاء القطنية ، وعلى عينيها السوداوين نظارة طبية رقيقة ،زادت في جاذبيتها وبهائها وسماحة وجهها ، وقبل ان انبس ببنت شفة ، رايتها تطيل التأمل في سنحات وجهي ، وتقرأ من كتاب عينيّ صفحات سهادي الاسطوري، ثمّ مدت لي وصفة طبية ، بعد ان دونت لي بعض المسكنات والمهدئات، وطلبت مني مراجعة العيادة بعد اسبوع.. خرجت من جنة عشقها شاكرا وكلي نشوة بمعرفتها ،لانني سمعت قلبي يرتجف لهمسها ومشاعري تذوب في غياهب حسنها ، لاول مرة تذوب مداركي في كأس حبها المعتق ، لاول مرة اسمع نبض قلبها في اعماق فؤادي ، لاول مرة تعود لي نغمة النوم الهادئ .. كالحمل الوديع..لاول مرة اقتنع بان اقراص العشق المهدئة ابلغ شفاء من المسكنات الكيميائية ، فما أبدع الحب؟